صقر أبو حسن- نسوان فويس
في مدينة ذمار، عاصمة محافظة ذمار – ١٠٠ كم جنوب صنعاء – توجد ثلاث شابات كفيفات، لسن مجرد فتيات واجهن تحديات، بل أصبحن قصصاً ملهمة للثبات والعزيمة والإصرار.
من الظلام إلى نور التعليم
في قرية شوكان، والتي تبعد عن مدينة ذمار نحو 15 كم من جهة الشرق، بدأت ستر الشوكاني رحلتها التعليمية، ومنها خطت الخطوات الأولى نحو المستقبل.
لم يكن فقدانها للبصر حاجزًا أمامها، بل دافعاً لتحقيق أحلامها.
التحقت بمدرسة خاصة بالمكفوفين في صنعاء ” جمعية الامان للمكفوفات” لإكمال تعليمها الأساسي، ثم عادت إلى مدينة ذمار لتكمل دراسة المرحلة الثانوية، تحصل على شهادة الثانوية العامة من إحدى مدارسها، لتلتحق بكلية الآداب بجامعة ذمار، تخصص “علم النفس”.
حصلت “ستر” على شهادة البكالوريوس، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد؛ فقد تابعت مسيرتها وحصلت على درجة الماجستير من جامعة ذمار كأول كفيفة تحقق هذا الإنجاز في الجامعة، وذلك العام 2022م.
تواصل “ستر” طموحها نحو نيل شهادة الدكتوراه، حيث تحضّر أطروحتها بعنوان “برنامج إرشادي سلوكي معرفي لتنمية الثقة بالنفس لدى الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في ذمار”.
تقول ستر لمنصة “نسوان”: هدفي ليس مجرد الحصول على الشهادات، بل أن أكون قادرة على تغيير حياة المكفوفين من خلال علمي وتجربتي.
وتتذكر جيدا مقدار الصعوبات التي واجهتها في مسيرتها التعليمية، وكيف تغلبت عليها، منها صعبة المواد العلمية في المراحل الدراسية، والتنقل من المنزل إلى المدرسة أو الجامعة.
إلى جانب مسيرتها الأكاديمية، تدير “ستر” مدرسة الأديب البردوني للمكفوفين في ذمار، التي تضم نحو 100 طالب وطالبة من المكفوفين والمصابين بضعف البصر، وتسعى جاهدة لكسر الحواجز التي تواجه المكفوفين في مجتمعها، وتؤمن بأن التعليم هو السبيل الأمثل لتحقيق التمكين والاندماج في المجتمع.
إلى الإبداع
نور الحراسي شابة ذمارية أصيبت بمرض في طفولتها أدى تدريجياً إلى فقدانها لثلاث حواس “البصر، النطق، والسمع” مما جعلها تعاني من إعاقة مركبة. رغم الظروف القاسية التي واجهتها واسرتها، لم تتخلَّ “نور” عن الأمل، حيث التحقت بمؤسسة “أيادي الرحمة” في ذمار، وتدربت على حياكة الصوف.
تقول نورة الموشكي، مدربة “نور” لمنصة “نسوان”: نور فتاة مليئة بالإصرار والتحدي؛ اختارت أن تتعلم وتعتمد على نفسها، وأصبحت منتجاتها تملأ السوق بألوان جميلة وإبداع لا مثيل له.
وأوضحت أن والدة “نور” كانت عونها، حيث كانت العصا التي اعتمدت عليها في تخطي مرحلة التدريب، وحلقة الوصل بينها وبين المدربات والمجتمع بشكل عام.
قيادة المبصرين:
وُلدت منال مثنى الشوكاني في محافظة ذمار عام 1986م، وتخصصت في الإدارة والتخطيط التربوي، وحصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية من جامعة ذمار، ثم شهادة الماجستير في الإدارة والتخطيط التربوي من جامعة ذمار أيضا عام 2022م.
تميزت “منال” برحلتها في التعليم؛ حيث تلقت دراستها في مدارس عادية منذ المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية، مما مكنها من التكيف في بيئة المبصرين، والتكيف على الواقع. تقول منال مثنى الشوكاني لمنصة “نسوان”: كنت أتعلم في فصول دراسية مع المبصرين، ولقد منحني هذا قوة إضافية، والحمد لله كان لدي دافع، وحققت جزء من أحلامي من خلال التعليم والاستمرار في التحصيل العلمي للدراسات العليا.
وفي الجانب الاجتماعي، “منال” ربة منزل متمكنة ولديها أسرة مستقرة، تزينها طفلتها الصغيرة. هي اليوم تعمل بجهد حثيث على تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال دورات تدريبية وورش عمل في مجالات القيادة والتخطيط الاستراتيجي، وغيرها من المجالات المتعددة التي تنعكس إيجابيا على حياتهم.
قرية شوكان… محاربة العتمة بالتعليم
في قرية شوكان القريبة من مدينة ذمار، والتي يسكنها حوالي ألفي نسمة، يولد عدد كبير من الأطفال مكفوفين، بسبب عوامل عدة، منها “زواج الأقارب”.
مع ذلك، باتت لدى أهل القرية ثقافة تعليم المكفوفين، بدءًا من المراحل الأساسية، وصولاً إلى المرحلة الجامعية.
كـ “سبيل وحيد لمواجهتهم ظروف الحياة وصعوباتها” وفق تعبير يعقوب الدولة، الرئيس السابق لفرع اتحاد جمعيات المعاقين في محافظة ذمار، والذي أضاف في حديث مع ” منصة نسوان”: أبناء قرية شوكان باتت لديهم ثقافة واسعة وتجربة كبيرة في التكيف مع ابنائهم المكفوفين، وعادة يسير عليها الكثير منهم في نشر التعليم في أوساط المكفوفين والمكفوفات سواء في المراحل الأساسية في القرية أو المرحلة الثانوية والجامعة عبر نقل المكفوفين والمكفوفات يوميا إلى مدينة ذمار من أجل التعليم.
ودفعت القرية طوال السنوات الماضية بالعشرات من المكفوفين إلى الفضاء العام في ذمار واليمن، ليصبح منهم معلمون وعازفون وشعراء وكتاب، وقراء لكتاب الله.
الكفيفات… قصص ملهمة
تُعد قصص ستر الشوكاني ونور الحراسي ومنال مثنى وغيرها الكثير من الكفيفات في ذمار، مصدر إلهام للعديد من الأشخاص في ذمار وخارجها. وساهمن بتغيير الصورة النمطية عن ذوي الاحتياجات الخاصة “الإعاقة البصرية”، ليصبحن قدوة للكثيرين.
بحسب الخبير الوطني في لغة الإشارة، جمال المصعبي، ” الإعاقة البصرية قد تكون حاجزًا عن رؤية العالم بالعين، لكنها ليست حاجزًا أمام الإبداع والإرادة “.
وأشار إلى أن الصعوبات التي تواجهه الكفيفة تكون أكبر وأكثر من الكفيف الذكر، لذا نموذج نجاح الكفيفات في ذمار أمر ” استثنائي وجميل وملهم للآخرين “. حد تعبيره.