سهى محمد – نسوان فويس
لم تكن هند (اسم مستعار) تتوقع بعد 6 سنوات خطوبة، أن مدة زواجها لن تستمر لأكثر من سنة وبضع شهور، الزواج الذي كانت تعقد عليه آمال عريضة، وتتطلع أن يكون زوجها الذي انتظرته كل هذه السنوات سندا وشريكا تواجه معه كل مصاعب الحياة، لتنقلب كل هذه الآمال والتوقعات رأسا على عقب في حياة هند، ويفشل زواجها خلال مدة قصيرة للغاية.
في أول أيام زواجي تعرضت للضرب والتعنيف، أمام أهل زوجي، دون أن يحرك أحدا ساكنا، كنت أتألم، لكن الجميع تحت مبرر أنها مشاكل تخصنا التزموا الصمت والحياد، بل أن انتظاري له ست سنوات -فترة الخطوبة- كانت سببا إضافيا، دفع الآخرين للتعامل مع تعنيفي أمامهم أنه طارئ ويمر طالما تمرست على الصبر
تحت وقع الصدمة
تتحدث هند لمنصة “نسوان فويس” قائلة: ” كنت أحلم بحياة مثالية، هانئة، أعيش فيها بكرامة مع من اخترته شريكاً لي، لكن بعد خطوبة استمرت لسنوات طويلة، تخللها الكثير من الأحلام والطموحات التي كنت أعزم على تحقيقها مع زوجي، انهار زواجنا ”
” في أول أيام زواجي تعرضت للضرب والتعنيف، أمام أهل زوجي، دون أن يحرك أحدا ساكنا، كنت أتألم، لكن الجميع تحت مبرر أنها مشاكل تخصنا التزموا الصمت والحياد، بل أن انتظاري له ست سنوات -فترة الخطوبة- كانت سببا إضافيا، دفع الآخرين للتعامل مع تعنيفي أمامهم أنه طارئ ويمر طالما تمرست على الصبر ” تضيف هند.
تطورت أشكال التعنيف التي واجهتها هند وحيدة منكسرة، بدءا بمنعها من الخروج من البيت، ومنعها لشهور من التواصل مع أهلها رغم وجودهم في ذات المدينة.
لم يتوقف تعنيف هند عند هذا الحد، تتحدث عن ضغط وترهيب من نوع آخر، قائلة: ” ضغط علي في مسألة الحمل، حملت في الشهور الأولى من زواجي، رغم عدم تقبلي لفكرة الحمل والإنجاب منه، بسب التعنيف والضرب الذي كنت اتعرض له، لم أكن أريد أن تظلم روح جديدة بالطريقة ذاتها التي تظلم فيه والدته، أو أن يترعرعوا في بيئة مضطربة لا قيم فيها، ولا رحمة ولا مودة”.

بعد الحمل وجدت هند نفسها متهمة من قبل زوجها بحمل غير شرعي، ومع هذا الاتهام عادت دورة التعنيف مما تسبب لها بالإجهاض، ” اكتشفت أن ورقة طلاقي كانت جاهزة ضمن أوراق له منذ قبل الحمل حتى، وحين واجهته، أخبرني أنه يراني كأخته ولا حاجة له بي، والأولى ألا أناقشه لماذا حدث كل الذي حدث، وكيف أرغمني على الحمل ومارس معي كافة أشكال التنكيل والاضطهاد!”.
أخيرا قررت هند أن تضع أهلها في الصورة، لينتهي هذا الزواج الذي لم تخرج منه إلا بالأذى النفسي والبدني، فيما ظل المتسبب خارج المحاسبة كأنه طرف ثالث في العلاقة.
الضغوط الاجتماعية كسبب
” تلاحق المرأة المطلقة في حضرموت وصمة عار، ونظرة دونية، كما لو كانت ارتكبت جرم، أو سببا في فشل العلاقة، رغم أنها في الغالب الطرف المتضرر، الذي وقع عليه الأذى، إذ يتم معاملتها من قبل المحيط بنبذ وعدم تقدير، كأنها كائن دخيل عاد ولم يعد له مكان، ولا حق في تقرير مصيره “. تقول إيناس باضريس، مدير إدارة الحالة بمشروع توفير خدمات سبل العيش للنساء والفتيات الأشد ضعفا بالمكلا، في حديث لمنصة “نسوان فويس”.
وتنوه باضريس أن الأطفال هم المتضرر الأول من انهيار العلاقات الزوجية، ليس فقط لأنه يلحقهم نفس الأذى والنظرة القاصرة التي تلحق بوالدتهم، وإنما لأنهم يعانوا من تبعات نفسية جراء هذا الفشل، تولد فيهم سلوكيات العدوانية أو الانطواء، أو الشعور بالنقص.
يرتكز الزواج في حضرموت على التوافق بين أسرتين، ويأتي التوافق بين الزوجين في مراحل متأخرة إن لم تكن معدومة تماما، هذه القاعدة تمنح الأسر سلطة كبيرة للتحكم في حياة طرفي العلاقة، وهذا ما يفاقم الخلافات إذ أن 90% من مشاكل الطلاق سببها تدخل الأهالي.
كما تساهم التنشئة الاجتماعية الخاطئة على إعلاء شأن الذكورية، على حساب إرساء قواعد وأسس قواسم التفاهم والالتقاء المشترك بين طرفي العلاقة، إلى جانب ما ألقاه الوضع الاقتصادي المنهار وخصوصاً للأسر ذوات الدخل المحدود والضعيف من تبعات فاقمت الخلافات التي يؤدي كثير منها للطلاق.
عدم وجود تعريف واضح لجرائم الشرف في القانون اليمني، يجعل من الصعب مقاضاة مرتكبيها إضافةً إلى أنه لا توجد قوانين شاملة تعاقب على جميع أشكال العنف الأسري، وغالباً ما يتم التسامح مع هذه الجرائم
الفقر وقصور القوانين
” الفقر واحد من أهم الأسباب التي فاقمت ظاهرة تعنيف المرأة، خاصة مع انقطاع الرواتب، إذ يؤدي إلى زيادة التوتر والضغوط على الأسرة، وبالتالي نشوب الخلافات والعنف، وهذا السبب ربما يفسر تفاقم الظاهرة مؤخرا” يقول، توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات لمنصة “نسوان فويس”.
ويوضح الحميدي أن قوانين حماية حقوق المرأة ومنع التعنيف غير مفعلة، مضيفا:” تواجه القوانين المحلية في اليمن تحديات كبيرة في حماية حقوق المرأة ومنع التعنيف لأسباب عدة، منها القصور في تنفيذ القوانين، وتضاربها مع العادات والتقاليد، التي غالباً ما تضع المرأة في مرتبة أدنى”.
تعاني القوانين اليمنية من ثغرات كثيرة، إذ لا تحدد بشكل واضح مفهوم العنف ضد المرأة وأنواعه، ولا توفر حماية كافية للمرأة المعنقة، كالقتل باسم الفجأة، والشرف، والأقارب.
فيما يساهم ضعف تطبيق وتنفيذ الحكم القضائي اليمني إلى إفلات الجناة من العقاب، وعدم حصول الضحايا على العدالة وخاصةً في ظل الحرب وتعطل أغلب المؤسسات القضائية، وضعف سيادة القانون والفساد وغيره.
” عدم وجود تعريف واضح لجرائم الشرف في القانون اليمني، يجعل من الصعب مقاضاة مرتكبيها إضافةً إلى أنه لا توجد قوانين شاملة تعاقب على جميع أشكال العنف الأسري، وغالباً ما يتم التسامح مع هذه الجرائم ” يستطرد الحميدي.
متطرقاً إلى العقبات التي قد تواجه النساء في اليمن للحصول على حقوقهن القانونية بعد الطلاق والتي تتعدد بين العقبات المجتمعية والقانونية وغيرها، وعلى رأسها، عقبات العادات والتقاليد، والخوف من الوصمة الاجتماعية، والضغوط الأسرية، إلى جانب العقبات القانونية المتعلقة بقوانين الأحوال الشخصية غير العادلة.

الأعراض النفسية للتعنيف
في سياق متصل يشير، قاسم محمد، أخصائي نفسي، أن الضغوطات التي تمارسها الأسر على النساء وإجبارهن على البقاء في نطاق الزوجية بغض النظر عما يتعرضن له من تعنيف، سبب رئيس لتدهور السلامة النفسية للنساء.
مشيرا إلى أن الاكتئاب، والقلق، والخوف، وعديد اضطرابات نفسية أبرز الأعراض التي تظهر على النساء المعنفات زوجيا.
ويشدد قاسم على أهمية تواجد دور ومراكز الدعم النفسي: ” وجود مراكز داعمة للنساء المعنَّفات أمر حيوي لتقديم الخدمات النفسية والقانونية والاجتماعية التي تساعدهن على التعافي والاندماج في المجتمع “.
وبشكل عام ظاهرة العنف الأسري والطلاق تكشف عن حاجة ملحة إلى تغييرات اجتماعية وثقافية عميقة لتعزيز مكانة المرأة وحمايتها من الانتهاكات الأمر الذي يتطلب جهوداً مؤسسية مكثفة لتوفير الدعم النفسي والقانوني اللازم للنساء المعنَّفات.
استغلال لنصوص مطاطة
أشارت دراسة “جدران هشة ” التي تناولت موضوع العنف الأسري ضد المرأة أثناء الحرب في اليمن خلال الفترة 2014-2021 الصادرة عن مواطنة لحقوق الإنسان، إلى أن النزاع المسلح أدى لتفاقم وضع النساء والفتيات في اليمن، وأن العنف القائم على النوع الاجتماعي في المجالين العام والخاص، من أبرز ما يواجه اليمنيات بسبب انهيار مؤسسات الدولة.
إذ يشمل المجال الخاص العنف الأسري ضد المرأة ويتضمن السلوك الضار والمسيء من قبل أفراد الأسرة المباشرين والأقارب، ويأخذ أشكالاً عديدة بما في ذلك الإيذاء الجسدي والجنسي والاقتصادي والنفسي.
وأكدت الدراسة إلى فقر البيانات المتعلقة بظاهرة العنف الأسري ضد الفتيات والنساء في اليمن، وناقشت أبرز أنماط العنف الأسري ضد المرأة أثناء الحرب والنزاع المسلح، بما في ذلك القتل والاغتصاب والاعتداء الجسدي في إطار الأسرة.
كما تناولت الدراسة أيضًا العقبات التي تواجه الناجيات والساعيات إلى الوصول إلى العدالة، مؤكدة تفاقم فجوة التمييز وعدم المساواة.
على الصعيد القانوني أكدت الدراسة على أنه “لا يوجد في اليمن قانون ٌيتعامل بشكل خاص مع حماية المرأة من العنف الأسري، ومع ذلك، فإن العديد من الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب داخل الأسرة مشمولة بالأحكام العامة لقانون العقوبات في بعض الحالات، يتم تخفيف العقوبة بشكل غير متناسب مع خطورة الجريمة”.
وذكرت الدراسة أن الدستور اليمني يعترف بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، لكن المادة ( 31 ) من نفس الدستور تتعارض مع هذا المبدأ بالقول إن المرأة شقيقة الرجل، ولها حقوق وواجبات مكفولة و مطلوبة بموجب الشريعة الإسلامية، لذلك فإن الدستور اليمني يوفر مجالًا واسعا ومفتوحا لتفسيرات متعددة ناتجة عن الخلاف بين تفسيرات فقهاء الشريعة الإسلامية حول العديد من القضايا المتعلقة بالمرأة.

