جهينة عبد المنعم -نسوان فويس
تُعتبر تقاليد الزواج في اليمن جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية، حيث تحمل في طياتها معاني عميقة حول الهوية، والعائلة، والعلاقات الاجتماعية. ومن أبرز هذه التقاليد هي زيارة أهل الشاب، سواء كانت والدته أو أخته، لمنزل الفتاة قبل الخطبة. تهدف هذه الزيارة إلى تقييم جمال الفتاة وملاءمتها كزوجة محتملة، وهو تقليد قد يثير الجدل أحيانا عندما تتم زيارة منزل الفتاة قبل إتخاذ قرار الخطبة وإنما فقط لرؤيتها هي و أخواتها.
سلوكيات غير مقبولة
تتعرض الفتاة لضغوط نفسية كبيرة نتيجة لهذا السلوك و قد تشعر بالخوف والقلق خصوصاً إذا شعرت بغرض الزيارة مما يؤثر على صحتها النفسية إذا لم تنجح في ترك انطباع جيد، يمكن أن تشعر بالإحباط والألم.
هذا ما وصفته أسماء محمد ٢٦ عاماً عندما وجدت نفسها في ظهيرة يوم ما أمام إمرأتان في تريدان رؤيتها على طبيعتها الأمر الذي جعل والدتها تناديها كي تدخل صالة الاستقبال وتلقي التحية على المرأتان، تقول أسماء لقد شعرت بالإهانة والإحراج مما تعرضت له غير أنني لم أكن جاهزة أو مستعدة كنت قلقة من عدم تقبلهن لمظهري وهذا ما حدث بالفعل فهما لم تعودان مرة أخرى، عندها فقدت ثقتي بنفسي وبلون بشرتي وشكلي وأصبحت أبحث كثيرا عن خلطات لتصفية البشرة وتطويل الشعر و أهتم بمظهري على طوال اليوم كي لا تصادفنا زيارة مفاجئة.
تشير بالذكر عبير القدسي استشارية في النوع الإجتماعي أن هناك آثار نفسية تصاب بها الفتاة التي تتعرض لموقف انسحاب أهل الشاب بعد رؤيتها على المدى القريب كالتوتر والإحباط والخوف وعلى المدى البعيد كعدم الثقة بالنفس والاكتئاب والدخول في حالة هوس المظاهر ومعايير الجمال الشكلية والضيقة، كالرشاقة والبياض والشعر كما أن تكرار هذا النوع من التقييم يمكن أن يجعل الفتاة تشكك في قيمتها الذاتية. ومن الناحية الإجتماعية يؤثر عدم تركيز الشاب أو أهله في التقارب الفكري والتناسب الثقافي والمادي إلى حد ما والتفاهم على علاقة وبداية غير سليمة وقد تنتهي بالفشل.
اختيار عكسي
تنوه عزة الحكيمي متخصصة في الإرشاد الأسري أن هذه العادة تتيح للخاطب معرفة صفات المخطوبة أكثر قبل التقدم بشكل رسمي ودخول الرجال في الخطبة، فهي تعتبر خطبة غير رسمية والانسحاب منها يكون مرن أكثر وأقل تأثيراً من الانسحاب من خطبة الرجال – وخطبة الرجال لها مقامها في مجتمعنا.
وإلى جانب أن بعض المناطق في بلادنا ترفض حق الخاطب في النظرة الشرعية ويصبح المجال الوحيد المتاح له للتعرف على صفات المخطوبة هو زيارة أهل بيته لها ثم العودة ووصفها له لذا يلجأ البعض لهذا السلوك .
وتضيف الحكيمي أن هذا السلوك لابد أن يتم بشكل ملائم حتى لا يتم إيذاء مشاعر الفتاة كأن تتم زيارتها دون معرفة الغاية أو رؤيتها في مناسبات ما أو في منزل غير منزلها.
في السياق ذاته تروي لنا ماريا عبد الرحمن 23″صديقتي في الجامعة أخبرتني ذات يوم أن والدتها وزوجة خالها تريدان زيارة منزلنا في عصر يوم الخميس لرؤيتي وزيارة والدتي والتعرف علينا، استوعبت مرادها و شعرت بالسرور في بداية الأمر وكنت متحمسة لهذه الزيارة وهي الأولى بالنسبة لي، استقبلتهن والدتي بكل سعة صدر و بعد شهر تماما تفاجئنا باتصال من والدة صديقتي تخبرنا أنها تريد خطبة أختي الأكبر لأحد أقاربها.
تسترسل ماريا بالحديث وتقول” كانت صدمة بالنسبة لي شككت بشكلي و وضعت نفسي محل مقارنة بأختي وتساءلت كثيراً لما صرفن النظر عني، لكني الآن أشعر بالرضا التام بنفسي وبشكل عام أفضل أن يتم اختياري من قبل الشخص نفسه لا عن طريق عائلته حتى لا أقع في هذا الموقف مرة أخرى.
صحافه السلوك
قامت نسوان فويس باستطلاع على منصة فيس بوك حول تأييد الفتيات لهذه العادة وتفاوتت الآراء بين 42 مؤيدة من أصل 100 فتاة، حيث أوضحن أن الأمر مهم لمعرفة شكل العروس خصوصاً إذا كانت منقبة وأن ذلك لا يُعد انتقاصاً ولا تبخيساً بالمرأة وبشرط أن يكون الأمر سراً دون معرفة الفتاة، وبين 48 معارضة و تجده سلوكاً يعرض الفتاة للضغط النفسي والقلق بشأن شكلها الخارجي بل ويزيد من الاهتمام المبالغ بمعايير الجمال.
تؤيد هذه العادة مرام سفيان 28 عاماً كونها لا تقلل من قيمة المرأة خصوصاً أن الجمال شيء نسبياً وتشير بالذكر أن الفتاة يجب أن تعتز بشكلها ولون بشرتها و بأفكارها وثقافتها مهما يكن وإن تعرضت لهذا الموقف وتم رفضها من قبل شخص أو عائلة فإنها بالتأكيد ستكون شيئاً مميزاً ومختلفاً في نظر آخرين كُثر و الأهم قبل كل ذلك هو معرفتها لقيمتها الذاتية.
من أجل هذه الحساسية التي ربما أن تحدث لابد على المقدمين لهذا الموضوع اتخاذ الاجراءات المناسبة والحصيفة بحيث لا يتم احراج البنت في حالة الانسحاب مع أنه حتى لو تم الانسحاب يجب أن تكون الفتاة أكثر ثقة بنفسها مثلها مثل أن يرفض الشاب الذي تقدم لفتاة، و ليس بالضرورة لعيب فيه لكن قد يكون الرفض لأسباب نفسية أو غياب الانسجام أو القبول حسب ما أشارت إليه نظيرة النقيب مختصة إرشاد أسري.
قد يؤثر هذا التقليد على الأجيال القادمة من الفتيات إذا استمر بهذا الشكل المباشر في التقييم والانتقاء على كيفية نشأتهن، مما يجعلهن يعتقدن أن قيمتهن مرتبطة بمظهرهن فقط ويبقى هاجسهن الاعتناء بالشكل من أجل الزواج بسبب تكرار مشهد عرض الفتيات من أجل اختيار الفتاة الأجمل، لذا من المنطقي أن يؤخذ في الإعتبار أنه كلما كانت المعايير سطحية وشكلية كانت نتائج العلاقة سلبية وفاشلة.