هل أصبحت تربية الأبناء مهمة معقدة تفوق قدرات الآباء في ظل الانفتاح الثقافي المتسارع؟ وهل يكفي الحب وحده لحماية الأطفال من تيار القيم العالمية الذي يهدد استبدال الفضيلة بالأنانية؟ يجمع الخبراء على أن التربية لم تعد مجرد واجب، بل هي مشروع استثماري حاسم يتطلب وعيًا مضاعفًا لمواجهة تقلبات العصر.
الاهتمام ضرورة في زمن الانشغال
يؤكد الدكتور عبد الكريم بكَّار، الكاتب والأكاديمي السوري، أن تربية الأبناء تتطلب درجة عالية من الترقب والاهتمام، خاصة مع تزايد تأثرهم بالثقافات الأجنبية ومرورهم بمراحل عمرية متغيرة.
ويشير بكّار إلى أن ملامح التغيير الحادث في العالم تستدعي من الآباء إدراك أن أولادهم يعيشون في ظل حضارة ترسخ معاني الجمال والقوة والإغراء والأنانية، محل الفضيلة والتواضع والعطاء.
ويشدد على أن انشغال الوالدين بمشاغل الحياة وتكاليفها قد أدى إلى خسائر ليس لها تعويض، حيث تتزايد مشكلات الصغار في الوقت الذي يزداد فيه احتياجهم لأسرتهم.
ويختتم بكّار حديثه، بالتأكيد على أن الوالدين لا يستطيعان فهم حاجة أبنائهم إلا إذا تذكرا معاناتهم الشخصية حين كانا في مثل هذا العمر ولم يجدا من يمد لهما يد المساعدة.
التربية الإيجابية.. توازن بين الحرية والانضباط
للخروج من دائرة الترقب القلق إلى الفعل الواعي، تطرح الدكتورة هنا أبو الغار، أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة، مفهوم “التربية الإيجابية” كمنهج عملي.
وتوضح أن هذا النمط يرتكز على تحقيق توازن دقيق بين حماية الطفل ومنحه الحرية ليثبت شخصيته، مما يلعب دوراً هاماً في نجاح الأبناء الأكاديمي والمهني والاجتماعي.
وتعتمد التربية الإيجابية على معايير تربوية أساسية تشمل: الانضباط عن طريق الاتفاق على قواعد منزلية مع توضيح عواقب عدم الالتزام، وإعطاء الطفل مساحة للتجربة والخطأ وتحمل نتيجة أفعاله دون التهديد بالعقاب، إلى جانب التواصل الجيد والإشباع العاطفي.
وتشدد الدكتورة أبو الغار على ضرورة أن تكون التوقعات من الأبناء عالية، مع مساعدتهم على رسم أهدافهم وتحقيقها.
وتشير الدكتورة أبو الغار إلى أن من أكبر العقبات في هذا المنهج هو الإلحاح من كلا الطرفين.
وتؤكد أن إلحاح الوالدين غالبًا ما ينتهي بفقدانهم لأعصابهم وعدم استجابة الطفل، وأن البديل الأفضل يكمن في شرح الفائدة التي ستعود على الطفل من الطلب، والتحلي بالصبر، مع التأكيد على أن الآباء والأمهات هم القدوة الأولى لأبنائهم.
إنَّ الاستثمار في الطفل، وفقاً للخبراء، هو الاستثمار الأهم في المجتمع. فالتربية الإيجابية تبدأ بالحب غير المشروط وتقبُّل الاختلاف والإيمان بقدرات الطفل، لتولِّد منه شخصية واثقة وحرة، قادرة على تحمل المسؤولية.
إن مساعدة الوالدين على تبني هذا المنهج يضمن نشأة جيل أكثر صحة وذكاءً وإبداعًا، مما يدفع المجتمع علميًّا واقتصاديًّا نحو الأمام. فهل ندرك حجم هذه المسؤولية، ونحول الاهتمام إلى استثمار حقيقي يضمن مستقبل مجتمعنا؟
المصدر: مواقع عربية