معاناة صامتة في ظل المناخ القاسي باليمن.. النساء الأكثر تضرراً من الحَر!

شارك المقال

ياسمين الصلوي – نسوان فويس

في المناطق الساحلية والحارة باليمن، تُعد النساء من الفئات الأكثر تضررًا من ارتفاع درجات الحرارة. إنهن يُعانيهن بصمت، ويتحملن تقيحات وآثارًا مؤلمة على أجسادهن خلال فصل الصيف الحارق. 

هذه المعاناة تتفاقم بشكل خاص عند إصابتهن بجروح أو التهابات جلدية، وكذلك أثناء فترات الحيض أو الحمل والولادة، أو بعد الخضوع لعمليات جراحية. 

في هذا التقرير نسلط الضوء على واقع مؤلم غالباً ما يبقى غير مرئي، ويدعو إلى فهم أعمق للضغوط التي تواجهها اليمنيات.

معاناة غير مرئية 

تواجه النساء في المناطق الحارة معاناة صامتة ومؤلمة خلال فترات الحيض والولادة، تظهر على أجسادهن تسلخات جلدية حادة نتيجة لارتدائهن الفوط الصحية لفترات طويلة بسبب نقص مستلزمات النظافة أو عدم القدرة على تغييرها بانتظام.

 هذا الواقع يجعلهن عاجزات عن التعبير عمّا يؤلمهن، خصوصًا في الأسر المحافظة التي تفرض قيوداً على الحديث في هذه الأمور، مما يضاعف من معاناتهن النفسية والجسدية.

نسمة سالم” (اسم مستعار) ، إحدى هؤلاء النساء، شاركت تجربتها مع “نسوان فويس”: قبل الحرب وارتفاع كلفة المواصلات بسبب الطرق الوعرة والبعيدة، كنت أحرص على السفر إلى قريتي في ريف تعز لألد هناك، حيث الطقس معتدل، الآن، بعد أن أصبح السفر مكلفًا، أضطر للولادة في الحديدة. 

“نواجه معاناة لا يمكن الحديث عنها، تسلخات تجعلنا غير قادرات على الحركة أو المشي، نستخدم وصفات طبية للتخفيف منها، لكن دون جدوى، المعاناة في الحيض تستمر أيامًا، أما في الولادة فقد تمتد لأسابيع”، تقول نسمة.

توضح الدكتورة نهى العريقي، طبيبة نساء وتوليد، أن النساء في المناطق الحارة يفقدن كميات كبيرة من سوائل الجسم، مما يسبب ضعفًا عامًا في العضلات، ويزيد من تعرضهن للأمراض والأوبئة المنتشرة صيفًا.

 وتضيف: “نتيجة التعرق الشديد، تشعر المرأة أثناء الحمل أو الحيض أو الولادة بإجهاد شديد، مما قد يؤدي إلى ولادة مبكرة أو مضاعفات صحية خطيرة.”

من جهتها تؤكد وفاء ناجي، وهي قابلة، أن النساء في هذه المناطق يحتجن إلى نظافة مستمرة، وتغيير متكرر للفوط الصحية، وارتداء ملابس قطنية واستخدام مطهرات لتفادي التهابات المهبل وعنق الرحم. 

وتشير في حديثها لمنصة “نسوان فويس”: إلى أن نساء الأسر الفقيرة يعجزن عن شراء هذه المستلزمات الضرورية، ويلجأن لاستخدام أقمشة بديلة، ما يعرضهن لأمراض مهبلية مزمنة ومضاعفات صحية طويلة الأمد.

صراع من أجل الراحة الأساسية

تُعد مشكلة الكهرباء أحد أبرز التحديات التي تضاعف معاناة النساء، خاصة أثناء المرض أو بعد العمليات الجراحية. ففي مناطق مثل الحديدة، تعجز أغلبية السكان عن دفع تكاليف الكهرباء الباهظة، مما يجبرهم على الاعتماد على الألواح الشمسية التي غالبًا ما تكون غير كافية لتشغيل أجهزة التبريد بفعالية في ظل الحر الشديد.

أم إبراهيم اضطرت لإجراء عمليتين جراحيتين في أوج الحر، إحداهما لاستئصال الزائدة والأخرى لاستخراج أكياس من الرحم. 

تقول: “بقيت أسبوعًا في المستشفى، لكن التكاليف أجبرتني على العودة إلى منزلي الذي لا يحتوي إلا على مروحة تعمل بالطاقة الشمسية. في الأيام الغائمة، نُحرم حتى من هذه المروحة البسيطة.” 

اضطر زوجها إلى شراء مروحة أرضية لتجفيف مكان العملية، لكن ذلك لم يمنع التقيح والالتهاب. 

“بدأ الجرح يتهيج ويؤلمني، وعندما عدت للطبيب، نصحني بالبقاء في غرفة مبردة. لكن ظروفنا المادية لا تسمح. لحسن الحظ، جارنا عرض علينا البقاء في غرفته المكيفة، فكان ذلك طوق نجاة مؤقت”، تقول أم إبراهيم.

يؤكد الدكتور أحمد الحميري، جراح، أن الحرارة العالية تؤثر بشدة على الجروح، وتزيد من خطر المضاعفات والالتهابات البكتيرية. ويوصي بتأجيل العمليات غير العاجلة في حال ارتفاع الحرارة قدر الإمكان، وتوفير بيئة مبردة ومعقمة صارمة أثناء الجراحة، واستخدام أدوات لا تحتفظ بالحرارة، وتقديم سوائل باردة للمريض قبل وأثناء العملية لخفض درجة حرارة الجسم.

القيود الاجتماعية تزيد الألم

أُصيبت منال مهيوب (اسم مستعار) بجروح في ركبتها، وتفاقمت حالتها بشكل كبير بسبب الحر الشديد. 

تقول: “طلب مني الطبيب البقاء في مكان بارد، لكنني لا أستطيع تشغيل التكييف بسبب فواتير الكهرباء الباهظة. عشت على المسكنات والمضادات حتى خشيت أن تؤثر على صحتي. لو كنت في مكان بارد، لما عانيت كل هذا الألم.”

استمرت معاناة منال لثلاثة أشهر، بسبب ضيق المسكن وعدم قدرتها على التهوية أو التبريد المناسب، خاصة مع وجود ذكور في المنزل، مما يحد من حركتها ويُقلص خياراتها في البحث عن أماكن أكثر برودة أو تهوية. 

تقول منال: “النساء أكثر تضرراً من الجروح في الصيف، خصوصاً إن كانت في أماكن حساسة. الرجال يمكنهم الخروج للتهوية، أما نحن فمقيدات، ولا أحد يراعي ظروفنا.”

ويشير الدكتور الحميري أن الحرارة المرتفعة تعزز نمو البكتيريا والميكروبات في الجروح، ما يزيد من خطر العدوى وتأخر الشفاء، مشددًا على اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية لتقليل هذه المخاطر لضمان التئام الجروح بشكل سليم.

حلول ممكنة

ترى الصحفية أفراح بورجي أن النساء في المناطق الساحلية يُعاين في الصيف بدرجة كبيرة، وأن التخفيف من معاناتهن يتطلب حلولاً جذرية تتجاوز مجرد الإغاثة المؤقتة. 

وتقترح بورجي: تخفيض تسعيرة الكهرباء، لتصبح في متناول الأسر، وتمكينها من استخدام أجهزة التبريد، إلى جانب دعم الأسر الفقيرة بتوفير أجهزة تبريد أساسية أو منظومات شمسية مستدامة يمكنها تلبية احتياجات التبريد.

وتشدد بورجي على ضرورة توفير مستلزمات النظافة الصحية النسائية بأسعار ميسرة أو مجاناً، لضمان صحة النساء وكرامتهن، ونشر الوعي بكيفية التعامل مع التسلخات الجلدية والطفح الجلدي لتمكين النساء من حماية أنفسهن والتخفيف من آلامهن.

تُضيف بورجي بأسى: “بعض النساء اضطررن لبيع مجوهرتهن من أجل توفير تكييف أو دفع فاتورة كهرباء، بينما تُترك الأخريات في مواجهة الألم بصمت وعزلة، وهو ما يُبرز الحاجة الماسة لتدخلات حقيقية تُخفف من هذا العبء غير المرئي.”

 تُعد الحديدة ثاني أكبر محافظات اليمن من حيث عدد السكان. ويبلغ عدد سكان محافظة الحديدة في اليمن أكثر من 3 ملايين نسمة، تشكل نسبة سكان المحافظة حوالي 11٪ من إجمالي سكان اليمن وفقا للمركز الوطني للمعلومات.

الصورة بواسطة: Ai

مقالات اخرى