الابتزاز الإلكتروني يستهدف نساء اليمن في ظل فراغ قانوني وتحديات مجتمعية متفاقمة

شارك المقال

عدن – نسوان فويس

 

في الوقت الذي يشهد فيه اليمن توسعًا ملحوظًا في استخدام الإنترنت، حيث تجاوز عدد المستخدمين تسعة ملايين في عام 2023، يبرز وجه مظلم لهذا التطور الرقمي، متمثلًا في الارتفاع الحاد في معدلات الجرائم الإلكترونية التي تستهدف النساء بشكل خاص.

ففي مجتمع تقليدي ومحافظ يئن تحت وطأة حرب داخلية وخارجية، تجد النساء أنفسهن عرضة للابتزاز والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل غياب تشريعات رادعة وقدرة محدودة على إنفاذ القانون.

فراغ قانوني 

تكشف التحقيقات عن قصور كبير في المنظومة القانونية اليمنية لمواجهة هذه الجرائم المستحدثة. فالقانون رقم (40) لعام 2006 يركز بشكل أساسي على حماية العمليات المصرفية الإلكترونية. وفي غياب قانون متخصص، تلجأ السلطات بشكل جزئي إلى مواد من قانون الجرائم والعقوبات لعام 1994 المتعلقة بالاعتداء على الحرية الشخصية والتهديد وكشف الأسرار، بالإضافة إلى تجريم الإيذاء وانتهاك الخصوصية والابتزاز. إلا أن هذا العلاج القانوني المجتزأ لا يرتقي لمستوى خطورة الجرائم الإلكترونية وتأثيرها المدمر على الضحايا والمجتمع.

شهادات مؤلمة

تتعدد القصص المروعة لنساء يمنيات وقعن ضحايا للابتزاز الإلكتروني، حيث وصل الأمر ببعضهن إلى الانتحار أو القتل على يد أسرهن تحت وطأة “العار”. قضية سارة في تعز، التي أقدمت على محاولة الانتحار بعد تقاعس الشرطة في التعامل مع ابتزازها، ليست سوى مثال واحد. بشرى، التي تعرضت للاعتداء والاغتصاب والقتل على يد عائلتها بعد نشر صورها، وعائشة التي تعرضت للضرب من أخيها بسبب تهديدات شريكها السابق، وحنان وبشرى (اسمان مستعاران) اللتان وقعتا ضحية ابتزاز ونشر صور خاصة، كلها شواهد حية على حجم الكارثة.

محاولات يائسة لمقاومة الجريمة

غالبًا ما تكون محاولات الضحايا لمقاومة الابتزاز أو لفت الانتباه إليه محفوفة بالمخاطر والصعوبات. قصة مها، التي دفعت مبلغًا من المال لحذف صورها المسروقة ثم تلقت تهديدات جديدة، وعفراء، التي اتُهمت بمحاولة الانتحار نتيجة للضغط النفسي من مبتزها، تكشف عن التحديات الجسيمة التي تواجهها الضحايا في الحصول على العدالة والحماية.

وصمة العار.. سلاح المجتمع ضد الضحايا

يزيد من معاناة الضحايا ميل المجتمع إلى إلقاء اللوم عليهن وتجنب الوصمة الاجتماعية، مما يدفع بعض الأسر إلى التستر على الجرائم أو حتى قتل الضحية “غسلًا للعار”. قصة عائلة أبو عمار التي اضطرت للنزوح بسبب نشر صورة لابنتهم تجسد هذا الواقع المرير. ونتيجة لذلك، يلجأ العديد من الضحايا إلى دفع مبالغ مالية للجناة سرًا أو الصمت خوفًا من الفضيحة.

غياب الأمن السيبراني وتفشي الجريمة

يحتل اليمن مرتبة متأخرة في مؤشر الأمن السيبراني العالمي، مما يعكس هشاشة البنية التحتية الرقمية وغياب القوانين الفعالة لمكافحة الجرائم الإلكترونية. وتشير الإحصائيات إلى تعرض ما يقارب 25 فتاة وامرأة للإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا، وتعتبر الشابات بين 21 و24 عامًا الأكثر استهدافًا.

جهود نسوية لمواجهة التقاعس الرسمي

في ظل غياب فاعل لمؤسسات الدولة ووسائل الإعلام في التوعية بمخاطر الجرائم الإلكترونية، تتصدر الحركات النسوية ومنظمات حقوق الإنسان والأمن الرقمي جهود مناصرة الضحايا والمطالبة بتشريعات تحمي المرأة. وقد أثمرت هذه الجهود عن إنشاء أول قسم متخصص للابتزاز الإلكتروني في النيابة العامة بمحافظة عدن.

قصص تظهر قوة النظام القضائي الناشئة

رغم التحديات، تظهر بعض الحالات بارقة أمل في قدرة النظام القضائي على التعامل مع هذه الجرائم. حكم محكمة صيرة الابتدائية بعدن في قضية ابتزاز إلكتروني يُعد سابقة قضائية هامة.

توصيات عاجلة لحماية نساء اليمن

يستدعي الواقع المرير لضحايا الابتزاز الإلكتروني في اليمن ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لسد الفراغ القانوني وتعزيز الوعي المجتمعي.

وتشمل التوصيات تطوير وتنفيذ سياسات اجتماعية وبرامج تعليمية للقضاء على الصور النمطية، بناء قدرات العاملين في إنفاذ القانون، توفير الدعم الشامل للضحايا، رفع الوعي العام، وإنشاء آليات رقابة لمنع سوء سلوك الموظفين.

إن حماية نساء اليمن من الجرائم الإلكترونية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات القضائية لضمان بيئة رقمية آمنة تحترم خصوصيتهن وكرامتهن.

 

المصدر: ورقة البحثيّة بعنوان: “الجرائم الإلكترونية ضد النساء في اليمن.. الأطر القانونية والتغيير الاجتماعي”، المنشورة من قبل مبادرة الإصلاح العربي (ARI)

Cybercrime against Women in Yemen: Legal frameworks and social change

مقالات اخرى