أمل وحيش – نسوان فويس
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمن، يصبح دخول عالم الأعمال مغامرة تتطلب شجاعة وإرادة لا تلين. ولكن، من رحم هذه التحديات، تبرز قصص نجاح ملهمة.
فاطمة الكبسي رائدة أعمال يمنية، تعيش في العاصمة صنعاء، انطلقت من الصفر لتثبت نفسها في مجال كان يُعد حكرًا على الرجال “المقاولات والاستيراد” بقلب قوي وإرادة فولاذية، تحدت هذه السيدة النظرة القاصرة للمرأة في عالم المال والأعمال.
في فترة زمنية وجيزة لم تتجاوز الأربع سنوات، استطاعت فاطمة أن تُنهض بمؤسستها وتُبني لها اسمًا لامعًا في السوق.
تأسست مؤسسة فاطمة الكبسي للاستيراد والمقاولات المعروفة بـ ” اف كي ساير” في أكتوبر 2021. وجاءت فكرة التأسيس نتيجة للاحتياج الكبير لمثل هذه المشاريع التنموية، ولضرورة مشاركة المرأة في قطاع المقاولات والاستيراد، أضافه إلى كون صاحبة المشروع قد قامت بأعمال عدة مشابهة في الميدان من خلال مشاريع صغيرة ومبادرات إلى جانب التدريب الذي تلقته من قبل إحدى المنظمات المعنية بالمشاريع التنموية وهو ما ألهم الكبسي لخوض مغامرة العمل في هذا المجال.
تقول الكبسي لمنصة “نسوان فويس” إنها حصلت على مبلغ يسير من المال واستطاعت من خلاله استخراج الوثائق اللازمة للمشروع، بالإضافة إلى قطعة ذهب كانت تملكها ومن هنا انطلقت للميدان بمؤسستها لتشارك في البناء.
ومؤسسة فاطمة الكبسي للاستيراد والمقاولات هي مؤسسة ربحية تقدم خدمات متنوعة، حيث تقوم بتنفيذ مشاريع رست عليها من قبل مؤسسات ومنظمات، وتشمل الأعمال المقاولات الإنشائية مثل ترميم المدارس والمستشفيات، ورصف الطرق، وأعمال منظومة الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى توريدات عامة تركز على احتياجات المنظمات والشركات. كما تقدم العديد من الخدمات العقارية.
ملهم المشروع
الملهم الأول لفكرة مشروع مؤسسة فاطمة الكبسي للمقاولات والاستيراد، هو مرض ابنتها الصغرى بالسكري، ما سبب لها انتكاسة نفسية استمرت فترة من الزمن. إلا أن حبها لابنتها جعلها تنهض من جديد، وتؤكد أن هذه التجربة علمتها ألا تنكسر.
تقول الكبسي: “مرض ابنتي أعطاني حافزاً للبحث عن فرصة أفضل للحصول على المادة بشكل أكثر فاعلية، لأن الوظيفة لم تعد تكفي لتلبية احتياجاتنا كعائلة وهذا المشروع سيكون معيناً لي”.
تمكنت الكبسي من تجاوز كل الصعاب، وأبرزها مرض ابنتها التي كانت مفتاح السر لبدء مشروعها الخاص، وبالرغم من الاكتئاب الذي عاشته في البداية، تحول الأمر إلى شعلة من الحماس والتفاؤل، وانطلقت بقوة في عالم المال والأعمال لتثبت للجميع أن الهمة والطموح، متبوعين بالأمل، هما سر نجاح أي فكرة وأي مشروع.
التحديات
تتميز سيدة الأعمال اليمنية بالإرادة القوية والطموح العالي، وهو ما يعينها على تجاوز الكثير من التحديات لتحقيق حلمها. ومن أبرز التحديات التي واجهتها الكبسي، هو دخولها مجالاً يقتصر غالباً على الرجال، وكان من الصعب على امرأة أن تعمل فيه.
استطاعت الكبسي أن تثبت تواجدها متحدية المخاطر الميدانية في هذا القطاع، حيث تقول: “الصعوبات كثيرة، فمجال المقاولات ليس سهلاً على السيدات الدخول فيه والممارسة فيه، فالمخاطر أكبر بكثير”.
ومن أبرز التحديات التي واجهتها كانت استخراج الوثائق الرسمية للمشروع، بالإضافة إلى التعريف باسم المؤسسة، ومحاولة إقناع العملاء بالخدمات التي تقدمها.
وقد كان هناك خوف من أن المؤسسة الجديدة قد لا تجد قبولاً لدى الشركات والمنظمات، ولكن الكبسي استطاعت أن تتجاوز هذه التحديات، وعملت على رسم صورة ذهنية إيجابية لدى عملائها، مما ساعد في بناء علاقات قوية مع العديد منهم وزيادة مستوى الثقة ما أتاح للمؤسسة تنفيذ العديد من المشاريع التنموية على أرض الواقع.
تأثير الحرب
ساهمت الحرب في بروز العديد من المشاريع النسائية، حيث أصبحت النساء شريكاً أساسياً في التنمية الاقتصادية للمجتمع.
وبحسب الكبسي، فإن الحرب قد منحت الكثير من النساء رغبة أو ضرورة للتحرك في الميدان، والبحث عن فرص للمساهمة في سد احتياجاتهن الشخصية وأسرهن.
وتضيف: “نلاحظ بعد الحرب ظهور العديد من النماذج الناجحة من سيدات الأعمال اللاتي برزن بشكل رائع، الحرب لم تكن عائقاً، فهناك الكثير من السيدات اللواتي انطلقت مشاريعهن بعد الحرب وحققن نجاحاً كبيراً”.
إضافة كبيرة
تقول الكبسي: “الدخول إلى عالم المال والأعمال كان إضافة كبيرة جداً لي على المستوى الشخصي، وأيضاً على مستوى المهارات. أصبحت أشعر وكأنني شخص آخر مختلف عن قبل دخولي لهذا المجال”.
العمل في مجال المقاولات يُعد من أهم المحطات التي ساهمت في تطوير شخصيتها وتوسيع شبكة علاقاتها المهنية والاجتماعية، وفتح لها نافذة كبيرة في عالم مليء بالمغامرات، حيث تتعلم كل يوم مهارة جديدة تضيف إلى حياتها المهنية والشخصية.
تأمل الكبسي أن يتوسع عملها وتصبح مؤسستها من المؤسسات الرائدة التي تسهم في بناء المجتمع، وتكون من أبرز المؤسسات التنموية التي تقودها امرأة.
دعم رسمي
تؤكد الكبسي أن هناك العديد من الجهات التي تدعم سيدات الأعمال اليمنيات، وعلى رأسها الغرفة التجارية الصناعية، التي خصصت مركزاً خاصاً بسيدات الأعمال، حيث يتم الاستماع إلى مشاكلهن ومعوقاتهن، والعمل على تذليل الصعاب لهن.
كما تشيد الكبسي بتعيينها مقرراً لقطاع المقاولين في الغرفة التجارية، وهو ما يعد خطوة جيدة لها، ويؤكد الثقة في قدرة النساء على المشاركة في كافة المجالات، خاصة في قطاع المقاولات.
دعم أسري ومجتمعي
كغيرها من النساء اليمنيات الرائدات، واجهت فاطمة الكبسي بعض المعارضة، لكن دعم أسرتها وتشجيعها كان حاسمًا في مسيرتها الريادية في هذا المجال غير التقليدي. ورغم تخوفها من رفض المجتمع، تفاجأت بالتشجيع والتعاون الكبير الذي لاقته، مما يعكس وعيًا متزايدًا بتقبل مشاركة المرأة في مختلف جوانب الحياة.
تقول: “أنا ممتنة لهذا الوعي المجتمعي؛ لم أُرفض أو أواجه استغرابًا لدخولي هذا المجال.”
رسالة إلى النساء الراغبات في ريادة الأعمال
شجعت فاطمة الكبسي النساء الراغبات بدخول عالم ريادة الأعمال في حديثها مع “نسوان فويس”، مؤكدة على أهمية الثقة بالنفس والاستقلال المالي رغم التحديات.
وقالت: “ابدأن بخطوة جريئة نحو امتلاك مشاريعكن، فهي إضافة قيمة. ستواجهن صعوبات، لكن تجاوزها سيمنحكن شعورًا بالفخر بكيان ومصدر دخل خاص. الاستقلال المادي وبناء كيان خاص أمر يستحق”.
تُعد سيدة الأعمال اليمنية فاطمة الكبسي، مثالاً حياً على الإصرار في مواجهة التحديات والعراقيل التي قد تواجه أي سيدة ترغب في دخول مجال الأعمال.
ودخولها عالم ريادة الأعمال من خلال مؤسستها في المقاولات والاستيراد يُعد تحدياً كبيراً حولته إلى سلّم لصعودها إلى ما حلمت به، وما تزال تحلم به.