علياء محمد – نسوان فويس
في ريف محافظة لحج، المتميزة بالجمال الطبيعي والتنوع الثقافي، تعيش شكيبة العسل، البالغة من العمر الخامسة والثلاثين عامًا، والتي أجبرتها أوضاعها على تنفيذ مشروعها الخاص في طحن وتصدير الحناء.
عاشت شكيبة ظروفًا معيشية صعبة، حيث كانت قبل سبعة عشر عامًا امرأة مطلقة وأم لأربعة أطفال، ولا يوجد أي مصدر دخل تعيش منه هي وأبناؤها. ولكن بفضل إرادتها وعزيمتها، استطاعت أن تنفذ مشروعها الخاص ليكون مصدر دخل تعول به أسرتها.
البداية
تقول شكيبة في حديثها لنسوان فويس: “مشروعي مشروع بسيط، وجاءت فكرته نتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي مررت بها كامرأة مطلقة وأم لأربعة أطفال، كنت المعيلة الوحيدة لهم”.
مضيفة: “أتت الفكرة بعمل أي مشروع أستطيع من خلاله أن أوفر مصدر دخل لأبنائي وبدأت أفكر ما هو المشروع الذي لا يتواجد في القرية وأستطيع من خلاله أن أحقق دخلًا مربحًا لي.
وبعد التفكير والاستفسار، رأيت أن القرية قبل ١٧ عام بحاجة إلى إنتاج الحناء، وهناك الكثير من مزارع الحناء في قريتي في محافظة لحج، ولكن لا توجد طواحين في القرية ولا أيادٍ عاملة لإنتاج الحناء. وانتهزت الفرصة هذه وبدأت بتنفيذ المشروع.”
استطاعت شكيبة أن تبدأ أولى خطواتها في مشروعها من الصفر، على حد قولها. وبمساعدة من والدها، قامت بشراء طاحون لطحن الحناء، وبجهودها المستمرة استطاعت أن تطور عملها وأصبحت صاحبة أول طاحون في القرية لصناعة الحناء، وتحولت من امرأة ريفية بسيطة إلى رائدة أعمال ناجحة.
تقول: “كنت آخذ الحناء من المزارع ونقوم بطحنه وأصدّره للأشخاص الذين أعرفهم وبعض القرى في المحافظات، وبدأت أكسب الكثير من العملاء والشهرة كوني الوحيدة في تلك الفترة أقوم بإنتاج الحناء.”
إرادة ونجاح
بعد شهور من العمل، ازدهر مشروع شكيبه في صناعة الحناء، وبدأت في جذب الزبائن من المحافظات والقرى المجاورة، وزادت الطلبات بشكل كبير على إنتاجها من الحناء.
وتمكنت من كسب عملاء جدد، وبدأت بإنتاج كميات أكبر من الحناء، وجنت من هذا المشروع أرباحًا مثمرة، واستطاعت أن تعلم أبنائها وتبني لهم بيتًا.
أفادت شكيبه أنه بعد نجاح مشروعها في طحن وإنتاج الحناء، بدأ المنافسون في الظهور و توافدت على القرية عدد من المطاحن، وحدث التنافس، لكن طاحونها ومعملها كان الأجدر و الأول.
بعد 17 عامًا، عادت شكيبه لأبو أولادها وأصبح الداعم الرئيسي لها، واخترع لها عدة معدات وأدوات لمساعدتها في المشروع، وقام بصناعة نخالة تقوم بنخل الحناء ولباجة (وهي آلة تقوم بتقطيع ورق الحناء إلى قطع صغيرة حتى يسهل طحنها في الطاحون).
وفّرت هذه الآلة الكثير من الجهد الذي كانت تقوم به شكيبه هي وأبنائها، حيث كانوا يقومون بتقطيع الحناء بأيديهم.
واجهت شكيبه العديد من التحديات في الإنتاج، وكان أبرزها طاحونها القديم، والتي كانت معداته وقطع غياره غير متوفرة في السوق، لكنها لم تستسلم وطوّرت المعدات في معملها.
وأشارت في حديثها إلى المنحة التي قدمت لها من أحد المنظمات، والتي استطاعت من خلالها أن تشتري طاحونًا جديدًا زاد من إنتاجها في وقت أقل وبطريقة أسرع.
مؤكدةً أن المنحة وفرت لها الكثير من الجهد والوقت، وساعدتها على تصدير حناء أكثر في وقت أقصر.
بالإصرار على النجاح، أصبحت شكيبة مثالًا يُحتذى به للنساء في قريتها، كامرأة مكافحة استطاعت أن تنفذ مشروعها الخاص، رغم بعض الصعوبات التي تواجهها، وأبرزها الانقطاع المتكرر للكهرباء في القرية.
تقول: “ما زلت أعاني من انقطاع الكهرباء الدائم والمتكرر في القرية، الأمر الذي يعرقل عملية الإنتاج وتغطية السوق وطلبات العملاء، وآمل أن أحصل على منظومة طاقة شمسية أشغل بها الطاحون والمعمل بدون توقف.”
توسيع الفرص
يرى المستشار الاقتصادي أحمد شماخ أن التمكين الاقتصادي للنساء هو أحد الركائز المهمة التي تعتمدها الأمم المتحدة في توسيع الفرص الاقتصادية أمام النساء، إضافةً إلى تعزيز وتطوير القدرات التنافسية في الجوانب الاقتصادية للمرأة من خلال التعليم والتدريب والتأهيل الجيد، ومن خلال التوظيفات والتمويلات والقرارات الصائبة.
ويضيف في حديثه لنسوان فويس: “تكمن الأهمية الاقتصادية للتمكين الاقتصادي للنساء في تعزيز عملية التنمية الاقتصادية للأسرة، وزيادة المساهمة في العملية الاقتصادية، وتعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات الصائبة والسليمة.”
مشيراً إلى أن التمكين الاقتصادي للنساء وسيلة من الوسائل التي تستطيع من خلالها النساء أن يحصلن على حقوقهن في العمل والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، بما يتماشى مع الخطة الأممية المستدامة حتى العام 2030.
ويؤكد على أهمية تعزيز وتمكين قدرات النساء في الانخراط في القطاع الخاص وفي مختلف المجالات لتحسين الوضع الاقتصادي ولتحقيق نمو شامل ومستدام يعزز من قدرات النساء، وخص بالذكر المرأة الريفية التي تعمل في الريف وفي المناطق البعيدة لتأمين حياتها المعيشية بكل ثقة واقتدار، وخصوصًا خلال هذه الفترة.
مضيفًا: “قضية تحسين وضع المرأة الريفية عن طريق تمكينها اقتصاديًا ينبغي أن تكون من ضمن الأولويات التي يجب أن تهتم فيها الدولة لتوظيف قدرات النساء في مختلف المجالات والتخصصات باعتبار أن هذه الخطوة تعزز من مكانة المرأة وتوفر الفرص الاقتصادية لها.”
ويرى شماخ أن التحديات التي تواجهها النساء، وخصوصًا المرأة الريفية في اليمن، كثيرة، ومن أبرزها غياب التعليم وقلة التمويل للأنشطة الاقتصادية والمشاريع المختلفة.
ويقول: “تستخدم بعض المنظمات العاملة في اليمن حوالي 60% من حصة إجمالي التمويلات الخارجية كمصاريف ومخصصات، ويفترض أن يكون هناك برامج تمويل مباشرة عبر مؤسسات التمويل تأتي للنساء دون أن يكون هناك فساد. ومن المفترض أن يكون دور النساء من وقت مبكر في مجالات كثيرة.”
موضحًا أن القضية ليست تمويلًا فحسب، بل هي بالمقام الأول مساهمة ومساعدة للنساء في تطوير مشاريعهم الخاصة.
ويؤكد على أهمية وجود شراكة إيجابية بين النساء والمنظمات العاملة في اليمن والقطاع الخاص، باعتبارها مسؤولية اجتماعية تدعم المشاريع التنموية وتدعم النساء في التمكين الاقتصادي وتخلق فرص عمل جديدة للنساء في كافة القطاعات من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
وحدد باشماخ أولويات تحسين البيئة الاستثمارية الداعمة للنساء:
قصة شكيبة هي مثال حي على الإرادة والعزيمة ومصدر إلهام لكل امرأة في قرى المحافظات اليمنية والتي تسعى جاهدة لتحقيق أحلامها وبناء مستقبل أفضل لها ولعائلتها.