بسمة محمد.. فتاة تضيء دروب الآخرين

شارك المقال

أمة الرحمن العفوري – نسوان فويس

في محافظة لحج مديرية القبيطة حيث الطبيعة القاسية والجبال الصامدة، وُلدت بسمة محمد علي القباطي، ونشأت في بيئة بسيطة لكنها حملت بداخلها طموحًا لا يلين، عاشت في مدينة صنعاء منذ سنوات شبابها تخرجت من جامعة الإمارات، تخصص فيزياء كيميائية.

لم يمنعها تخصصها العلمي من الانخراط في العمل التطوعي حتى باتت أحد رموزه، في مناطق لم تمتد إليها يد العون.

لم تكن تعلم بسمة أن مشهدًا عابرًا سيغير مسار حياتها، ففي أحد الأيام وبينما كانت تمر بجوار سكان الصفيح “المهمشين” القريبين من منزلها شاهدت حادثًا مروعًا سيارة مسرعة تصطدم بطفلة وتلقي بها على قارعة الطريق.

 كانت الصرخة التي انطلقت من الطفلة هي ذاتها التي أيقظت داخل بسمة حسًّا لا يهدأ وإرادة لا تلين، حاولت إسعاف الصغيرة، لكن الموقف لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل كان بداية لطريق طويل من العطاء.

بعد الحادث لم تكتفِ بمساعدتها بل أسست جمعية للدفاع عن حقوق المهمشين إيمانًا منها بأن تغيير الواقع يبدأ بحماية أضعف الفئات في المجتمع، منذ تلك اللحظة قررت بسمة أن تكون يدًا تمتد للمحتاجين فبدأت بمبادرات بسيطة قبل أن تخطو خطوة عملاقة بشق طريق (نجد زاكي – شعب البقر – عيريم)، المشروع الذي بلغ طوله 500 متر واستحق أن يُطلق عليه “قناة السويس القبيطة”.

طريق نجد زاكي ـ شعب البقر عيريم
طريق نجد زاكي ـ شعب البقر عيريم

لم يكن الطريق مجرد ممر ترابي بل كان نافذة أمل لأهالي المنطقة يربطهم بالأسواق، ويقلل من معاناة نقل المواد الغذائية والمياه ويفتح آفاقًا لفرص اقتصادية جديدة.

حلم يتحقق رغم الصعوبات

يقول عرفات أحمد عاقل قرية شرف حضيد : “حظينا بشق الطريق الذي سيخفف من معاناتنا مع نقص الخدمات وبعد المسافات فقد أصبحت الطريق تربطنا بالمدرسة والمركز الصحي والسوق وأبرز الصعوبات التي واجهتنا كانت التضاريس، حيث كان الشق في منحدرات جبلية صعبة جدًا.

 بالإضافة إلى بعض العوائق التي واجهتنا من ملاك الأراضي، ناهيك عن التكاليف غير المتوقعة بسبب صعوبة المسار لكن هذا الطريق كان الأنسب كونه يمر بين قريتين وسيخدم العديد من القرى المجاورة، “حياتي لم تتغير إلا عندما رأيت الحلم يتحقق وما زال أمامنا 50% لإنجازه بالكامل” يقول عرفات.

لكن بسمة لم تتوقف عند ذلك، بل امتدت جهودها إلى مدرسة العباس حيث كانت الفصول القديمة تُذكر بعقود من الإهمال وتعود إلى عام 1988، عندما بناها الأهالي بإمكاناتهم المتواضعة، وبجهود بسمة أُعيد ترميم المدرسة ليستطيع الأطفال تلقي تعليمهم في بيئة أكثر أمانًا وراحة.

صورة لمدرسة العباس بعد ترميمها من قبل مبادرة بسمة
مدرسة العباس بعد ترميمها من قبل مبادرة بسمة

عرفات لم يخفِ إعجابه بجهود بسمة مضيفًا: “الأستاذة بسمة لها بصمات في العديد من القرى ونجحت في تنفيذ مشاريع عدة على مستوى المديرية وخارجها سواء في الطرقات أو المدارس أو غيرها من الخدمات العامة التي تخدم المواطن.

ويضيف، لا يمكننا حصر ما قدمته للمنطقة وليس غريبًا على المرأة الريفية أن تمتلك فن القيادة والإدارة فهي متعلمة ولها خبرة سابقة في تنفيذ المشاريع نحن نحترم كل شخص يخدم بلده سواء كان رجلًا أو امرأة وننظر إلى الإنجازات فقط ونتمنى أن يتم دعم هذا المشروع وأمثاله، لأننا بحاجة إلى أشخاص مثل بسمة يحدثون فرقًا في حياة الناس.

إيجاد الحلول

في منطقة الشرفية بمديرية القبيطة، حيث تندر الخدمات ويتحمل الأهالي عبء غياب الدعم الحكومي، برهنت بسمة أن الإرادة يمكنها أن تصنع المستحيل، كانت تعلم أن النساء هن الأكثر تأثرًا بانعدام الخدمات الأساسية، خاصة مع هجرة الرجال بحثًا عن لقمة العيش، لذا جعلت مشاريع المياه والطرقات في صدارة أولوياتها، مساهِمةً في بناء خزانات مياه بأقل التكاليف، لتخفيف معاناة الأسر التي كانت تقطع مسافات طويلة بحثًا عن قطرة ماء.

لم تكن رحلتها سهلة فالمجتمع لم يكن مهيأً بعد لاستيعاب دور العمل التطوعي والتحديات كانت أكثر من أن تُحصى لكن بسمة لم ترفع راية الاستسلام وكانت تردد دائمًا: “التغيير يبدأ من حيث نقف”، ولم تكن كلماتها مجرد شعار بل خريطة طريق لقصة ملهمة أصبحت نموذجًا يحتذى به في العطاء.

إلى جانب ما قدمته في منطقتها، كانت بسمة قد شغلت سابقًا منصب وكيل قطاع الأمومة والطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لكنها اختارت فيما بعد التفرغ للعمل الطوعي عبر الجمعية التي تنتمي إليها وخصصت جل وقتها لخدمة الفئات الأكثر احتياجًا والمهمشة.

مشاريع

 فقد ساهمت بشكل كبير في تنفيذ مشاريع صحية وتعليمية ومجتمعية شاملة، وتمكنت في أحد مشاريع القروض التنموية من تمكين نحو 650 امرأة في صنعاء القديمة من خلال تقديم قروض صغيرة دعمت بها مشاريعهن الخاصة.

كما أشرفت على تنفيذ برامج تدريب مهني متعددة استهدفت الشباب وسعت إلى تأهيلهم في مجالات مختلفة لخلق فرص عمل حقيقية لهم وكانت حاضرة في العديد من برامج المنظمات الدولية حيث شاركت في تنفيذ مشاريع تخص تنمية الشباب وبناء القدرات والتدريب المهني إلى جانب مشاريع للتنمية الاقتصادية وبناء الاستراتيجيات التنموية.

 وفي القبيطة نفسها ساهمت في تدريب 20 امرأة على الخياطة وإدارة المشاريع الصغيرة وتسويق المنتجات إلى جانب مساهمتها في مشروع رص العقب لتحسين الوصول إلى القرى.

شاركت بسمة أيضًا في العديد من الدورات التدريبية محليًا ودوليًا مما أهلها لأن تصبح مدربة دولية معتمدة في إعداد المشاريع وإدارتها، وتنقل خبراتها حاليًا إلى كل من يسعى للتغيير، مؤمنًة أن بناء الإنسان هو البداية لأي تنمية حقيقية.

اليوم بعد سنوات من الجهد تستمر بسمة في العمل متيقنة أن بناء الطرق ليس مجرد جرفٍ للأرض بل هو تمهيد لطريق الحياة، هي ليست مجرد متطوعة بل قصة استثنائية كتبتها الإرادة وسطرت فصولها بالعزيمة لتكون رسالة بأن الأمل يمكن أن يولد حتى من رحم المعاناة.

مقالات اخرى