نورا الظفيري – نسوان فويس
في مدينة تعجّ بالتفاصيل، العاصمة صنعاء، وُلدت شيماء محمد الجوفي، ابنة الـ27 عامًا، وتخرجت من قسم العلوم السياسية بجامعتها، لكنها اختارت أن تحاور العالم بلغة أعمق من الكلمات بلغة الخطوط والظلال والألوان.
بدأت رحلتها مع الفن منذ كانت طالبة في المدرسة عام 2008، عندما شاركت لأول مرة في مسابقة للرسم بين المدارس. هناك، أيقنت أن للفن مكانًا في قلبها لا ينازعه شيء، وأصبحت الرسّامة الرسمية لخرائط الصف ولوحاته، فتجلّى فيها الحس الفني باكرًا.
إلا أن دراستها الجامعية سرقت منها فرشاة الطفولة، ليتراجع الرسم إلى الظل، مكتفيًا بزيارات متقطعة في لحظات الحنين. وبعد التخرج، قررت العودة إلى شغفها الأول، فالتحقت بدورة للرسم بقلم الرصاص، لتكتشف أن كثيرًا مما تتعلمه هناك كان قد تجلى لديها بالفطرة.
كانت نقطة التحول الكبرى عندما انضمت إلى دورة “أساسيات التظليل” التي فتحت أمامها آفاقًا جديدة، خصوصًا في فن البورتريه، فاستعادت شغفها بروح جديد، تنقلت بين تجارب مختلفة من الألوان الزيتية والمائية والأكريليك، لكن القلم الرصاص بقي الأداة الأقرب إلى قلبها، “جوهر الرسم” كما تصفه.
في بداية عام 2025، شاركت شيماء في معرض صنعاء الدولي للقهوة، وهناك، وُلدت لوحتها التي شدت الأنظار “تاريخ يُروى بفنجان”؛ لم تكن مجرّد عمل فني، بل حكاية بصرية أرادت من خلالها أن تقول شيئًا عن اليمن، عن القهوة، عن الإرث الذي تحمله دون أن تشعر.
“تاريخ يُروى بفنجان”… لوحة تتحدث بلغة الزمن
تقول الجوفي “لم تكن تلك اللوحة التي شاركت بها مجرّد عمل فني، بل كانت رسالة أردت أن أقولها بلغة الألوان والخطوط والتفاصيل ففي لحظة تأمل عميقة، تساءلت: ماذا لو كان الفنجان الذي نحمله كل يوم، يحمل في داخله تاريخًا؟ من هنا انبثقت الفكرة، وولدت لوحة “تاريخ يُروى بفنجان”.
حرصت أن تكون اللوحة مختلفة، فوضعت الفنجان في مركز التكوين الفني، لا باعتباره رمزًا للقهوة فحسب، بل كحامل للإرث والهوية، ومن حوله رسمت معالمنا الأثرية والتاريخية، لتبدو وكأنها تتنفس بخار القهوة وتحاكي الزمن بصمته، تقول الجوفي “أضفت رموزًا من تراثنا البصري لتعكس هويتنا اليمنية الأصيلة، ولأخبر كل من يتأملها أن القهوة اليمنية ليست مجرّد مشروب، بل هي عراقة ضاربة في جذور الزمن، كشموخ الحصون وعتق النقوش”.
في أسبوعين من العمل المكثف، أنجزت هذه اللوحة، متحدّية ضيق الوقت بشغف لا يُقهر كل خط رسمته، وكل ظل أضأته أو أخفيته، كان يحمل حوارًا داخليًا بينها وبين وطنها، وبين تأملها لجمال معالم اليمن، وإحساسها العميق بأنها تروي اليوم تاريخًا لا بالحروف، بل برشفة فنجان ولوحة تنبض بروح اليمن.
تقول الجوفي إن ما أسعدها هو تفاعل الجمهور، وردود الأفعال التي لامست الفكرة والروح التي وضعتها في عملها، مما زادها يقينًا بأن الفن قادر على التأثير وخلق صلة بين الفنان وجمهوره.
المرأة اليمنية والفن: حضورٌ يتحدى ويُلهم
تؤمن الجوفي أن مشاركة المرأة في الفعاليات والمعارض الفنية تُعد عنصرًا أساسيًا في إثراء المشهد الثقافي، وتعزيز التنوع الإبداعي، وتقول إن “الفنانة لا تكتفي بعرض أعمال فنية، بل تقدم من خلالها رؤى إنسانية وتجارب واقعية تعبّر عن قضايا المجتمع، وتسلّط الضوء على جوانب الهوية، والعدالة، والمساواة، كما أن هذه المشاركة تمكّن المرأة، وتبرز دورها كعنصر فاعل ومؤثر في تشكيل الوعي الثقافي والجمالي”.
وتؤكد أنه من خلال حضورها، تُلهم المرأة أجيالًا جديدة من الفتيات لخوض غمار الفن بثقة وشغف، مما يعزز نمو الاقتصاد الإبداعي، ويدفع بالحركة الفنية نحو آفاق أرحب وأكثر شمولًا.
وترى الجوفي بأن المرأة اليمنية على وجه الخصوص لها دورًا كبيرًا ومميزًا في إثراء المشهد الفني، رغم كل التحديات التي تواجهها، فحضورها في الساحة الفنية ليس مجرد مشاركة، بل هو ضرورة تعبّر من خلالها عن جزء كبير من المجتمع اليمني وفي فنها؛ تحمل قصصًا وتفاصيل ومشاعر نابعة من واقع غني بالتجارب.
وتؤكد الجوفي أن الفنانات اليمنيات لديهن قدرة هائلة على إثبات أنفسهن من خلال الإبداع، سواء في الرسم، أو التصوير، أو التصميم، أو حتى في الفن المعماري والموسيقى. ومن خلال أعمالهن؛ يسلطن الضوء على قضايا محورية مثل الهوية والسلام والعدالة، ويقدّمن صورة إنسانية وثقافية راقية عن اليمن للعالم.
وتقول: إن وجود المرأة في الفن، هو فعل مقاومة، وإحياء، وتجديد للثقافة اليمنية بطريقة تعبّر عن عمقها وجمالها وثرائها.
المعارض الفنية… نبض الإبداع المحلي وصوت اليمن للعالم
ترى الجوفي أن المعارض الفنية تُعد مساحات ثمينة تمنح الفنانين المحليين الفرصة للتعبير عن ذواتهم، وعرض أعمالهم أمام الجمهور، والتواصل المباشر معه. وتؤكد أن “المعرض لا يقتصر على كونه مكانًا لعرض اللوحات فقط، بل يشكّل فرصة حقيقية للفنان لإبراز موهبته، وقياس مدى تفاعل الناس مع فنه، والتعرّف على آرائهم وردود أفعالهم تجاه ما يقدّمه من أفكار وتجارب فنية”.
وتشير إلى أن المعارض تزرع روح الإبداع داخل المجتمع، إذ تشجع الشباب، لا سيما من يمتلكون ميولًا فنية، على التجربة والاكتشاف والتعبير عن ذواتهم، فضلًا عن دورها في تحريك المشهد الثقافي، وخلق بيئة فنية نابضة بالفكر والابتكار تنبع من الهوية والثقافة المحلية.
في السياق ذاته، تُعد المعارض الثقافية ركيزة أساسية لإنعاش الحركة الفنية في اليمن، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فهي تُوفّر مساحة تنفّس للفنانين والمبدعين، وتُعينهم على إيصال أصواتهم وأعمالهم إلى العالم، وجود هذه المعارض يخلق نوعًا من الحراك الثقافي المحفز، ويزيد الوعي بقيمة الفن في المجتمع، فضلًا عن دورها في توفير فرص التلاقي والتبادل بين الفنانين الشباب والمخضرمين.
الفعاليات الثقافية جسر بين اليمن والعالم
وفي هذا الجانب تقول: أنه “لا شك أن الفعاليات الثقافية تمثل وسيلة فعالة وقوية لدعم الفن اليمني وإبرازه على المستويين المحلي والعالمي؛ فمحليًا، تخلق هذه الفعاليات بيئة حاضنة للفنانين، تُشجّعهم على الإبداع، وتدفع المجتمع للاهتمام بالفن وتقديره، كما تُحفّز الشباب على دخول هذا المجال وتطوير مواهبهم”.
أما عالميًا؛ فإن الفعاليات تُشكّل نافذة نُعرّف من خلالها العالم بثقافتنا العريقة والمتنوعة، وعندما يشارك الفنانون اليمنيون في معارض أو مهرجانات دولية، فإنهم ينقلون جزءًا من روح اليمن، ويكسرون الحواجز بين الشعوب عبر لغة يفهمها الجميع وهي لغة الفن.
الطموح… رحلة لا تنتهي
تقول الفنانة التشكيلية شيماء “رغم أنني أعتبر نفسي لا أزال في بداية مشواري، إلا أنني أتطلّع بشغف إلى توسيع نطاق مشاركاتي الفنية والثقافية، سواء داخل اليمن أو خارجه، وأسعى لأن تحمل أعمالي القادمة تعبيرًا أعمق عن هوية بلادي، وأن توثّق الجوانب الجمالية والإنسانية في واقعنا.
وتؤكد على رغبتها في إنتاج أعمال فنية تنبض بالرسائل، وتلامس قضايا المجتمع، وتخلق حوارًا قادرًا على إحداث تغيير، ومن طموحاتها أيضًا تنظيم أو المشاركة في معارض دولية، وتبادل الخبرات مع فنانين من ثقافات مختلفة، لتطوّير من تجربتها، والاسهام في نشر الفن اليمني عالميًا.
تختم الجوفي حديثها لمنصة “نسوان فويس” بحلمها في إنشاء مبادرات وورش عمل تُعنى باكتشاف المواهب الشابة، ودعمها وتمكينها، وفتح الطريق أمامها للتعبير عن نفسها وصناعة التأثير.