تحالف نسوي في أبين يرسم ملامح الأمل في وجه التحديات

ريم الفضلي – نسوان فويس

في محافظة أبين، التي تعاني من تدهور حاد في الخدمات والأوضاع المعيشية وتراجع مستمر في حقوق النساء، بادرت مجموعة من النساء من خلفيات سياسية وحزبية متنوعة إلى تأسيس تحالف نسوي يضم ستين امرأة من مديريتي زنجبار وخنفر.

جاء تأسيس هذا التحالف بدافع مشترك لتعزيز حقوق المرأة وتمكينها في مختلف الجوانب، خاصة في ظل السياق الصعب الذي فرضته الحرب والصراع، وما رافقهما من تحديات اقتصادية حادة، وتمييز، وعنف قائم على النوع الاجتماعي.    

ويُعدّ تشكيل هذا التحالف استجابة لحاجة ملحة إلى التضامن والتعاون بين النساء، بهدف الدفع نحو تحسين واقع المرأة في المحافظة، وتمكينها سياسياً واقتصادياً، وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة ومواقع صنع القرار.

بناء القدرات ومناهضة التمييز

تأسس تحالف نساء أبين في عام 2024، كمخرج لسلسلة تدريبات نظمها المعهد الديمقراطي، بهدف تمكين النساء ودعم مشاركتهن في مواقع صنع القرار. يعمل التحالف باستقلالية تامة، ورغم عدم توفر مقر رسمي أو دعم مالي دائم، تُنفذ كافة الأنشطة بشكل طوعي من قبل عضواته.

تقول العضوة في التحالف إنجي النوبي لمنصة نسوان فويس: إن التحالف سعى منذ انطلاقته إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المركزية، أبرزها النهوض بحقوق المرأة، ومناهضة التمييز والعنف ضدها، إضافة إلى تمكينها في المجالات السياسية والاقتصادية، وتعزيز حضورها في المشهد الاجتماعي والسياسي، بما يضمن وصولها إلى مواقع التأثير واتخاذ القرار.

وتؤكد أن التحالف قد حقق خلال مسيرته إنجازات ملموسة على مستوى قضايا المرأة والتنمية المجتمعية في محافظة أبين، تمثّلت في تنظيم دورات تدريبية لعضواته في مجالات التفاوض والمناصرة الاستراتيجية، والمساءلة المجتمعية، وحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية المتعلقة بالمرأة والسلام.

من جهتها، قالت نور قائد، رئيسة التحالف، في حديثها لمنصة نسوان فويس: إن التحالف يعمل بشكل مستمر على تعزيز مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار، مشددة على ضرورة تفعيل القرار الأممي 1325 واتفاقية سيداو، والسعي نحو تحقيق نسبة تمثيل لا تقل عن 30% للنساء في مختلف مواقع السلطة. 

وأوضحت أن التحالف يضع في صلب أولوياته مناصرة القضايا المجتمعية، والاهتمام بتأهيل النساء في مجالات التعليم المهني والحرفي، لا سيما المرأة الريفية، إضافة إلى تمكين النساء في المكاتب التنفيذية والسلطات المحلية، ودعم القيادات النسوية الطموحة.

وبحسب سعيدة الشيبة، إحدى عضوات تحالف نساء أبين، فإن تأسيس التحالف جاء استجابة لحاجة مُلحّة لوجود كيان نسوي موحّد يُعبّر عن تطلعات النساء في المحافظة، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية والاجتماعية والتنموية التي شهدتها أبين خلال السنوات الماضية.

 فبعد الحروب والصراعات التي عصفت بالمحافظة، واجهت النساء تهميشاً واسعاً، ما استدعى ضرورة خلق مساحة آمنة وفعّالة تُمكّن المرأة وتُعزز مشاركتها في الحياة العامة. 

وأشارت إلى أن التحالف يسعى منذ انطلاقته إلى تحقيق جملة من الأهداف الجوهرية، على رأسها تمكين النساء في محافظة أبين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والدفع بهن نحو أدوار قيادية مؤثرة في عملية صناعة القرار. كما يعمل التحالف على الدفاع عن حقوق النساء والفتيات، وضمان مشاركتهن الفاعلة في جهود التنمية والسلام، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين.

شراكات وتوعية ونتائج ملموسة

عمل التحالف على إقامة منتديات حوارية ضمّت ممثلين من السلطة المحلية والأمن والمجتمع المدني وناشطين حقوقيين وإعلاميين، ناقشت قضايا جوهرية مثل المشاركة السياسية للمرأة بنسبة لا تقل عن 30%، ومخاطر إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، والحد من تعاطي المخدرات.

أثمرت المنتديات التي أقامها التحالف عن إجراءات عملية، من بينها تعاون مدير عام مديرية زنجبار مع الجهات الأمنية لتصميم استمارة ترخيص لإقامة الأعراس، تتضمّن تعهداً بعدم إطلاق الأعيرة النارية. بالإضافة إلى تعميم أصدره مكتب الصحة والسكان يمنع بيع العقاقير المخدّرة في الصيدليات دون وصفة طبية معتمدة، فضلاً عن تعميم آخر من مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل يدعو الجمعيات والمؤسسات لتنفيذ حملات توعوية حول مخاطر إطلاق النار والمخدرات.

وقد أقام تحالف نساء أبين عدداً من الشراكات والتعاونات المثمرة مع جهات حكومية ومجتمعية، من أبرزها التعاون مع مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة أبين، إضافة إلى التنسيق مع السلطات المحلية والأمنية والقضائية، ومكاتب الصحة والإعلام، فضلاً عن العديد من المؤسسات والمنظمات الداعمة لقضايا المرأة، بما ساهم في تعزيز فعالية أنشطته واتساع نطاق تأثيره.

شارك التحالف أيضاً في فعاليات الحملة العالمية “16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة”، ونفّذ حملات توعوية استهدفت طالبات المدارس في المرحلتين الأساسية والثانوية، ناقشت قضايا الابتزاز الإلكتروني والمخاطر المرتبطة به. كما تولّت عدد من عضوات التحالف مناصب قيادية ضمن الأحزاب التي ينتمين إليها، إلى جانب تنفيذ مبادرات مناصرة لقضايا النساء في المحافظة.

تجارب شخصية وإنجازات فردية

تقول النوبي إن انضمامها إلى هذا التحالف أتاح لها فرصة تطوير قدراتها من خلال المشاركة في تدريبات متنوعة، كما منحها مساحة فاعلة للانخراط في قضايا مجتمعية هامة، والتعرّف على نساء ملهمات من مختلف الخلفيات. وتشير إلى أن التحالف مكّنها من المشاركة في فعاليات محلية وخارجية، وأسهم في توسيع آفاقها على المستويين الشخصي والمهني.

وعلى الصعيد الشخصي، ترى الشيبة أن انضمامها إلى تحالف نساء أبين مثّل نقطة تحوّل مهمة في حياتها؛ إذ أتاح لها مساحة للنمو والتعلم والعمل الجماعي، وساعدها على اكتشاف صوتها كامرأة فاعلة في مجتمعها، مانحاً إياها ثقة أكبر وشبكة دعم قوية من نساء مؤمنات بالتغيير. 

وأعربت عن أمنيتها بأن يستمر التحالف في التوسع ليشمل كافة مديريات المحافظة، وأن يتحول إلى منصة قوية لصياغة السياسات المحلية التي تراعي احتياجات النساء والأسر، وأن يأتي اليوم الذي تصبح فيه نساء أبين شريكات حقيقيات في مختلف مفاصل الحياة العامة.

وأكدت نور قائد أن السلطات المحلية في محافظة أبين أبدت تجاوباً إيجابياً مع هذه الأهداف، حيث تم تمكين عدد من النساء من تولي مناصب قيادية في الإدارات الحكومية وبعض المكاتب التنفيذية. وأضافت أن التحالف نفذ حملات مناصرة هادفة لمعالجة قضايا مجتمعية، من أبرزها مكافحة انتشار المخدرات، حيث تم تنظيم حوارات شاملة مع مختلف الجهات المعنية، وأسفرت الجهود عن معاقبة بعض المروجين والمتعاطين، فيما لا تزال الحملات مستمرة لملاحقة المشتبه بهم.

التوسع والتمكين

رغم التحديات التي تواجهها النساء في محافظة أبين، إلا أنهن أثبتن جدارتهن في مختلف مجالات الحياة، ووعيهن بحقوقهن وأهمية دورهن في المجتمع. 

وفي هذا السياق، أعربت الناشطة أنجي النوبي، عضوة تحالف نساء أبين، عن أملها في استمرار التحالف في أداء رسالته بدعم وتمويل مستدام، وتوسيع نطاقه ليشمل مزيداً من النساء من مختلف مناطق المحافظة.

 كما أكدت على أهمية تعزيز دور التحالف في صنع القرار المحلي، وتمكين النساء من الوصول إلى مواقع قيادية في الهيئات الحكومية والقضائية، بما يسهم في تحقيق تأثير ملموس وإيجابي على حياة النساء في أبين.

أكدت نور قائد في ختام حديثها لمنصة نسوان فويس على وجود شراكات فاعلة بين تحالف نساء أبين وممثلي الأحزاب السياسية، والسلطات المحلية، ومكونات المجتمع المدني مثل اتحاد نساء اليمن وعدد من الجمعيات النسوية، بالإضافة إلى الإعلام والأجهزة الأمنية، بما يسهم في دعم المرأة وتعزيز دورها في المجتمع.

يشكل تحالف نساء أبين بارقة أمل للنساء في المحافظة، إذ لطالما احتاجت أبين إلى تضافر جهود نسائها وعملهن الفعّال للمطالبة بحقوقهن وتعزيز مشاركتهن في العمل السياسي والإداري، وتحسين مستوى الحياة المعيشية للنساء، خاصة في المناطق الريفية وغير الحضرية، من خلال تمكينهن اقتصادياً واجتماعياً.