بوابتان وجدار واحد: قرار “الفصل” بجامعة صنعاء

شارك المقال

رؤى عبد السلام – نسوان فويس

تستعد “أسماء”، الطالبة في سنتها النهائية بجامعة صنعاء لعام 2025، لحفل تخرجها وهي تحمل في ذاكرتها تجربتين متناقضتين؛ فقد بدأت رحلتها الجامعية في بيئة تعليمية مختلطة اعتادها اليمنيون لعقود، قبل أن يصطدم واقعها الأكاديمي بقرار مفاجئ في أغسطس 2023، صادر عن “ملتقى الطالب الجامعي” بالتنسيق مع إدارة الجامعة.

قضى القرار بفرض فصل تام بين الجنسين، وتحويل الجدول الدراسي إلى نظام “شطري” وزع أيام الأسبوع مناصفة؛ فخُصصت أيام السبت والأحد والاثنين للطلاب، بينما باتت أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس حصراً للطالبات.

من كُلّيتين إلى جدار العُزلة

هذا التحول الذي بدأ في كليتي الإعلام والتجارة قبل أن يتمدد ككرة الثلج لبقية الكليات، خلق فجوة زمنية ومهارية لم تكن في الحسبان، حيث وجدت طالبات الدفعات المتقدمة أنفسهن معزولات فجأة خلف جدار زمني، بينما بدأت الدفعات الأصغر (سنة ثالثة حالياً) مسيرتها دون أن تعرف معنى التفاعل الأكاديمي المشترك.

سباق المناهج

وبحسب مصادر متطابقة – فضلت عدم ذكر اسمها -، فإن القرار اتخذ مساراً إدارياً لم تسبقه دراسات أكاديمية، مما أجبر الكادر التدريسي على ضغط المناهج العلمية الضخمة في نصف الوقت المتاح؛ إذ باتت الفتاة الجامعية مطالبة باستيعاب مادة الفصل الدراسي كاملة في ثلاثة أيام فقط.

فيما يوضح أكاديميون أن هذا النظام تسبب في “تآكل” زمن الاستيعاب، حيث تحولت المحاضرات إلى تلقين سريع لتعويض الساعات المفقودة، وسقطت حصص التطبيق العملي والمناقشات البحثية كضحية أولى لهذا الزحام. ولم يتوقف الضرر عند التحصيل العلمي، بل امتدّ ليرهق الأكاديميين الذين باتوا يضطرون لتكرار الشرح ووضع نماذج امتحانات مزدوجة، وسط ارتباك في توحيد جودة المعلومة الواصلة للجنسين، وهو ما وصفه بعضهم بـ”العبء اللوجستي الذي أضعف مخرجات الجامعة”.

من القاعات الهادئة إلى ارتباك الميدان

تجلت آثار هذه العزلة القسرية حين بدأت أسماء وزميلاتها التدريب الميداني والنزول للمؤسسات والشركات؛ حيث تصف لحظة مواجهتها الأولى للواقع العملي المختلط بقولها: “كنا نتحدث بثقة في القاعات المختلطة سابقاً، لكن بعد عامين من الفصل، شعرت عند نزولي للميدان كأنني طفلة تتعلم الكلام من جديد، لقد نشأ حاجز نفسي لم يكن موجوداً”.

هذا الارتباك النفسي والمهني يحلله الدكتور محمد مهيوب، أخصائي علم الاجتماع، مؤكداً في حديثه لمنصة ” نسوان فويس” أن الفصل المفاجئ خلق “صدمة واقع”؛ فالفتاة التي اعتادت التعامل مع نصف المجتمع فقط، تجد نفسها اليوم عاجزة عن التواصل المهني الجاد أو اتخاذ القرار في بيئة العمل الحقيقية.

كائن خلف الجدار

فيما تقول الأخصائية النفسية إيمان لمنصة نسوان فويس: إن الطالبات اللواتي لم يدرسن مع الطلاب أبداً (دفعات سنة ثانية وثالثة حالياً) يواجهن تحديات أكبر، إذ تحول “الرجل” في نظرهن إلى كائن خلف الجدار، مما يبني حواجز نفسية وتوجساً يعيق العمل الجماعي والنمو الشخصي.

من جهتها، تؤكد أيضاً الأخصائية الاجتماعية مروى الحمادي أن التعليم الجامعي كان يمثل “مرحلة تهيئة” طبيعية للحياة، بينما أدى نظام الثلاثة أيام إلى عزل الطالبات عن أدوات القوة المهنية ومهارات التواصل الأساسية، مما يجعلهن في موقف ضعف أمام المنافسة الوظيفية.

وبالنظر إلى تاريخ جامعة صنعاء، يبرز تساؤل جوهري حول جدوى هذا التحول؛ فاليمن عاش عقوداً من التعليم المشترك الذي صقل شخصية المرأة اليمنية دون أن يمس بمنظومة القيم والعادات المحافظة. ومع غياب الدراسات الأكاديمية التي تقيس أثر هذا الانفصال الزمني على تكوين الشخصية، تبقى تجربة أسماء وزميلاتها في دفعات 2025 دليلاً حياً على واقع جديد يفرض نفسه؛ واقع يضع الخريجة أمام مفارقة قاسية: هل نجح القرار في حماية “الخصوصية”، أم أنه نجح فقط في دفع الفتاة الجامعية لمواجهة عالم واقعي متكامل، وهي لا تملك سوى نصف وقت دراسي، ونصف مهارة تواصل، وجاهزية نفسية مشطورة؟

تم توليد الصورة بواسطة الذكاء الاصطناعي

مقالات اخرى