يمثل التنمر الإلكتروني ضد النساء اليمنيات المتواجدات على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسهن الناشطات والصحفيات ظاهرة غير صحية في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتوترة التي تعيشها البلد، حيث تعاني العديد من الإعلاميات والناشطات المتواجدات على وسائل التواصل هجوماً شرساً قد يصل حد التهديد بالتصفية وتشويه السمعة، والابتزاز، والتلفظ بألفاظ خادشة، وهو ما قد يتسبب بضغوط نفسية واجتماعية ومهنية على المرأة ما يجعلها تعزف عن المشاركة أو إبداء رأيها أو التحدث بحرية في منصات التواصل الاجتماعي في ظل وجود رقابة مجتمعية مؤذية.
عقدة نقص
” باعتقادي أنه لا يوجد يمنية لم تتعرض للتنمر الإلكتروني ولا يقتصر الأمر على الناشطات والإعلاميات”.
الناشطة السياسية (رشا كافي) إحدى النساء اللاتي تعرضن ولا زلن يتعرضن بشكل شبه يومي للتنمر الإلكتروني، ترى أن هناك نظرة مجتمعية دونية وقاصرة تجاه المرأة بشكل عام ولا يقتصر الأمر على الصحفيات والناشطات، وتؤكد أن المجتمع ما يزال ينظر إلى خروج المرأة للفضاء الإلكتروني بعين العيب والعار وتعتبر كافي أن التنمر الإلكتروني جزء من العنف الإلكتروني، الذي يتجسد في السب والشتم والتعليقات المسيئة، سواء كان التنمر على الشكل أو المهنة أو الرأي.
وتضيف أن التنمر المهني والاجتماعي هو أسلوب يستخدمه البعض عندما يعجزون عن مناقشة أفكار الآخرين، ما يعني أن المتنمر شخص مريض يشعر بالنقص. ولأنها تتعرض بشكل دائم للتنمر الإلكتروني، ولحملات ممنهجة، تقول كافي: “أكتفي بالحظر في حال وجدت أنه لا جدوى من النقاش مع المتنمرين أو المسيئين”، مشيرة إلى أن المتنمر لا يناقش الفكرة والمبدأ، بل يتجه للتنمر على الشكل والعائلة وغيرها، تاركًا الفكرة الأساسية. لذلك، ترى أن الحظر والتجاهل هما العلاج الأمثل.
ثقة
بشرى الجرادي، الصحفية التي تعرضت للتنمر والإساءة أكثر من مرة على وسائل التواصل الاجتماعي، تقول إن التعامل مع التنمر يكون بالتجاهل أحيانًا، و بالحظر أحيانًا أخرى. وما يعينها على مواجهة هذا التنمر هو ثقتها بنفسها، إلى جانب مساندة الأهل والأصدقاء لها. وترى بشرى أن أنسب طريقة لمواجهة التنمر هي الثقة العالية بالنفس والتجاهل، وعدم منح المتنمر فرصة للفرح أو الشعور بالنجاح في تحقيق مبتغاه.
مكسب
“كنت أستاء جدًا من التنمر وكنت أتساءل لماذا يحدث ذلك؟ وكيف؟ ولأي سبب؟” هكذا بدأت سماح الذبحاني، مقدمة البرامج التلفزيونية، حديثها حول معاناتها مع التنمر الذي تعرضت له مرات عدة. وهي، بالإضافة إلى كونها مقدمة برامج، ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي. تقول إن وسائل التواصل أصبحت وسيلة للرأي العام، ولكنها في معظم الأحيان تحولت إلى وسيلة للتشهير والعداء ضد الآخرين. وترجع السبب في ذلك إلى غياب قانون خاص بالحماية الإلكترونية وتطبيق مبدأ العقوبة المجزية، أسوة بباقي البلدان، حسب قولها. وتؤكد أنه إذا تم تفعيل هذا القانون، فسيكون من المستحيل على أي شخص التمادي في الإساءة إلى الآخرين.
الذبحاني، التي اعتادت على الأمر كما تقول، أدركت أنه أصبح جزءًا من الروتين اليومي للبعض الذين يستسهلون التنمر والانتقاد اللاذع والتقليل من شأن الآخرين وإنجازاتهم. وقد يصل الأمر، برأيها، إلى المساس بأعراضهم
المعالجات
ومع ما تعرضت له كناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، تقول الذبحاني: “إنني أدركت مؤخرًا أن للتنمر فائدة إيجابية أكبر من كونه سلبيًا.” وتضيف: “لا أرغب في ذكر هذه الفائدة حاليًا لكي لا نخسر المنتقدين، بل على العكس أشجعهم على الاستمرار، لأنهم يخدمون مصالحنا بشكل كبير. لولا المنتقدون لما وصلنا إلى أهداف معينة، بل هم يسهلون الوصول إليها”.
وتنصح الذبحاني كل من يتعرض للتنمر الإلكتروني بأن يستفيد من النقد البناء ويتجاهل التنمر السلبي طالما أنه يعرف نفسه وله أهداف يسعى لتحقيقها. كما تؤكد أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، حسب تعبيرها
ومن أبرز الحلول التي تؤيدها كافي للحد من ظاهرة التنمر الإلكتروني هي رفع مستوى الوعي المجتمعي لمحاربة هذه الظاهرة، التي قد تتسبب في أضرار نفسية كبيرة. وتضيف: “أحيانًا نطلق ألفاظًا وأحكامًا ولا نعلم أننا قد نضر نفسية الشخص الآخر، فربما كلمة بسيطة قد تهدم الشخص أو تثنيه عن مواصلة حلمه”.
وتشير إلى ضرورة توعية الفتيات بشكل خاص لمواجهة التنمر، وذلك من خلال حملات توعية ومناصرة لهن، إضافة إلى تقديم الدعم النفسي لضحايا التنمر، وإعادة الثقة في أنفسهن
وتوجه كافي رسالة للنشطاء و الإعلاميات وكل النساء اليمنيات اللاتي يتعرضن للتنمر الإلكتروني: “لا تدعن مجالًا للتنمر يؤثر سلبًا على حياتكن، ولا تتركن فرصة للمتنمرين الذين يسعون للاستنقاص من شكلكن أو مهنكن أو رأيكُن فقط لكونكن نساء.
رأي القانون
وفقاً للقانون اليمني يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على (100,000) مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في تهديد أو ابتزاز شخص”.
توضح المحامية شيماء القرشي أن التنمر الإلكتروني، رغم انتشاره في منصات مثل فيسبوك بين المستخدمين اليمنيين الباحثين عن الترفيه والتفاعل، لا يُصنف قانونًا كجريمة إلا إذا اشتمل على السب، التشهير، أو القذف. وتؤكد أن هذا التمييز يترك ضحايا التنمر، الذين يعانون من أضرار نفسية وأسرية ومجتمعية، دون حماية قانونية رادعة في الفضاء الرقمي، باستثناء حالات الابتزاز، التهديد، والسب والقذف الصريحة.
وتشير القرشي أنه في حال لم يتضمن التنمر الإلكتروني ألفاظ سب وقذف صريحة، أو كان الهدف منه مجرد التشهير بالشخص دون توجيه اتهام محدد، فإن القانون لا يعتبره جريمة موجبة لرفع دعوى جنائية أمام النيابة.
دراسة
في دراسة سابقة أجراها مرصد الحريات الإعلامية في اليمن مطلع عام 2022، أكد أن ظاهرة التنمر الإلكتروني ضد الصحفيات في السنوات الأخيرة تسببت في عزوف المئات منهن عن الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهن وتبني قضايا النساء والمجتمع.
وخلصت الدراسة إلى أن 72% من عينتها، التي بلغت 79 صحفية وناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعرضن لنوع من أنواع التنمر الإلكتروني بشكل متكرر.
كما أكدت أن 64% ممن أجابن بـ”لا” كنّ شاهدات على حالات تنمر إلكتروني تعرضت لها زميلات أخريات.
ووفقًا للدراسة، تصدّر فيسبوك قائمة التطبيقات الأكثر تعرضًا للتنمر الإلكتروني ضد الصحفيات المستهدفات، حيث تجاوزت النسبة الـ90% مقارنة ببقية التطبيقات.
وأرجعت 90% من عينة الدراسة أسباب الظاهرة إلى عوامل اجتماعية وثقافية، مما يعني أن هناك فئات كبيرة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يقبلون بالهجمات والتنمر ضد الناشطات والصحفيات اليمنيات، وهو ما ينعكس سلبًا على حرية التعبير.
تُبرز ظاهرة التنمر الإلكتروني ضد النساء اليمنيات بمختلف أطيافهن وتوجهاتهن نتيجة للثقافة المجتمعية القاصرة تجاه المرأة من قبل معظم مستخدمي وسائل التواصل، إضافة إلى عدم وجود نص قانوني يجرم الإساءة الإلكترونية ويحاسب مرتكبيها. وحتى يتم ذلك، يبقى السبيل الوحيد لتجنب عواقب التنمر الإلكتروني هو رفع مستوى الثقة بالنفس، وتجاهل المتنمرين، والتركيز على النجاحات الشخصية التي يمكن أن تكون ردًا قويًا على كل متنمر.