المرأة رائدة السلام في قرى حراز

شارك المقال

أمل السبلاني-نسوان فويس

شهدت معظم قرى حراز، مثل الهجرة وبيت المقلد ومناخة والعيان وعيان كاهل، انطلاق عدة مبادرات شبابية، سعت إلى القضاء على الفقر والبطالة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر، من خلال زراعة شجرة البُن.

يقول خالد حزام، أحد المزارعين في عزلة هوزان،  في حراز، وصاحب مشتل الأمل: “نقوم بتوزيع آلاف الشتلات مجانًا لجميع مناطق حراز، بهدف تشجيع المزارعين على زراعة البُن، واقتلاع شجرة القات، التي تستهلك الماء، وتستنزف جهد المزارع دون فائدة”.

وعن دور النساء في هذه المبادرات، يقول: “تشارك جنبًا إلى جنب مع الرجل، بدءًا من السقي، ووصولًا إلى الجني والتجفيف. لذلك نحرص على دعمهن سنويًا، من خلال توزيع الشتلات لهن مجانًا، ويبلغ عدد الشتلات التي يوزعها مشتلنا ما بين 50 إلى 60 ألف شتلة”.

المبادرات ودور النساء

وللتعرف أكثر على هذه المبادرات ومتى كانت بداية انطلاقتها، ودور النساء فيها، وما قدمنه من جهود لإنجاحها، أجرت منصة “نسوان فويس” حوارًا مع أحد أهم الداعمين لهذه المبادرات، فتحي الحرازي، الناشط في مجال البُن، والمسؤول عن العديد من المبادرات الشبابية.

استعرض الحرازي تفاصيل المبادرة، قائلاً: “كانت الفكرة الأساسية لمبادرات زراعة البُن، مستندة إلى امرأة من غرب حراز (لم يذكر اسمها)، وهي بتوفير شتلات البُن، لمساعدة المزارعين. تم توزيع أول دفعة من الشتلات في 17 فبراير 2017، بلغ عددها 2500 شتلة، ولأن الكميات كانت كبيرة، قمنا بتوزيعها على فصول محو الأمية، وتم بناء أول مشتل في 2018، والذي أنتج أكثر من أربعين ألف شتلة”.

عكست هذه المبادرات -كما أشار الحرازي- الدور الحاسم للنساء في المجتمع، حيث لعبن دورًا محوريًا في إقناع الرجال بضرورة اقتلاع شجرة القات وزراعة البُن، وهن من قمن بعمليات التبوير (حجز الأراضي)، وحفر الحفرات، وتوفير شتلات البُن من خلال بيع ذهبهن أو الالتحاق بمراكز محو الأمية. وكانت أول من استجابت لدعوة المبادرة امرأة قامت بإنشاء حوالي 250 شتلة من شجرة البُن، بعد أن باعت ذهبها لشراء الشتلات.

وأكد الحرازي، أن النساء شجعن المنفذين والداعمين للمبادرات على الاستمرار والمواصلة، بتعهدهن على إكمال تعليمهن في مراكز محو الأمية “نحن سنتعلم القراءة والكتابة، شرط أن تدعمونا بأشجار البُن”.

وهو يرى أن الدافع الرئيس لمشاركتهن يكمن في فهمهن العميق لأهمية هذا المشروع، وما سيحقق لهن من مردود جيد، مما سيساعدهن في مواجهة الفقر، فشاركن بالتعاون مع عدة أطراف لبناء المشتل الأول والثاني والثالث والرابع. وجميعها تنتج اليوم أكثر من 200,000 شتلة، توزع على مراكز محو الأمية في حراز والحيمتين وصعفان.

المرأة هي الأقوى

تتحدث كوكب القحم (43 عامًا) من منطقة لكمة الخير، بمناخة، عن دافعها للمشاركة في مبادرات زراعة البُن، قائلة: “كان هدفي القضاء على شجرة القات، لأنها دمرت الشباب، وهذه التجربة حققت لي الاكتفاء الذاتي، وساعدت في تحسين الظروف الاقتصادية في منطقة حراز بشكل كبير، بفضل المردود الاقتصادي لهذه الشجرة”.

تشير كوكب إلى أن مراكز محو الأمية، قبل انطلاق المبادرات، كانت تحتوي على عدد قليل جدًا من المشاركات، لكن بعد انطلاقها، زاد تدفقهن إلى المراكز لإكمال تعليمهن والحصول على الشتلات. وتقول: “المشاركات هن من شجعونا على الاستمرار في هذه المبادرات، وقد أظهرن فرحتهن وسعادتهن، لأنهن يجنين ثمار جهودهن، وأصبح لهن دخل ثابت، حتى أن أكثرهن يطلبن منا زيارة أراضيهن لمشاهدة ما يجنين”.

وتؤكد كوكب: “بالنسبة لي، المرأة في هذه المبادرات، كانت الأقوى بالإرادة والعمل والاجتهاد”. وهذا ما نذهب إليه أيضًا، إذ أن النساء أحدثن نقلة نوعية حقيقية في حراز، كانت وستظل فيها الدافع والمحرك، وهي من تحافظ على استمراريتها حتى اليوم. وإذا ما تحدثنا عن زراعة البُن في حراز، سنجد أنه يتم بنسبة 95% تحت إشرافهن. وهن من يساعدن أسرهن على الاستفادة من هذا المورد الثمين.

تأثير المبادرات على المجتمع

أظهرت المبادرات نتائج ملموسة على منطقة حراز، ليس على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتدت لتشمل تعزيز السلام في المنطقة، وهو ما تحقق بفضل الاستقرار المالي للأسر، والذي يجعل المجتمعات أكثر مقاومة للعنف والصراع. كما ساهمت هذه المبادرات في خلق فرص لإعادة تشكيل المعايير الاجتماعية، حيث أتاحت للنساء تولي أدوار ومسؤوليات جديدة، تسهم في معالجة الأنماط التقليدية السائدة.

يقول معاذ الفقيه، رئيس منظمة “يمن بلا نزاع” في حواره مع منصة “نسوان فويس”: “قدمت المبادرات النسائية في حراز دورًا كبيرًا في تعزيز استقرار المنطقة، وأثبتت أنها رائدة في تعزيز السلام، رغم التأثيرات السلبية للحرب. وهذه المبادرات أدت إلى إحداث تغييرات ديناميكية جذرية في الحياة الاجتماعية، حيث ساهمت في تقليل الفقر، وفي تمكين المرأة اقتصاديًا، وذلك في ظل العجز الذي يواجهه رب الأسرة في تحمل التكاليف المعيشية. وبذلك، ساعدت في تحقيق الاستقرار الأسري، الذي يعد أساسًا لاستقرار المجتمع ككل”.

وفي الختام، أشار الفقيه إلى أن مبادرات زراعة البُن في حراز أظهرت قدرة المرأة الفعالة على تعزيز الاستقرار، حتى وإن كان ذلك بشكل نسبي. ولهذا، شدد على أهمية تعزيز أدوارها وبناء قدراتها وتمكينها اقتصاديًا من جانب منظمات المجتمع المدني، خاصة في الأرياف. وتأتي هذه الضرورة في ظل التغيرات المناخية الكبيرة المقبلة، التي من المتوقع أن تؤثر على الاقتصاد المحلي. كما أكد على أن تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسلام لا يمكن أن يتم إلا من خلال تمكين الأسر ورفع يدها عن الحاجة.

مقالات اخرى