كتبت: أمل وحيش
عندما يحاط المرء بكتلة من المشاعر السلبية التي تحكمها البيئة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعادات والتقاليد والتي غالباً ما تحد من نشاط المرأة لكونها امرأة فقط، ويضاف إليها تبعات الحرب التي تمر بها البلاد منذ 7سنوات حينها لا مفر من الاستسلام والتوقف عن الاستمرار وتحقيق المراد في ظل حرب أنهكت الجميع وتسببت في استياء الأوضاع المعيشية والنفسية على حد سواء ، إلا أن الكاتبة يسرى عباس حديث قصتنا لليوم كانت قوية ومتماسكة واستمرت بل وازدادت إصراراً لتسقط معاناة الناس على أرض الواقع من خلال أعمالها الدرامية التي عُنيت بالمواطن وقضاياه وساهمت إيجابياً إنعاش الدراما اليمنية.
بيئة شرسة
قصتنا من مواليد 1987م قرية الواسطة مديرية الخبت محافظة المحويت، حيث البيئة الجبلية المتصفة بشراسة تضاريسها ، وصعوبة العيش فيها، لكنها تنجب مقاتلين أشداء متمسكين بالحياة ،يعشقون التميز، وينحتون في الصخر أسمائهم مؤكدين أن الإنسان هو من يصنع النجاح وليس العكس.
يسرى حسن عباس أشهر كاتبة سيناريو في اليمن، كتبت العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والإذاعية، كما كتبت مجموعة من الأعمال الفنية للعديد من الجهات المحلية والعربية.
بدأت شغفها وهي طالبة في الإعدادية متأثرة بالكتب والقصص التي كانت تقرأها، لأدهم صبري، رأفت الهجان والزير سالم والرجل المستحيل حتى استطاعت أن تثبت لنفسها ومن حولها أنه لا يوجد مستحيل.
بـداية سرية
كتبت يسرى باكورة أعمالها الدرامية وهي في المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة، تناولت كراستها لكتابة كم هائل من الكلام المكتظ في دهاليز خيالها حتى أنها لم تأبه لاستغاثة الكتب التي تدعوها للمذاكرة فهي على مشارف نهاية المرحلة الثانوية، وكانت الاستجابة أكبر لنداء القلم والخيال، شرعت يسرى بكتابة قصتها التي لم تعد تتذكر اسمها لمرور فترة طويلة على كتابة هذا العمل. بدأت تسرد كل يوم تفاصيل جديدة تعيش وتتغلغل بداخلها ككاتبة لم تنهي الثانوية العامة بعد. لا أحد يعلم من عائلتها أنها تكتب قصة، ستغير مجرى حياتها.. انتهت يسرى من كتابة القصة ووضعتها تحت فراشها دون أن تعلم أمها بذلك حتى لا توبخها لأنها أهملت المذاكرة وبعد أن انتهت يسرى من ترتيب شخصيات قصتها وبناء حبكتها، عادت لتحبك مذاكرتها لتنهي المرحلة الثانوية.
وبعد انتهائها من اختبارات الثانوية عادت يسرى لتعيد ترتيب قصتها ولم يطل الوقت حتى جاء من يأخذ هذه القصة لترى النور.
أرسلت يسرى قصتها عبر البريد للمشاركة في مسابقة بمجال القصة أقامتها المؤسسة اليمنية للفنون والتراث.
مر شهران دون جدوى ، وكان قد تسلل إلى قلبها اليأس والإحباط بأن قصتها لم يأبه لها أحد أو يعيرها أي اهتمام.
وقبل أن يسيطر عليها الإحباط فوجئت باسمها على شاشة التلفزيون من ضمن الأسماء الفائزة في مجال كتابة القصة وتحديداً في العام2008م. لم تسعها الفرحة من جهة، ومن جهة أخرى ساورها القلق والتوتر كيف ستخبر والديها وإخوانها بأنها تريد أن تسافر إلى صنعاء ليتم تكريمها بعد إبلاغها هاتفياً بضرورة السفر للتفاهم حول شراء القصة منها لكي يتم إنتاجها تلفزيونياً.
الحيرة الممزوجة بالفرح لم تجعلها تنم طوال الليل ..أخيراً قررت أن تخبر والديها بأنها كتبت قصة وفازت صارحتهم صباح اليوم التالي لكنهم لم يصدقوا في البداية فكيف لابنتنا التي أكملت الثانوية قبل أيام أن تكون بهذا القدر من الإبداع. بعد لحظات شرود تقبلا الأمر وشجعا ابنتهما للسفر والفرح بهذا النجاح.
وبدأ بقية الأهل بتقبل الأمر فيما بعد ، بعد معارضة واستنكار بحجة العيب ،وأنه لا يصح أن تشتغل الفتاة ، أو تكتب وتلتحق بمجال كالإعلام والفنون، لكن مع مرور الأيام تقول يسرى:” تعود الناس والأقارب وتقبلوا فكرة أني كاتبة سيناريو وبدأوا يشجعوني ويفتخروا بي خاصة إخواني”.
بداية الشهرة
بعد فوز يسرى بجائزة عن قصتها التي شاركت فيها تم شراء القصة من قبل المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون حيث أنتجتها بعد تغيير الاسم إلى “أشواق وأشواك” وتم إنتاج هذا المسلسل في العام التالي 2009م، وعرض على قناة اليمن الفضائية والقنوات الحكومية الأخرى فكانت تلك هي الانطلاقة والفرحة التي لا تضاهيها فرحة أن ترى أحد أعمالك الذي ولد من رحم المعاناة حقيقة ويجسد في مسلسل يراه كل اليمنيين.
لاقت قصة أشواق وأشواك نجاحاً كبيراً وبعد عرض المسلسل تم تكريم الكاتبة يسرى عباس عن أفضل قصة درامية لذلك العام كونها قصة مختلفة في حبكتها، وتفاصيل قلما تجد كاتب يهتم لها، وكون يسرى أول كاتبة تعمل على نقل الدراما اليمنية نقلة نوعية من خلال هذا المسلسل الذي كان له صدى كبير في أوساط المشاهدين اليمنيين.
بعد ذلك انقطعت يسرى عن الكتابة بسبب التحاقها بالجامعة للدراسة، فقد التحقت بقسم الفيزياء رغم شغفها وميولها ورغبتها بدراسة الإعلام والفنون، لكن بيئتها لا تسمح للفتيات بالالتحاق بهذه التخصصات للفتيات لأنها تراها من المحرمات.
إلا أن يسرى ناضلت خفية كما هو حال كتابة قصتها الأولى ودون علم أحد، درست عامين في كلية الفنون الجميلة في الحديدة بعد انتقال عائلتها للسكن هناك لفترة من الزمن .. وبعد أن أكتشف أحد أفراد عائلتها ذلك تعرضت للانتقاد والمسائلة من الجميع الأمر الذي جعلها تترك الكلية، لكنها لم تترك عشقها لكتابة القصص والسيناريو.
لم تتوقف يسرى عن التغني بشغفها، فقد عملت على تطوير نفسها من خلال الالتحاق بالعديد من الدورات التدريبة في مجال كتابة القصة والسيناريو وكل ما يتعلق بالمجال الدرامي، حتى أنها كتبت في العام 2010 قصة أخرى “أنياب الشر” وبعد مرور عشر سنوات كتب لهذه القصة أن تخرج من ظلمات الأدراج إلى نور الشاشة في العام 2021 لتعرض على الفضائية اليمنية كمسلسل درامي تم تحديثه بما يتناسب مع الأحداث التي تعيشها البلاد.
أعمال معظمها أُنتجت في زمن الحرب
من الأعمال الدرامية الشهيرة التي كتبتها الكاتبة يسرى عباس، مسلسل “أشواق وأشواك” أنتج في عام 2009م ومسلسل “أنياب الشر” كُتب في العام 2010م وأنتج في العام2021م بعد تحديث القصة بما يتناسب مع الواقع المعاش في ظل الحرب والمعاناة التي يمر بها المواطن اليمني، وتحدث المسلسل عن العديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية من ضمنها التوعية بأهمية نبذ العنف وترك الكراهية والوقوف صفاً إلى صف كمواطني بلد واحد، كما ناقش أهمية الاعتماد على خيرات الوطن بما فيها الزراعة لمواجهة الظروف الاقتصادية التي تمر بها اليمن نتيجة للحرب التي تدور أحداثها منذ ما يقارب سبع سنوات. وتستمر مفاجآت يسرى عباس في زمن الحرب لتكتب من جديد خط درامي ومسار آخر مختلف عما سبق ليكون هذا المسلسل علامة فارقة في مسيرة يسرى الدرامية التي لم تبدأ بعد وهو “سد الغريب” المسلسل الذي لاقى نجاحاً كبيراً لاختلافه عن الأعمال الدرامية التي تقدم على الشاشة اليمنية، كونه كسر حاجز الجمود والنمطية وتعداه إلى الإثارة والحبكة والغموض والأكشن..
يسرى تكتب للإذاعة كما كتبت للتلفزيون ومن أهم ما كتبته حديثاً للمستمعين في أنحاء اليمن شمالاً وجنوباً المسلسل الإذاعي “الحال من بعضه” الذي تم إنتاجه في العام2021م وبث في العديد من الإذاعات المحلية، ويتحدث عن الأوضاع الراهنة التي تمر بها اليمن وهي تحت وطأة الحرب ، وعالجت من خلال المسلسل قضايا أفرزتها الحرب كالعنصرية والمناطقية التي تفرق بين أبناء المجتمع الواحد فالكل متضرر من هذه الحرب سواء في الشمال أو الجنوب، كما ركزت على أهمية التلاحم المجتمعي والتمسك بمبدأ السلام الفردي والمجتمعي حتى يستطيع الجميع الخروج من هذه الأزمات التي أضرت بالجميع إلى بر الأمان وهذا ما اتضح جلياً من اسم المسلسل “الحال من بعضه”.
رغم قساوة الحرب وسوءاتها إلا أنها لم تزد يسرى عباس إلا إصراراً وتحدٍ فتحولت رسائل الحرب من رسائل سلبية تحتضنها الذاكرة في أوقات معنية إلى رسائل إيجابية مفادها بأن العزيمة لن تهدأ والإصرار لن يحيده عائق وإن كان هذا العائق هو حرب لعينة، زادت من معاناة شعب بأكمله. تقول يسرى” أنا اكتب شيء ملموس ومحسوس ولذلك أعيش مع أبسط الناس الذين أعد جزء منهم كي أوصل معاناتهم من خلال ما اكتب” وحول تأثير الحرب عليها سلبياً تقول يسرى “الحرب لاشك سلبية على الكل، لكن الكاتب أو الفنان والموسيقار الجميع بشكل عام هؤلاء يعيشون المعاناة التي تولد لديهم الإبداع فيسقطونها على الواقع “.
رأيها بوضع الكاتبة اليمنية
تقول يسرى بأن هناك كاتبات يمنيات شابات مبدعات لم تتح لهن الفرصة لعرض أعمالهن، وكذلك كاتبات لم يأخذن حقهن من التدريب والتأهيل كي يبدعن ويكتبن أعمال درامية ولو أتيحت لهن الفرصة وتوفرت فرص التدريب أو التطوير سنرى كاتبات يمنيات صانعات للقصة الدرامية المحترفة. في المقابل هناك فتيات يكتبن لكن أهاليهن عن جهل يمنعوهن من الكتابة بتهمة أن الكلام الذي تكتبنه عيب ، بل يتهمن بأنهن يكتبن لأحد ما.. مع ذلك تتطلع يسرى عباس إلى رؤية كاتبات مبدعات ينهضن بالدراما اليمنية، وان تتغير المفاهيم المغلوطة عن فن الكتابة والإعلام لدى البعض
” نتعب لنصنع اسم وليس الأجر “
لم ينقطع إبداع يسرى عباس ونشاطها وقوة إرادتها فهي ماتزال تكتب مسلسلات وفلاشات إذاعية وتلفزيونية تهتم بالمرأة والسلام والمجتمع ككل، منها ما بُث وعرض في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومنها ما هو قيد انتظار متبني لهذه الأعمال المتكدسة، فيسرى تكتب باستمرار كلما راودتها فكرة، أو عايشت واقع وقصص من حولها.
كما أن لديها أعمال كانت ستنتج عربياً لولا اشتراط الجهة المنتجة بشراء القصة منها مقابل مبلغ من المال شرط أن تتنازل عن اسمها لكنها رفضت وتمسكت بحقها بأن يكون العمل باسمها كونها هي من كتبت وتعبت، وتضيف “نتعب لنصنع اسم وليس الأجر”
وآخر أعمالها الذي انتهت للتو من كتابته مع مجموعة من زملائها الكُتاب هو مسلسل جديد لم يفصح عن اسمه بعد ، وتتلخص أحداثه حول معاناة الحرب والنزوح ومسارات أخرى مثيرة سترى النور في رمضان القادم 2022م من إنتاج شركة “دوت نوشن” للإنتاج.
تدرس يسرى عباس العروض المقدمة لها لمغادرة اليمن، للعمل في إحدى الدول العربية مع إحدى شركات الإنتاج العربية. وتتمنى أن تتطور أكثر في مجالها وأن تكون رقماً صعباً كما تحلم بأن تكتب أفلام تصل للعالمية، وتقول دائماً أنها تعيش بمبدأ من اكتفى اختفى، وأن الاكتفاء والغرور دمار للنجاح، فهي لا تكتفي من القراءة والمشاهدة والدراسة في كل ما يتعلق بمجال الكتابة وكل ما يمكنه أن يطور من كتابتها ويوصلها للعربية إن لم يكن للعالمية، وتقول:”طالما أننا نحلم ونسعى سنصل”.
تم انتاج هذة المادة بالتعاون مع منصة الخيط الأبيض .