إكرام فرج – نسوان فويس
تواجه الزراعة في حضرموت كما في باقي مناطق اليمن تحديات متزايدة تهدد استدامتها، أبرزها شح الموارد المائية، تدهور التربة، والتوسع العمراني العشوائي، ومع كون اليمن من أفقر دول العالم مائيا فإن استمرار الري التقليدي يؤدي إلى استنزاف الموارد مما يفاقم الأزمة.
كما تعاني النساء الريفيات من محدودية الوصول إلى الأراضي الزراعية، مما يقلل من مشاركتهن في القطاع ومع تزايد الطلب على المنتجات الزراعية أصبح البحث عن حلول مبتكرة ضرورة لتعزيز الأمن الغذائي دون الإضرار بالبيئة.
في ظل هذه التحديات، برزت الزراعة الهوائية كبديل واعد يسهم في تحقيق الاستدامة الزراعية، وتسعى المبادرات المحلية الخاصة الموجهة للنساء إلى تبني هذه التقنية الحديثة، التي توفر حلاً فعالًا لمشكلات الزراعة التقليدية وتعزز الإنتاج الزراعي بموارد أقل.
تقنية الزراعة الهوائية.. حلول مستدامة لواقع صعب
توضح راقيا طوفان، مسؤولة الإدارة والتسويق في المشروع بأن الزراعة الهوائية هي عبارة عن تقنية زراعية تستخدم لتربية النباتات دون الحاجة إلى التربة وتعتمد هذه الطريقة على إنماء النباتات في الهواء بدلاً من التربة حيث يتم تغذية جذورها مباشرة عبر رشّها بالمحاليل المغذية تحتوي على العناصر الغذائية إذ تُعتبر الزراعة الهوائية واحدة من أشكال الزراعة المائية، مما يقلل من استهلاك المياه بنسبة كبيرة مقارنةً بالزراعة التقليدية.
تقول المهندسة تيسير السنحاني، معيدة في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، إن هذه التقنية تتميز بعدة مزايا، أبرزها عدم الحاجة إلى التربة، مما يجعلها خياراً مثالياً للأراضي غير الصالحة للزراعة.
وتعمل على تقليل استهلاك المياه بشكل كبير، مما يحافظ على الموارد المائية النادرة في اليمن، وتمكن من الزراعة في مساحات صغيرة، مثل الأسطح أو البيوت البلاستيكية، ما يجعلها مناسبة للمناطق الحضرية والريفية على حد سواء.
إضافة إلى إنتاجيتها العالية والنمو السريع للمحاصيل، نتيجة التحكم في العوامل البيئية مثل الضوء والرطوبة، وتقليل استخدامها للمبيدات والأسمدة الكيميائية، مما يسهم في تحسين جودة المنتجات الزراعية وحماية البيئة.
ورغم أن التكلفة الأولية لإنشاء أنظمة الزراعة الهوائية مرتفعة، إلا أن العوائد على المدى الطويل تجعلها استثماراً مربحاً ومستداماً.
مبادرة نسائية
في ظل الحاجة إلى حلول زراعية بديلة، أطلقت أربع فتيات رياديات في حضرموت مشروع “Aeroponic”، بهدف تمكين المرأة الريفية وتعزيز الاكتفاء الذاتي للأسر من خلال الزراعة الهوائية المنزلية.
وتتحدث راقيا بأنه بدأت الفكرة من إيمانهن بأن “كل شخص يمكنه أن يأكل مما يزرع”، لذلك ركّزن على تطوير أنظمة زراعية سهلة الاستخدام، تتيح للنساء زراعة الخضروات في منازلهن دون الحاجة إلى مساحات زراعية واسعة أو موارد مائية كبيرة كتجربة أولية على أسطح وشرفات المنازل.
كما سيسهم المشروع في تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر، وسيصبح بإمكان النساء زراعة الخضروات الطازجة في منازلهن، وسيتيح توفير منتجات زراعية عضوية وآمنة للمستهلكين، مما يعزز الصحة العامة ويقلل من الاعتماد على المنتجات المستوردة.
مستهدفين عدة شرائح منها المطاعم والفنادق والمستهلكون الأفراد الراغبون في الحصول على منتجات عضوية وصحية والنساء في المدن والريف، حيث يتم بيع أنظمة الزراعة الهوائية لتمكينهن من زراعة المحاصيل في المنازل.
ولتوسيع نطاقه تشير راقيا إنهم تبنوا استراتيجيات تسويقية متعددة، تشمل خدمات التوصيل عبر مندوبي مبيعات، والتسويق الإلكتروني عبر تطبيق خاص، وإنشاء مشتل زراعي لتوفير المنتجات مباشرة للعملاء.
وأن المشروع لم يقتصر على الجانب الغذائي والبيئي، بل امتد ليحقق أثراً اجتماعياً واقتصادياً عبر فتح فرص عمل جديدة للنساء في إدارة الأنظمة الزراعية، وتسويق المنتجات العضوية، وتقديم الاستشارات الزراعية.
إقبال واسع وتحديات تواجه المشروع
بحسب استبيان أجري ضمن المشروع، أظهرت النتائج أن 77.2% من المشاركين يرغبون في تطبيق الزراعة الهوائية على أسطح منازلهم، فيما عبّر 60.1% عن اهتمامهم بتعلم المزيد عن هذه التقنية، مما يعكس اهتماماً متزايداً بتبني هذا النموذج الزراعي الجديد.
برغم النجاح الذي حققه المشروع وفوزه بالجائزة الفرعية “تنمية المرأة الريفية” ضمن مختبر الابتكار الاجتماعي، إلا أنه واجه تحديات عدة بحسب فطومة الحبشي المسؤولة عن تطوير النموذج بأن أبرزها نقص وغياب التمويل للمشروع والتكلفة الأولية المرتفعة لإنشاء أنظمة الزراعة الهوائية، والتي قد تشكل عقبة أمام انتشارها الواسع والحاجة إلى التدريب التقني لضمان استخدام الأنظمة بفعالية وتحقيق أقصى استفادة منها.
بالإضافة إلى تحديات التسويق والطلب المتذبذب حيث يحتاج المشروع إلى تعزيز الوعي بأهمية الزراعة الهوائية وزيادة ثقة المستهلكين بها .
ومع ذلك، تُعتبر الزراعة الهوائية حلاً فعالاً لكثير من المشكلات، إذ توفر بديلاً أكثر كفاءة من حيث استهلاك المياه، كما أنها خالية تماماً من المبيدات الكيميائية مما يحافظ على صحة الإنسان والبيئة.
وتوضح السنحاني، أن هذه التقنية تلعب دوراً محورياً في مواجهة تحديات الزراعة التقليدية، حيث تتيح الزراعة في المناطق التي تعاني من تدهور التربة، وتساهم في تقليل استخدام المياه والأسمدة الكيميائية، ما يعزز الاستدامة البيئية، كما توفر إنتاجية أعلى في مساحات صغيرة، مما يجعلها حلاً عملياً لتحسين الأمن الغذائي.
كما تؤكد الحبشي أنهن يعملن على نشر الوعي بالزراعة الهوائية عبر تقديم تدريبات ميدانية واستشارات زراعية إلكترونية، بالإضافة إلى توفير حلول ميسرة لتشجيع المزارعين على تبني هذه التقنية في حال توفر الدعم اللازم للمشروع.
وما يميز المشروع ويجعله خياراً مستداماً هو قدرته على الإنتاج مدار العام دون التقيد بالمواسم الزراعية وعدم إستخدامه للمبيدات الكيميائية، مما يجعل المحاصيل أكثر أماناً وصحة، ونمو النباتات بنسبة أسرع (25-30%) مقارنة بالزراعة التقليدية بحسب حديث الحبشي .
نحو مستقبل زراعي أكثر استدامة
تعتبر الزراعة الهوائية نموذجاً ثورياً في القطاع الزراعي، حيث تقدم حلولاً مبتكرة لمشكلات شح المياه وتدهور التربة، وتتيح إمكانية الإنتاج الزراعي على مدار العام دون الحاجة إلى المبيدات الكيميائية الضارة.
ومع تصاعد الأزمات الغذائية والمائية في اليمن والعقبات التي تعترض انتشار هذه التقنية، إلا إنه يمثّل هذا المشروع خطوة رائدة نحو تحقيق الأمن الغذائي، وتمكين المرأة الريفية، وتقليل التأثير البيئي للزراعة التقليدية.
ومع تزايد الاهتمام المجتمعي بهذه التقنية، فإن الاستثمار في دعم وتطوير مثل هذه المبادرات قد يشكل خطوة حاسمة نحو مستقبل زراعي أكثر استدامة، يلبّي احتياجات الأجيال القادمة في ظل ندرة الموارد وتغير المناخ.