مشاعر نبيل-نسوان فويس
أن تكبر ويكبر معك حلمك وطموحك منذ الصغر و يترسخ وينمو كما تنمو وتتوسع مداركك وأفكارك وتجاربك في هذه الحياة فيرافقك هذا الشعور العميق عما ستصبحه في المستقبل، سواء شاركت ذلك مع أهلك أو ابقيت عليه بينك وبين نفسك، لكن وبلا شك بأنك وفي خضم هذا الطموح الذي يتملكك لم تعمل حساب بأنه سيواجه معوقات كبيرة من أقرب الناس وتحت تأثير النظرة المجتمعية سيتم حرمانك من حلمك الذي وبعد سنوات أصبحت جاهزا لتحقيقه.
هذا ما عانينه الكثير من الفتيات اللاتي حرمن من دراسة تخصصات جامعية وأجبرن على دراسة تخصصات لا يرغبن بها من قبل أهاليهن بحجة العادات والتقاليد و”حديث الناس”.
وجدت العديد من الفتيات أنفسهن يدرسن تخصصات جامعية يرغب بها المجتمع وليس لرغبتهن أي صلة، وذلك لتفادي نقد المجتمع الذي يرى أن عمل المرأة في بعض التخصصات عيب.
في إحدى حواري العاصمة صنعاء، مجموعة من الفتيات الصغار (أعمارهن تتراوح بين الخامسة والعاشرة) يلعبن معا، تختار كل فتاة المهنة التي ترغب بأن تصبحها في المستقبل وتقوم كل فتاة بتأدية دور تمثيلي لمهنتها أو مجال عملها، فتقوم ميار بلعب دور الطبيبة التي تعالج الناس في حين تقوم المهندسة لمياء برسم شكل منزل على الجدار وتبدأ فاطمة بلعب دور المعلمة، تقوم كل فتاة بتقمص دورها بكل إبداع وثقة ويستمر هذا الحال لسنوات بين الرفقة، ووسط هذا الحماس سألت سندس ذات 10 الأعوام صديقاتها خلود : أنا ماذا سأكون!
أجبتها ماذا تريدين أن تكوني؟
قالت: أريد أن أكون محامية أدافع عن المساكين، لكن أبي قال أن ذلك عيب لأني فتاة وأخبرني بأنه اختار لي دراسة طب أسنان، ماذا تفعل طبيبة الأسنان غير خلع الضرس وتنظيفه؟
لا استطيع تخيل أن ذلك سيكون مستقبلي، أشعر بأنها مهنة روتينية ولا أجد نفسي فيها، لكن أبي يصر على أنه من العيب أن تعمل المرأة كمحامية (تشارع الرجال).
وجهة نظر
محمد سعيد رجل ستيني يقول ” أنا أباً لثلاث بنات وأنا المسؤول الأول عن حياتهن ومستقبلهن والحياة التي سيعشنها، أنا المسؤول عن تأمين حياتهن وتوفير حياة كريمة لهن لذلك عليّ أيضاً اختيار تخصصاتهن الجامعية بما يتناسب مع البيئة التي يعملن بها، ومهنة التدريس هي الوحيدة التي تتناسب مع المجتمع المحيط، لن يختلطن بالرجال ولن يؤثر ذلك على حياتهن بالمجمل العام، لذلك تخرجن بناتي الثلاث من الجامعة بتخصصات تربوية مختلفة واليوم هن أمهات ومعلمات “.
ذكرى ذات ال26 عاماً تقول وكلها إصرار “سأعود لدراسة الصحافة حتى بعد أن يشيب شعر رأسي فذلك حلم ما يزال يراودني منذ طفولتي ولن أسمح للعادات أن تسرق مني حلمي”.
تتابع ” مُنعت من حلم كان جزء من شخصيتي وكنت أعيش لأجله، لقيت نفسي أكتب المقالات والتقارير واتصفح الصحف الورقية والالكترونية بكل شغف وأنا أنتظر متى أكبر وأصل لحلمي المنشود وعندما تخرجت من المدرسة اصطدمت برفضاً قاطعاً من أهلي الذين وقفوا حجر عثرة بيني وبين شغفي، بعد ذلك توقفت عن الدراسة 4 أعوام لأنني كنت لا أحلم ولا أرغب بغير العمل كصحفية، بعد 4 أعوام وجدتني مضطرة لدراسة أي مجال كان المهم أن لا أهدر شبابي وأصبح امرأة فارغة بهذا العمر؛ فدرست (قبالة) رغم اني لم أحبها أبداً لكنها كانت الخيار المتاح حينها”.
الثقة
تقول صباح الخيشني وهي دكتورة في قسم الصحافة كلية الإعلام جامعة صنعاء: ” أرى أن الفكرة ترتكز في أولويتها على أفكار أولياء الأمور ونظرتهم للتخصصات التي يرون أن الرجال مبدعون بها أكثر من النساء أو أن النساء سيتسابقن مع الرجال في سوق العمل.
كما أن مدى ثقتهم ببناتهم تلعب دوراً أساسياً في السماح لهن باختيار تخصصاتهن الجامعية.
وتشير إلى أن “كان التعليم قديماً في تكتلات مجتمعية مختلفة منحصر على السماح للفتيات بدراسة التربية أو التمريض لتكون معلمة أو ممرضة فقط فمن باب عدم المخالفة للمجتمع والذي قد يتسبب للفتاة وأهلها بالمشاكل كن يتخصصن بغير مايرغبن وظل ذلك الاعتقاد عالق في أذهان بعض الأسر الى الآن. “
ليست مجرد شهادة
رقية “اسم مستعار ” “23 عاماً تقول:” منذ المرحلة الأساسية؛ حددت تخصصي الجامعي الذي كنت أشعر بالانتماء للإعلام وأرى نفسي عندما اتخرج من المدرسة وابدأ بدراسة الإعلام في الجامعة وبعد ذلك عندما أصبح مذيعة تلفزيونية فقد كنت الأفضل أداء في الإذاعة المدرسية حتى اكمال الثانوية، لكن بعد التخرج من الثانوية وفي سنة الخدمة بالتحديد عارضني الجميع، الجميع دون استثناء أبي وأمي وأخوتي، أردت شرح وجهة نظري ومدى رغبتي بدراسة ذلك؛ لكنني بكل مرة أحاول أقابل بردود فعل قاسية ومعارضة صلبة من قبلهم؛ واختاروا لي الدراسة في كلية التجارة، رغم توضيحي لهم بأنني لا أريد دراسة أي تخصص من تخصصات التجارة.. وتحت الضغط من عائلتنا درست دبلوم إدارة أعمال وانتهى الأمر بشهادة معلقة على حائط غرفتي فبدأت من جديد في تخصص علم الإجتماع وها أنا في مستواي الثالث أبحث عن ذاتي المفقودة دون جدوى”
القدرة العقلية والرغبة النفسية
يوضح الاخصائي النفسي، صخر الشدادي بأنه” عند اختيار التخصص الجامعي تكون هناك عدة معايير كالقدرة العقلية والرغبة النفسية والبيئة المحيطة فإذا توافرت جميعهن في الطالبة ومن ثم يعترضها الأهل تحت مسمى العادات والتقاليد فإن ذلك سينعكس على نفسيتها ويشعرها بالإحباط وقلة تقديرها لذاتها فيصبح بداخلها كره لأنوثتها والتي تشعر أنها تقف حائل أمام أحلامها فتصبح عدوانية ضد نفسها والمجتمع”.
تقول سحر “اسم مستعار “ذات ال35 عاماً تعمل معلمة فيزياء في إحدى مدارس صنعاء :” مر الكثير من الوقت منذ التحاقي بالجامعة لكنني أشعر بخيبة أمل عندما أتذكر لحظة التحاقي بكلية التربية والتعليم لأني لم أكن أبداً أرغب بأن أصبح معلمة تلقن الطلاب القوانين الفيزيائية، كنت اتمنى أن التحق بكلية الفنون الجميلة، مجال الفنون بمختلف أنواعه هو المجال الذي لطالما حلمت فيه وأرغب بتعلم الكثير عنه والانخراط فيه كمل لتحقيق شخصيتي المغرمة بشدة بمجالات الفن، لكن أهلي خيروني بين مواصلة الدراسة في كلية التربية أو الجلوس في البيت، فما كان أمامي غير القبول بمواصلة دراستي حتى لو دراسة تخصص لا أرغب فيه أفضل لي من البقاء طوال الوقت بالبيت.
آثار
ترى الدكتورة صباح أن” الفتاة المرغمة على اختيار تخصص لا يتناسب مع ميولها يؤثر ليس فقط على حالتها هي أو شخصيتها هي بل يترتب الوضع على أبنائها ومعاملتهم بذات الطريقة التي لاقتها لتتكرر وتوارث المعاناة عبر الأجيال. وتضيف “وكلما كان هناك متخصصات بغير ميولهن فإن نتائج العمل تكون سيئة وكأنه اسقاط واجب وليس عمل بحب وتفانٍ”.
وتأكد حديثها رقية “أعجبت بعلم الاجتماع كعلم ساعدني على فهم طبيعة المجتمع والبشر والحياة، لكن الأمر لم يتعدى الإعجاب، ولم أشعر حقاً بالرضى وبذات الوقت أشعر برغبة الانتقام من المجتمع الذي قيدني وفرض عليا ما لا أريده”
من جهته يرى الدكتور في علم الاجتماع بجامعة صنعاء، عادل الشرجبي “في العقود الأولى لانخراط الفتاة اليمنية في التعليم الجامعي، وتحديداً في عقدي سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، تشكلت توجهات ثقافية لدى كثير من أولياء الأمور، وخاصة في المحافظات الشمالية، ترى أن المجال المناسب لعمل المرأة هو التعليم والمهن الطبية، لذلك شجعوا بناتهم وقريباتهم على الالتحاق بالكليات والأقسام العلمية المرتبطة بهذه التخصصات، وعارضوا التحاقهن بالكليات والأقسام العلمية الأخرى، لكن سرعان ما تغيرت هذه التوجهات، وتقبل كثير من أولياء الأمور التحاق بناتهم بكليات التجارة والهندسة والحقوق والزراعة وطب الأسنان وغيرها من التخصصات.
ويضيف” لكن في موازاة هذا التحول شهدت اليمن بروزاً وانتشاراً لتوجهات وأراء متشددة تجاه التحاق الفتيات بالتخصصات التي تتطلب الاختلاط بين الرجال والنساء أثناء العمل بعد التخرج، تبنى هذه التوجهات وروج لها بعض شيوخ الإسلام السياسي، ولا شك أنهم استطاعوا التأثير على بعض أولياء الأمور، الذين فرضوا على بناتهم الالتحاق بتخصصات لا يرغبن فيها، الأمر الذي انعكس سلباً على انجازاتهن التعليمية، وسيكون له أثاراً سلبية على أدائهن المهني في المستقبل.”