صنعاء – نسوان فويس
نظمت منصة “نسوان فويس” اليوم الأربعاء، جلسة حوارية عبر الاتصال المرئي (زوم)، بُثت مباشرة على صفحة المنصة عبر فيسبوك، تحت عنوان: “نضال النساء اليمنيات السلمي ودورهن في تعزيز الحقوق”. تأتي هذه الجلسة تزامناً مع انطلاق عدد من المظاهرات التي دعت إليها نساء في محافظات يمنية مختلفة.
سلطت الجلسة الضوء على الدور المحوري والريادي للمرأة اليمنية في النضال السلمي، مستعرضةً جهودها وتحدياتها، ومقدمةً رؤى عملية لتعزيز مشاركتها الفعالة في بناء مستقبل اليمن.
جذور الريادة النسائية
في المحور الأول، تحدثت الكاتبة السياسية رشا كافي عن جذور الريادة النسائية في الحراك السلمي اليمني.
أوضحت كافي أن المرأة اليمنية لطالما كانت في قلب الحراك، صانعةً للتغيير ومحركة رئيسية للأحداث التاريخية، رغم التغييب المتعمد لأصواتها في السرد الرسمي. وأكدت أن النساء اليمنيات، في الشمال والجنوب على حد سواء، أثبتن دورهن المحوري في النضال الوطني، ليس كاستثناء عابر، بل كجزء أصيل من نسيج المقاومة والصمود.
وأضافت كافي: في جنوب اليمن، وخلال ثورة أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني، لم يقتصر دور المرأة على الجبهات القتالية فحسب، بل كنّ شريكات أساسيات في النضال السلمي والمسلح.
نظّمن المظاهرات وقدنها، وأوصلن الرسائل السرية بين المقاتلين، وشاركن في تعليم النساء الأخريات كشكل من أشكال المقاومة.
وأشارت إلى أن نساء عدن كنّ أكثر تنظيماً وسبقن نظيراتهن في كثير من دول الوطن العربي بمختلف المجالات. لم تكن الصحفية منهن تحرض ضد الاستعمار فحسب، بل كانت المرأة مقاتلة في الجبهات، وقُتل بعضهن واعتقلت أخريات وتعرضن للتحقيق والتهديدات. كما كنّ من أوائل من شكلن اتحادات نسوية، مثل “اتحاد نساء الجنوب” لدعم التحرير الوطني، و”جمعية المرأة العدنية”.
وأكدت كافي أن إطلاق نساء الجنوب لشعار “رفاق الشيدر” في خمسينيات القرن الماضي، والذي تعرض لاحقاً للتشويه، كانت رمزيته الحقيقية تكمن في رفض الهيمنة الذكورية وصرخة نسائية للتحرر وإثبات الحق في الصوت والمشاركة السياسية، لتكون بذلك أول صرخة نسائية في الوطن العربي أجمع وقتها.
وفي حديثها عن نضال النساء السلمي في شمال اليمن، قالت كافي: رغم أن النساء لم يكنّ بنفس درجة التنظيم التي شهدها الجنوب – لأسباب عديدة منها الحكم الإمامي وغياب التعليم – إلا أنهن كنّ داعمات أساسيات للمقاتلين ضد الإمامة في ثورة سبتمبر. خبأن الرصاص والسلاح والذخيرة في ضفائرهن، وتمكنّ من المرور عبر نقاط التفتيش الإمامية دون شك.
وأضافت أن مشاركة النساء في التعليم بحد ذاتها كانت مقاومة في زمن كان فيه التعليم ممنوعاً على الجميع، وخاصة على النساء. كما لا يمكن إغفال دور نساء مصنع الغزل والنسيج في صنعاء، اللواتي شاركن في عملية تحرير حصار السبعين يوماً، وعملن على مجارحة المقاتلين المصابين، ونقل المنشورات.
وأشارت كافي إلى الدور الريادي لـ”تحفة الشرعبية” كأول امرأة تقود مسيرة سلمية راجلة من شرعب إلى تعز ضد الإمام، مهددة إياه بحمل السلاح لرد الظلم، لتصبح بذلك رمزاً كبيراً للصمود.
ونوّهت كافي إلى نضالات اليمنيات بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وحتى في التسعينيات والألفينات، حيث برزت رائدات نسويات كثيرات عملن في مجالات صعبة كالعنف ضد النساء وزواج القاصرات، وقمن بتوثيق الانتهاكات وترأس منظمات مجتمع مدني.
وأكدت أن النساء لم يكنّ مجرد مشاهدات في فجر انتفاضة 2011 العظيمة، بل صنعن الحدث، وقدن المظاهرات، وأقمن المخيمات، ووثقن الانتهاكات رغم تعرضهن للتحرش والتهديدات ومحاولات الاختطاف، مما كُلل بحصول توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام.
وعرّجت كافي في حديثها على نضالات اليمنيات اليوم، قائلة: في فترة الحرب، عندما غابت الدولة، كانت المرأة اليمنية هي الدولة. مشيرة إلى قيادة النساء لمبادرات شق وتعبيد الطرقات في الأرياف والمدن، وإيواء النازحين وتقديم المعونات لهم، وقيادة مفاوضات لتبادل الأسرى وإخلاء المدارس.
واختتمت: “لقد كانت المرأة اليمنية موجودة في كل مرحلة تاريخية مرت بها اليمن، وكانت منذ اللحظات الأولى عاملاً رئيسياً وأساسياً، ولم تكتفِ بتحمل الأعباء كلها عليها، بل كانت صوتاً ينادي بالسلام، وناشطة في جبهات القتال وكل اللحظات الصعبة. لم تكن مؤثرة في جانب واحد، بل في جميع الأصعدة.”
تحديات المرأة اليمنية في الحراك السلمي
في المحور الثاني، تحدثت المحامية هدى الصراري حول التحديات والمعوقات التي تواجه مشاركة المرأة في النضال السلمي، مركزة على التحديات الأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تعيق دور المرأة.
وأشارت الصراري إلى أن النساء اليمنيات المشاركات في الحراك السلمي يواجهن تحديات جمة، تتنوع بين القيود الاجتماعية، المخاطر الأمنية والاقتصادية، والضغوط النفسية، مؤكدة أن هذه التحديات تُعيق مشاركتهن الكاملة وتُصادر حقهن في التعبير، رغم كونهن جزءاً أساسياً من عملية التغيير.
ولخصت الصراري جملة من التحديات، منها: سلطة الأعراف الاجتماعية، فالمجتمع اليمني أحد المجتمعات المحافظة التي تقيّد حركة المرأة وتحد من ظهورها العلني في الأنشطة العامة.
بالإضافة إلى النظرة السلبية والتشكيك: النساء اليمنيات اللاتي يشاركن في المظاهرات غالبًا ما يُنظر إليهن بنظرة سلبية، ويُشكك في وطنيتهن أو حتى في أخلاقهن، مما يؤدي إلى عزلتهن المجتمعية ويقلل من تفاعلهن السياسي.
كما نوهت الصراري إلى التحديات النفسية، الضغوط والتهديدات المستمرة تؤدي إلى تحديات نفسية جمة، قد تدفع النساء للانسحاب من العمل السياسي.
المخاطر الأمنية والاقتصادية
كما أشارت الصراري إلى المطاردة والتهديدات التي تتعرض لها النساء المدافعات عن حقوق الإنسان وناشطات السلام، والتحرشات الجنسية، لافته إلى أنه قد يصل الأمر إلى التصفية الجسدية، كما حدث للصحفية رشا الحرازي.
وأكدت الصراري على مواجه النساء إقصاءً ممنهجًا من المشاركة في مسارات المفاوضات الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بالسلام ومستقبل البلاد.
وأشارت إلى التحديات الاقتصادية تجعل من المشاركة السياسية بمثابة “مغامرة” أو “مجازفة” بالنسبة للكثيرات، حيث قد تكون لها تداعيات مباشرة على معيشتهن وأسرهن.
التوصيات لتعزيز دور المرأة
وتطرقت الصراري إلى الحديث عن مطالب ملحة قائلة: برغم هذه التعقيدات، ومع غياب مجلس تشريعي فعال يعمل على إعادة التشريع والتعديلات، هناك مطالب ملحة وضرورية لتعزيز دور المرأة، تمثلت في ضرورة مشاركة وتمثيل النساء، خاصة اللواتي عانين من العنف، في روابط الضحايا واللجان المعنية بالسلام والعدالة.
والعمل على بناء قدرات النساء وتمكينهن لتولي أدوار قيادية مؤثرة، مع توفير آليات حماية فعالة للمدافعات عن حقوق الإنسان، بما في ذلك تقديم خطوط خدمة ودعم نفسي متخصص.
بالإضافة إلى اشتراط إشراك النساء شرطًا أساسيًا في كافة المسارات والمفاوضات المتعلقة بمستقبل اليمن. مختتمه حديثها بـ: “المطلوب اليوم هو الاعتراف بالنساء كشريكات فاعلات في بناء السلام والمستقبل، لا كمجرد أرقام أو ضحايا”.
نضالٌ نحو قرار سياسي عادل ومستقبل مزدهر
وفي المحور الثالث، تحدثت الصحفية وداد البدوي حول تعزيز دور المرأة اليمنية في النضال السلمي، مؤكدة أن قضية تمكين المرأة اليمنية جزء لا يتجزأ من أي حل مستدام للأزمة الراهنة. وأشارت إلى أنه رغم كون النساء أول من ينادي بالسلام ويتحملن الأعباء الأكبر في الأزمات، ما زلن يواجهن تحديات جمة تتمثل في التهميش وغياب الإرادة السياسية الحقيقية لإشراكهن.
نوهت البدوي إلى أنه “لا توجد رغبة أو إيمان حقيقي بدور المرأة في المشهد السياسي اليمني.” وأشارت إلى أنه عندما انخرط الرجال في ساحات القتال، كانت النساء هنّ أول من نادى بالسلام، ورغم ذلك، اتُهمن بـ”العمالة” لأنهن لم ينسجمن مع الأجندات الصراعية.
وأضافت البدوي: “كانت النساء تحذرن باستمرار من مخاطر الحرب، وقد أثبتت المعارك العسكرية اليوم أنه ‘لا يوجد انتصار’ لأي طرف. كنّ يؤمنّ بأن دعوة الأطراف إلى طاولة الحوار هي بداية طريق السلام.”
وتطرقت البدوي لوضع النساء المنضمات للأحزاب السياسية، واصفةً إياها بتهميش النساء، حيث أن “دوائر المرأة داخل هذه الأحزاب لا تزال شكلية.” والدليل الواضح على ذلك هو أن “المحاصصات في الحكومات المتعاقبة كانت المرأة غائبة عنها تماماً.” هذه الممارسات تؤدي إلى “إيجاد صورة ديكورية للنساء، وهو ما ستدفع النساء ثمنه لسنوات قادمة.”
وأضافت: “في خضم الأزمة، تحملت المرأة المسؤولية الكاملة. لقد باعت النساء ذهبهن وعملن في التطريز والخياطة لتأمين لقمة العيش، بينما غادر العديد من ‘الرجال المسؤولين’ البلاد. هذا الواقع يؤكد أن من تحمل المسؤولية الحقيقية هي المرأة. ولهذا، فإن ‘المرأة لن تقبل بهذا الاستهتار بالبلد’.”
وأكدت البدوي أن “الاستسلام مرفوض من قبل النساء”، وكذلك من قبل السلطات الدينية التي تسعى لإعادتهن إلى المنازل وتغييب دورهن. وأشارت إلى أن “الأحزاب السياسية لم تعمل على تحسين صورة النساء التي تشجعها دائماً، بل على العكس، زادت من تهميشها.”
وخلصت البدوي إلى أنه “إزاء هذا الواقع، أصبح من المهم انتزاع قرار سياسي داعم للنساء. فالـتشريعات هي الضمان الحقيقي لمشاركات النساء الفاعلة في جميع المستويات.”
وأضافت: “جميعنا ضحايا لهذا الاستحواذ الذكوري. ولذلك، يجب على النساء ألا يخجلن من طلب حقهن في المناصب، فلما لا تكون النساء في المناصب وهن أكفاء لهن؟ نحن لا نلوم تعيين رجل لكونه رجلاً، بل نتساءل: أين مناصب النساء؟”
وواصلت: “لتحقيق هذا الهدف، من المهم جداً أن يكون هناك تواصل وتشبيك مع كل المحافظات لتوحيد جهود النساء. كما أنه مهم أيضاً أن يكون هناك تواصل مع الكيانات النسائية غير اليمنية، لتقوية الكيانات النسائية المحلية، وتقوية الدول الراعية للملف اليمني لدعم قضية المرأة.”