أمل وحيش ــ نسوان فويس
في وقتٍ يشهد فيه العالم، بما في ذلك اليمن، العديد من التحديات والأحداث التي تؤثر سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لعامة الناس، يبقى هناك بصيص من الأمل يُشعل عزيمة النساء اليمنيات، حيث يتجاوزن الصعاب بفضل إرادتهن القوية ومثابرتهن، ويساهمن في خدمة المجتمع من خلال مشاريعهن الخاصة التي تتوالى مع مرور الوقت.
من بين هؤلاء النساء، تأتي رحاب سيف الوحش، وهي مهندسة معمارية متخصصة في التصميم الداخلي، تمكنت من ترك بصمة مميزة من خلال مشروعها الخاص، حيث أصبحت أول امرأة يمنية تؤسس محطة مياه ومغسلة ملابس في العاصمة صنعاء.
محطة “زها”
افتتحت رحاب محطة المياه قبل حوالي ثلاثة أعوام، بالتزامن مع افتتاح مغسلة الملابس في نفس المنطقة. وقد أطلقت على مشروعها الأول اسم “زها” تيمناً باسم ابنتها الكبرى، حيث ترى أن الاسم مميز وفريد من نوعه بين الأسماء المتواجدة في السوق، كما أن معناه “الصفاء والنقاء”، وهو ما يناسب محطة المياه التي جاءت فكرتها من احتياجها الشخصي كمُـحْتاجة لمياه نظيفة وصالحة للشرب لأبنائها. ولأنها عاشقة للتحدي، درست المشروع بشكلٍ معمق لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك قررت البدء في أولى خطوات النجاح
بمساندة عائلتها وزوجها، الذي قدم لها الدعم المعنوي والمادي، استطاعت رحاب أن تنشئ محطة مياه مزودة بأحدث الأجهزة والمواصفات المتطورة، لتكون شبيهة بمصانع المياه الكبرى ولكن بأسعار اقتصادية تناسب الجميع. بفضل جودة الخدمة التي تقدمها، حصلت رحاب على شهادة أفضل محطة مياه في أمانة العاصمة من قبل مكتب وزارة الصحة قسم المياه، ما يعد إنجازًا كبيرًا لها كأول امرأة تمتلك محطة مياه في صنعاء بحي المحروقات.
مغسلة “نيسان”
لم يكن مشروع محطة المياه”زها” هو الوحيد الذي درسته رحاب بعناية. فقد كانت تطلعاتها أكبر وطموحاتها أعلى. من خلال دراستها للفرص المتاحة في السوق، قررت فتح مغسلة “نيسان”، التي سُمِّيَت تيمّنًا باسم ابنتها الثانية. أحبّت رحاب أن يحمل المشروع اسم الزهر الذي يُستخلص منه الصابون، ليكون الاسم مرتبطًا بشكل وثيق بنوع الخدمة التي تقدمها المغسلة.
وتتميز مغسلة “نيسان” بتقديم خدمة غسيل الملابس بشكل منفرد لكل عميل، مما يضمن حماية الزبائن من الأمراض الجلدية التي قد تنتقل نتيجة لغسل الملابس بشكل جماعي، مما يخلق نوعًا من الخصوصية والاهتمام بكل عميل على حدة.
رحاب واجهت تحديات كبيرة في استيراد الأجهزة اللازمة للمغسلة، حيث استغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى استكملت إجراءات استيراد الآلات. كما كانت هناك صعوبة في العثور على مهندسين متخصصين قادرين على تشغيل الآلات الحديثة، خصوصًا أنها مغسلة بخار “دراي كلين” ألمانية. ورغم هجرة المهارات المتخصصة في هذا المجال، لم تستسلم رحاب. بل قررت أن تتعلم العمل على هذه الآلات بنفسها، حتى لا تتوقف المغسلة أو تتأخر الخدمة، وتدربت بنفسها على استخدام آلة الغسيل بالبخار لمدة شهرين، حتى أصبحت واحدة من قلة قليلة من النساء اللاتي يُتقنَّ هذه التقنية المتقدمة.
مواجهة الصعوبات
كالعديد من رائدات الأعمال، واجهت رحاب تحديات عديدة، منها استغراب البعض لفكرة مشروعها كمحطة مياه ومغسلة، خاصةً كونها امرأة تدير مثل هذه الأعمال التي قد تُعتبر صعبة ومعقدة. بالإضافة إلى كونها تعمل في مجال الهندسة المعمارية أضف لكونها زوجة وأم لثلاثة أطفال، الأمر الذي يفرض عليها تحديات إضافية. لكن بفضل دعم عائلتها وزوجها، استطاعت التغلب على هذه التحديات. وفي هذا الصدد، تقول رحاب: “أنا امرأة تحب التحدي، وإذا وضعت شيئًا في رأسي، سأحقق النجاح فيه، حتى لو كان خارج تخصصي، طالما أنني أقرأ وأسأل وأستشير أصحاب الخبرة، يمكنني النجاح”.
ورغم التحديات الراهنة التي أثرّت على المشروع، مثل انقطاع الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية، التي كانت تعرقل حركة نقل المياه إلى نقاط التوزيع في صنعاء، إلا أن رحاب نجحت في إيجاد حلول لكل إشكالية تواجهها حتى لا يتوقف سير العمل، كما وفرت باصات مملوكة للمحطة لتسهيل العمل وإرضاء العملاء.
قبول مجتمعي
“لقد لاقى المجتمع تفاؤلاً كبيرًا وتحمسًا من الناس لكون امرأة تدير المغسلة، مما يعكس نظافة وجودة الخدمة”، تقول رحاب التي استطاعت أن تبني لها سمعة طيبة وأن تكسب ثقة العديد من الزبائن من مختلف المناطق، حتى أن هناك عملاء من مناطق بعيدة يأتون خصيصًا إلى مغسلتها. وهذا يعكس مدى جودة الخدمة التي تقدمها والتزامها تجاه العميل.
من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تروج رحاب لمشروعيها، مشيرة إلى أن تكاليف الخدمة أقل مقارنة بالآخرين، كما أن الناس أصبحوا يفضلون الإنترنت للحصول على المعلومات مما ساعد في جذب العملاء الجدد. ولقد ساعدها تخصصها كمهندسة معمارية على دراسة المشروع بدقة، ما مكنها من اختيار الموقع المناسب والملائم لمشروعها.
إضافة شخصية
تعتبر رحاب أن مشروعها الاستثماري قد أضاف لها الكثير على الصعيد الشخصي، حيث جعلها تتبنى عقلية استثمارية أقوى. كما أن مشروع المياه يشعرها بالسعادة كونها استطاعت توفير مياه شرب لأسر ومساجد، مما يعتبر صدقة جارية بالنسبة لها. تقول: “المشروع جعلني أكثر قوة وأصبحت أواجه المجتمع بنظرة أقوى، دون استسلام، وأحب التحدي أكثر فأكثر”.
ورغم المحاربة التي واجهتها من قبل المنافسين، استطاعت رحاب أن تميز منتجها بفضل جودته، وتمكنت من جذب العديد من العملاء بفضل جهودها واهتمامها الكبير بنجاح المشروع.
خطط مستقبلية
تأمل رحاب في أن يتم تحويل مشروع محطة المياه إلى مصنع للمياه في المستقبل القريب. وقد بدأت في دراسة الفكرة وتنفيذ بعض الخطوات نحو تحقيقها.
وفي ختام حديثها لمنصة “نسوان فويس”، توجه رحاب رسالة شكر وامتنان لوالديها وزوجها الذين كانوا داعمين لها معنويًا وماديًا لتحقيق طموحاتها. كما توجه رسالة لجميع النساء بضرورة أن يكنَّ قويّات ولا يستسلمن مهما كانت الظروف لتحقيق أحلامهن وطموحاتهن.
من خلال هذين المشروعين، قدمت رحاب الوحش نموذجًا يُحتذى به للمرأة اليمنية القادرة على الريادة والابتكار، مما يعكس قدرة النساء على التأثير الإيجابي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى في أصعب الظروف.