“الخيانة بتصفيق المجتمع”

شارك المقال

إنتصار مثنى-نسوان فويس 

في فترة زمنية تمتلئ بالتشديدات الأمنية وفرض الأخلاق الشكلية، إلا أننا نشهد فسادًا أخلاقيًا واسعًا ومتفشيًا خلف الكواليس. ما يميزنا أننا مجتمع محافظ شكليًا وما خفي كان أعظم. لم تعد الخيانة الزوجية اليوم بمفهومها القديم والتقليدي تبادلًا للكلمات الشاعرية وأحاديث وأغاني، بل أصبح العديد من النساء يشكين خيانة أزواجهن لهن خيانة جنسية كاملة. ما بين الصدمات التي تتعرض لها النساء وحق تقرير المصير في مجتمع يفتقد لأبسط حقوق المرأة، تعاني الكثير من اليمنيات مآسي لا حدود لها. الترويج للخيانة ودعم “التقبل” على مواقع التواصل الاجتماعي يساعد في تفشي المشكلة بحسب رأي الغالبية.

حياة عبد الله، اسم مستعار، وحالة من بين الكثير من الحالات التي وجدت صورًا لزوجها في علاقة جنسية مع إحدى الفتيات في أحد فنادق صنعاء بعد أن طلب منها بطاقتها الشخصية وعقد زواجها من أجل الإجراءات الأمنية المطلوبة في الفنادق والأماكن السياحية لدخول الرجل مع زوجته، واهمًا إياها بكذبة أنه سيقدم لهم على معونة من أحد التجار “سلة غذائية”. حياة التي تملك ثلاثة من الأطفال وكان زواجها من ابن عمها زواجًا تقليديًا توافق عليه الآباء، إلا أنها قالت إن زوجها لم يكن يريدها زوجة له وأنه تزوجها من أجل إرضاء العائلتين فقد علمت ذلك من أول زواجنا. “المرأة تشعر بذلك من دون أن يخبرها أحد”.

“انهيار صامت”

تقول حياة: تمنيت أني مت حينها ولا أن أرى ذلك. لم أتوقع من زوجي أن يدخل في علاقة جنسية مباشرة، صحيح أنني من قبل كنت أراه يتواصل مع أخريات لكن توقعت أنها علاقات افتراضية. حينها لم أستطع البوح لزوجي ومواجهته ولا أن أتخذ أي قرار، كنت مشوشة من هول الصدمة. قررت أن أعرض تجربتي باسم “مستورة” على أحد جروبات الفيس بوك وأرى نصائح من مررنّ بتجربتي أو لعلي أرى حلاً يخرجني مما أنا فيه. انهالت علي سيل من النصائح والاتهامات التي زادت من معاناتي وشعوري السيء ونظرتي إلى نفسي عندما وجدت إحداهن قائلة: “أنت السبب، المفروض تتصلحي له وتلبسي له. لا تنكدي عليه وتبيني أنك عارفة”. أنا لم أستطع أن أتوقف عن البكاء ولا القدرة على النوم. كيف أستطيع أن أتجاهل هذه المشاعر وأتعامل معه كأن لم يحدث شيء بل أن أستقبله وأنا بكامل زينتي.

تعتبر هذه الموروثات الثقافية ظالمة وغير منصفة للمرأة وتحملها ثقل فوق ثقل صدمتها وألمها النفسي في الوقت الذي تحتاج فيه للدعم والتعاطف. وتعد الخيانة الزوجية بشكل عام لها تأثير مدمر ومؤلم على الجميع رجالاً ونساءً لأنها تضرب في عمق الثقة بين الزوجين وتجعل الشك يملأ حياة الطرف الذي تعرض للخيانة وتزعزع أفكاره عن مستقبل العلاقة وقد تؤثر حتى على ذكرياته خاصة إذا كان الأمر صادمًا ومفاجئًا ولم تحدث تغيرات واضحة في علاقته مع شريكه وقت الخيانة. هذا ما أكدته الأستاذة عزة الحكيمي “مدربة التأهيل الزواجي” وتضيف: “لكن ما يجعل الأمر أسوأ عند النساء هو أن الخيانة تهز ثقتها بنفسها. فالكثير من النساء تفكر باللاوعي أنها السبب في الخيانة وأنها مقصرة أو غير كافية ولذا اتجه الرجل لغيرها. بينما هذا ليس صحيحًا أبدًا والخيانة خطأ الخائن ولا يوجد لها مبررات مهما كان تقصير الطرف الآخر أو سوءه”.

الأفكار الاجتماعية المسمومة واحدة من أسباب لوم المرأة لنفسها وتدمير ثقتها بنفسها. فهي تثبت للنساء أنها السبب في خيانة زوجها أو أنها تستطيع إصلاحه. وأول خطوة يجب أن تقوم بها حين تتعرض للخيانة الزوجية أن تعمل على إيقاف أي أفكار تلوم فيها نفسها أو تحمل فيها نفسها مسؤولية الخيانة لأن هذا ليس حقيقيًا ومن يتحمل المسؤولية هو الطرف الذي ارتكب فعل الخيانة مهما كانت مبرراته.

عندما تصبح الخيانة وجهة نظر

كلما انهارت البلدان اقتصاديًا وسياسيًا ونشبت الحروب والأزمات انهارت الأخلاق والمبادئ والقيم المجتمعية. هكذا اعتبر الباحث الاجتماعي صلاح الحقب أن وجود الاختلال الأمني والانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار الاجتماعي وزيادة عبء المسؤولية مع قلة الدخل وضعف الوازع الديني، في أي مجتمع، يجعل من الأفراد فيه ذكورًا وإناثًا يفضلون الهروب من الواقع المأساوي إلى تكوين العلاقات العاطفية مع الجنس الآخر في العالم الافتراضي، وعلى أثر ذلك تكون الخيانة الزوجية.

“تقبل الخيانة”

تزوجت لميس أحمد – اسم مستعار – بعمر مبكر من زوج يكبرها بـ 12 عامًا. “رأيت فيه الجميع الأب والأخ والزوج والسند وكل ما أملك. تعلقت فيه جدًا. مرت أعوام على زواجنا وانتقلنا للعيش في بلاد عربية تحظى بمساحة حرية واسعة. بدأت ألاحظ إهماله لي وعدم التقرب لي وجلوسه أغلب الأوقات مع نفسه ليلًا ونهارًا. لم أكن أستطيع استخدام الأجهزة الإلكترونية إلا أن تصرفاته أثارت في نفسي الشك فقمت بفتح جهازه المحمول. عندها كانت الصدمة وتأكدت من تلك الشكوك التي راودتني”.

وجدت لميس صورًا لزوجها ورسائل غرامية بينه وبين عدة نساء مختلفات. “لم أستطع استيعاب ما رأيته وكمية الجرح الذي وقع بي فقررت عندها العودة إلى أهلي في اليمن والانفصال عنه”.

وبعد عام عاد إلى اليمن متغيرًا وشخصًا آخر. وتعهد بأنه لن يعود مرة أخرى إلى هذا الطريق وأنها كانت مجرد نزوة لن يعود إليها. عادت لميس لزوجها من أجل إتاحة فرصة ثانية له إلا أن هذا التغيير لم يصمد كثيرًا حتى عاد إلى تلك التصرفات. وتضيف: “بدأت موجة مرض كورونا والحجر المنزلي. بدأت ألاحظ عليه تلك التصرفات بقوة بسبب كثرة تواجدنا مع بعض في المنزل. أخذت جواله ووجدت مراسلات بينه وبين فتيات ليل تؤكد اللقاء فيما بينهم. كانت صدمتي الأولى أكثر إيلامًا ومن بعدها الثانية إلا أني وصلت إلى مرحلة لم أكن أرغب أن أصل إليها وهي التقبل. تقبل خيانته بل أصبح الأمر لدي عاديًا جدًا أن يخبرني عن علاقاته اليومية ولم أعد أتأثر لأني ما عدت أحمل له ذلك الحب وتلك المشاعر التي تجعلني أغار عليه وأعتبره ملكي. وصلت إلى الانفصال العاطفي والجسدي لم أعد أبادله أي مشاعر حتى إن عاد وتقرب أكثر”.

لم تستطع لميس الانفصال كليًا عن زوجها حالها كحال العديد من النساء اليمنيات بسبب المسؤوليات الكبيرة التي كانت على عاتقها ومتطلبات أطفالها وعدم تلقيها الدعم الكافي من الأسرة والمجتمع بعد الانفصال. كل هذا جعلها بين خيارين أحلاهما مر وأن تتقبل هذه الحياة المريرة التي تعيشها من أجل استقرار أطفالها في مكان يليق بهم. فقد اعتبرت زوجها مصدر إعالة الأسرة ليس أكثر.

محاولات المرأة للانفصال المتكررة من علاقة ضارة نفسيًا وجسديًا والاستقلال غالبًا ما تبوء بالفشل في مجتمع لا يعير اهتمامًا لأبسط حقوق المرأة من التعليم والتأهيل وتمكينها اقتصاديًا ما يجعل موقفها أضعف في حال تعرضت لمثل هذه المشكلات. الأمر الذي يجعل الزوج يتخذه نقطة ضعف وأن يعمل ما تمليه عليه نفسه وهو يعلم أنها لن تستطيع تركه.

الجهل العدو الأكبر

نسبة الأمية الكبيرة بين أوساط النساء والعمل على تجهيل المرأة عمدًا وجعلها غير مكتفية ومستقلة ماديًا يقلل من فرصتها للعيش بحرية وكرامة. كيف لا ونسبة الطالبات في اليمن لا تتجاوز (37%) من إجمالي عدد الملتحقين بالتعليم كما توضح الوثيقة الوطنية لتشجيع تعليم الفتاة أن عدد الفتيات المتعلمات في المناطق الحضرية تصل إلى (59%) في حين لا تتجاوز نسبة المتعلمات في الريف (24%). وبحسب تقارير أممية تبلغ نسبة الأمية في أوساط اليمنيات 65%، أي إن ما يقرب من 10 ملايين امرأة يمنية تعاني من الأمية. ومن نجت من فخ الأمية وتعلمت لم تنجُ من عدم سماح الأغلبية لها بالعمل والاستقلال لأن فكرة العمل للمرأة أيضًا ما تزال مستنكرة في المجتمع وشيء إضافي غير ضروري.

حيث بلغت نسبة العاملات من أصل جميع اليمنيات في سن العمل تبلغ 4.5 في المائة فقط. كما وجد بأن معدل بطالة المرأة (26.1 في المائة) يفوق ضعفي معدل بطالة الرجل (12.3 في المائة). وتكسب المرأة وسطياً 40400 ريال يمني شهرياً مقارنةً مع 53300 ريال للرجل و 52500 ريال كمعدلٍ وطني.

أضرار قاتلة

لا تقتصر أضرار الخيانة الزوجية على الجانب النفسي والمعنوي للمرأة وكرامتها فقط، بل قد تمتد وتهدد أحيانًا حياتها الصحية بسبب الأمراض المنتقلة جنسيًا وهدم الأسرة كليًا التي في سبيلها ضحت بأشياء معنوية عزيزة. الدكتورة أمة الرحمن الحائطي، طبيبة نساء وولادة، تؤكد أن الخيانة الزوجية لها تأثير سلبي على استقرار الأسرة، فهي تزيد من مستوى الخلافات وعدم الثقة وتقلل من مستوى الرضا والسعادة في العلاقة الزوجية.

لذلك يجب الابتعاد عن أي ممارسة جنسية غير شرعية؛ لما لها من أضرار صحية على الزوجين. ومن أهم الأمراض المنتقلة بالجنس هي الإيدز (HIV)، المتدثّرات، السيلان، فيروس الكبد بي، والهربس التناسلي. وتضيف الحائطي أن تزايد أعداد المصابين بالإيدز في اليمن واحد من النتائج المتوقعة لانتشار الفساد الأخلاقي. حيث كشفت مصادر طبية يمنية عن وصول أعداد المصابين بفيروس نقص المناعة البشري (الإيدز) في اليمن إلى نحو 12500 حالة، فيما قدّرت عدد الحالات المسجلة حتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي بنحو 54 حالة إصابة جديدة.

تقول الحائطي إنه يجب نشر التوعية بين الناس عن مخاطر وكيفية الوقاية من مرض الإيدز، حيث يعتبر الإيدز حالة مرضية مستمرة، وتُسمى أيضًا مزمنة. ويسببها فيروس نقص المناعة (HIV). يضرب الفيروس الجهاز المناعي ومن ثَمَّ تقل قدرة الجسم على مكافحة العدوى والأمراض. وينتقل عبر اتصال الأعضاء التناسلية، ويُسمى هذا النوع من العدوى عدوى منقولة جنسيًا. وينتقل فيروس نقص المناعة البشري أيضًا عبر ملامسة دم مصاب، عندما يتشارك الأشخاص الإبر والمحاقن. من الممكن أيضًا أن تنقل الأم التي لم تتلقَ علاجًا فيروس نقص المناعة البشري الفيروسَ إلى طفلها خلال فترة الحمل أو الولادة أو الرضاعة الطبيعية. ومن أعراض الإصابة بالإيدز الحمى، الصداع، آلام العضلات والمفاصل، الطفح الجلدي، التهاب الحلق وتقرحات فموية مؤلمة، تورم الغدد اللمفية، الإسهال، فقدان الوزن، السعال والتعرّق الليلي.

قد تكون هذه الأعراض بسيطة جدًا لدرجة أنك قد لا تلاحظها. ومع ذلك، فإن كمية الفيروس في مجرى الدم، وهو ما يُطلق عليه الحِمل الفيروسي، تكون مرتفعة في هذا الوقت. ونتيجة لذلك، تنتشر العدوى إلى الآخرين بسهولة أكبر أثناء المرحلة الأولية مقارنةً بالمرحلة التالية.

لا تشريعات سماوية ولا أخلاقيات ولا فطرة سوية تدعو إلى سلوك مشين في فعله وآثاره. “الخيانة” سلوك غير سوي، فقد حرم ديننا الإسلامي تعدد العلاقات غير الشرعية وشدد من عقوبة مرتكبيها حفاظًا على كرامة الشريك أولاً، والحفاظ أيضًا على التماسك الأسري والمجتمعي وعلى الصحة العامة للفرد والمجتمع بشكل عام.

مقالات اخرى