لميس الصوفي – نسوان فويس
لطالما ارتبطت صورة الطهاة المبدعين بالرجال، لكن الشيف مها (35 عامًا) تأتي لتكسر هذه القاعدة بموهبة فذة وشغف متأصل. بـ “نفس” فريد ورثته عن والدتها ونساء عائلتها في الطبخ الشعبي، تُثبت مها أن “سر المهنة” لا يعرف جنساً، وأن الإبداع يمكن أن يولد من رحم التحديات.
من الضرورة إلى الإبداع
لم يكن دخول الشيف مها عالم الطبخ الاحترافي مجرد اختيار، بل ضرورة ملحة فرضتها ظروف الحياة. فبعد توقف زوجها عن العمل بسبب ظروف صحية، وجدت مها نفسها أمام تحدي إعالة أسرتها وأطفالها الستة. استغلت خبرتها المتجذرة و”نفسها الطيب” في الطبخ لتحقيق الاستقلال المادي ودعم عائلتها.
تروي مها لـ”نسوان فويس”: “بدأت تجربتي بأصناف بسيطة من مطبخي، ثم بدأت أسوق لنفسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. رأيت حينها إقبالاً على طلباتي من بعض الزبائن، الأمر الذي شجعني على الاستمرار في العمل. وفي كل مرة، كنت أتنوع وأصنع أطباقاً مختلفة حسب رغبات الزبائن التي تصلني من وقت لآخر”.
قبل إطلاق مشروعها المنزلي الخاص، كانت الشيف مها معلمة طهي تطوعية في بعض المدارس والمؤسسات الخيرية. هذه التجربة قادتها لاحقاً لتصبح مدربة معتمدة في برنامج “توب الشيف ماري” التابع لمجموعة هائل سعيد، حيث درّبت خلال أربع سنوات طالبات في 24 مدرسة على إعداد أطباق متنوعة. تصف الشيف مها هذه التجربة بأنها “رائعة، اكتسبت منها خبرة أكبر، وأتمنى لو تتكرر”.
“مها فود” مذاق خاص وهُوية مميزة
تُبدع الشيف مها في إعداد العديد من الأصناف والمأكولات التي تحمل مذاقها الخاص وهويتها المتفردة. تشمل قائمة أطباقها الشعبية: الزربيان بأنواعه، الصيادية، الفحسة، المحشي، الطفاية، والزنجار، وغيرها الكثير.
تؤكد لـ”نسوان فويس” أن “ما يُعمل بحب وتأنٍ يؤكل بحب، لهذا ينال طبخي إعجاب عملائي”. وترى أن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها أي شيف هي “أن يكون ذواقاً وصبوراً” في إعداد أطباقه.
تُشير الشيف إلى أن “السلتة، الفحسة، السوسي، وبنت الصحن” هي الأكثر طلباً من زبائنها. كما تبرع في إعداد أطباق شرقية وغربية متنوعة، والحلويات، بالإضافة إلى الوجبات الخفيفة التي تعمل عليها بشكل شبه يومي. تُلفت مها إلى أن “الطباخ الماهر هو الذي يُجيد استخدام البهارات بالشكل المطلوب لكل وجبة”، وهو ما يميز أطباقها، وقد خصصت لنفسها ولأطباقها هوية شخصية باسم “مها فود“ تُعرف به بين عملائها.
من المنافسة إلى نقص الإمكانات
لا يخلو أي مشروع، مهما بلغت درجة إبداعه، من المعوقات. تروي الشيف مها: “في بداية الأمر، واجهت تحدياً نفسياً كبيراً، كنت متخوفة من فشل الفكرة، لكن كان هناك صوت داخلي يقول لي: إما أن تكوني يا مها أو لا. قررت حينها مواجهة خوفي.” وتضيف أنها تلقت منافسة شرسة من بعض رواد المهنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها “تجاوزت ذلك بفضل الله، وكان يدفعني أكثر وأكثر”.
إلى جانب المنافسة، عانت مها ولا تزال تعاني من نقص الإمكانات اللازمة لتوفير معدات تُساعدها على توسيع مشروعها ومواكبة حجم الطلبات المتزايدة. فبعد أن اشتهر مشروعها وبدأت تصلها طلبات من عموم المدينة، تضطر لتوفير طلباتها إما عبر خدمات التوصيل أو بإيداعها في أماكن بيع معتمدة بينها وبين الزبائن.
يؤكد الخبير الاقتصادي وفيق صالح أن المشاريع النسائية تُمثل طوق نجاة للعديد من الأسر اليمنية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتُسهم في تحسين مستوى المعيشة وزيادة إنتاجية الأسر والمجتمعات. وبحسب تقديرات حصلت عليها معدة المادة، وصل عدد المشاريع النسائية المنزلية المشابهة إلى حوالي 280 مشروعاً خاصاً.
الدعم ورسالة أمل
تُشيد الشيف مها بالدعم الأسري الكبير الذي حظيت به: “كنت محاطة بتشجيع أسرتي جميعاً، زوجي كان له الدور الأكبر، لم يتوانَ عن دعمي بأي شكل، تحمل مسؤولية رعاية الأبناء في ساعات عملي، وكان له الفضل الكبير في انطلاقي”.
من جانبها، ترى الدكتورة إيزيس المنصوري، دكتورة علم الاجتماع، أن انخراط المرأة في سوق العمل وتحقيقها للنجاح يساهم بشكل كبير في تغيير المفاهيم التقليدية حول دور المرأة وعملها في المجتمع، مما يفتح المجال لمزيد من النساء للدخول في سوق العمل والمساهمة الفعالة.
في رسالتها الأخيرة، تُوجه الشيف مها نصيحة لكل امرأة تحلم بفتح مشروعها الخاص: “تذكري أنك قادرة، الثقة بالنفس هي سر نجاح أي شخص وأي مشروع مهما كان صغيراً. فقط اعتقدي بقدراتك، عززي ثقتك بنفسك، ولا تخافي من الخطأ والتجارب الفاشلة. فقط اجعليها فرصة لكِ تنطلقي من خلالها للأفضل”. تُعد الشيف مها بذلك مثالاً يُحتذى به في الإصرار والتفاني، مُثبتة أن الإيمان بالموهبة والجهد المستمر يمكن أن يفتح أبواب النجاح حتى في أصعب الظروف.