التداخل بين العرف القبلي والعدالة: إلى متى تُظلَم النساء؟

شارك المقال

سهير عبدالجبار _ نسوان فويس

في يوليو 2024، أثارت قضية الطفلة حنين البكري جدلاً واسعًا في المجتمع اليمني بعد أن أسقط والدها حكم القصاص عن قاتلها حسين هرهرة تحت ضغوط قبلية. هذه الحادثة أثارت نقاشات حول تأثير الأعراف القبلية على العدالة الجنائية، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة. وفي المجتمعات التقليدية التي تهيمن فيها القبيلة، قد تكون الأعراف القبلية أحيانًا أقوى تأثيرًا من القوانين المدنية والقيم الدينية، مما يؤدي إلى إضعاف تطبيق العدالة بحق النساء.

العدالة في الإسلام
وفقًا للشريعة الإسلامية، لا تفرق العدالة بين الجنسين، والقصاص يجب أن يُطبق بشكل متساوٍ بغض النظر عن جنس الضحية. تؤكد الآية القرآنية “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ” (المائدة، 45) على ضرورة القصاص دون تمييز. مع أن بعض الفقهاء استندوا إلى تفسير ضيق لآية “الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى” (البقرة، 187) للدلالة على أن الرجل لا يُقتل بالمرأة، إلا أن الإجماع الفقهي يعتمد على المساواة في القصاص بين الجنسين.
الشيخة عابدة المؤيد، وهي مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة، تفسر قول الله تعالى في محكم التنزيل “الأنثى بالأنثى” (البقرة، 187) بأنها دلالة على أن المرأة تتحمل نفس المسؤولية العقابية كالرجال، ولا تُستثنى من القصاص. وتضيف: “الفقه الإسلامي يقر بوجوب معاقبة الجميع بالتساوي بغض النظر عن جنس الضحية أو الجاني. ومع ذلك، يظل التفاوت في دية المرأة مقارنة بالرجل أحد الأمور التي تُفسر بناءً على اعتبارات مادية، رغم أن هذا التفسير قد لا يكون متناسبًا مع الأدوار الاجتماعية الحديثة للمرأة، وخاصة أن النساء اليوم قد يكنّ معيلات للأسر.
تعدُّ القبيلة في اليمن جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي، ولها تأثير قوي على القرارات المتعلقة بالعدالة. في كثير من الأحيان، تفرض الأعراف القبلية نفسها على القوانين المدنية والدينية، مما يؤدي إلى تهميش حقوق المرأة. ومن الأمثلة على ذلك، تفضيل الحلول العرفية مثل الصلح القبلي على تطبيق القصاص الشرعي أو القانوني في قضايا القتل والجرائم الأخرى.
إحدى المشكلات القانونية التي تواجه النساء هي مبدأ (نصف الدية).

والقانون اليمني ينص على أن دية المرأة تساوي نصف دية الرجل، وهو ما يعكس نظرة تمييزية ضد المرأة في المجتمع. أمة الله الحمادي، ناشطة حقوقية، تقول: “من المفترض إعادة النظر في نصوص القانون اليمني التمييزية، وعلى رأسها نص (دية المرأة النصف)؛ لأن العرف ليس ثابتًا ومن السهل تغييره للأجيال القادمة إذا تغيرت القوانين قبله”.

هذا التمييز القانوني يعزز الأعراف القبلية التي تدعم هذه الأحكام المجحفة بحق النساء، ولتبرير العنف ضد النساء في إطار (التربية وتقويم السلوك) يعزز النظام البطريركي الذي يفرض سيطرة الرجل بوصفه وليَّ أمر على النساء، ويخلق مبررات متعددة حتى في حالات القتل، والعنف الشديد. هذه التبريرات المجتمعية تتغلغل في النظام القضائي الذي يتأثر بالأعراف والتقاليد، مما يؤدي إلى ازدواجية في تطبيق القانون. بدلاً من أن تُعد المرأة ضحيةً تستحق الحماية، نجدها غالبًا ما تُلام على ما يحدث لها، بينما يُخفف العقاب عن الرجل أو يُبرر سلوكه.
الناشطة الحقوقية هدى الصراري تذكر أن هذا التمييز القانوني يشكل تبريرًا للعنف ضد النساء، حيث يُمنح الرجل سلطة واسعة للتصرف بطريقة تؤذي المرأة دون محاسبة عادلة. عندما يتم تعنيف المرأة أو حتى قتلها، يتم اللجوء إلى تبريرات تقليدية مستمدة من الثقافة المجتمعية أو حتى تفسيرات مغلوطة للدين. هذا الوضع يعزز فكرة أن المرأة تُعتبر مسؤولة بشكل ما عن أي اعتداء يقع عليها.

انعدام التشريعات لحماية النساء


تضيف الصراري: “العقوبات المتعلقة بالقصاص والجرائم الحدية في الشريعة الإسلامية متساوية ولا تفرق بين الرجل والمرأة. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب التشريعات التي تجرم العنف ضد النساء في القانون اليمني. هذا الفراغ القانوني يؤدي إلى عدم وجود آليات حماية فعالة للنساء اللاتي يتعرضن للعنف، مما يتركهن عرضة للتعنيف والقتل دون عقوبات رادعة للجناة.

وللخروج من هذا الإطار التمييزي، يجب إعادة النظر في القوانين اليمنية التي تميز بين الرجل والمرأة، خاصة فيما يتعلق بالدية. يتطلب الأمر وعيًا اجتماعيًا وتشريعيًا أكبر بحقوق المرأة في الإسلام وفي القانون. تعديل القوانين وتوعية الأفراد بالمساواة سيؤديان إلى تغييرات طويلة الأمد في الأعراف القبلية، حيث يمكن للأجيال القادمة أن تتبنى فهمًا أكثر عدلاً لحقوق النساء.
في النهاية، لا يمكن بناء مجتمع عادل ومستدام إلا عندما تكون المساواة أمام القانون حقًا حقيقيًا يُطبق على الجميع دون تمييز. يجب على اليمن أن يعيد النظر في قوانينها وأعرافه لضمان حماية حقوق النساء، وإعطاء كل فرد في المجتمع حقه من العدالة.

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)

مقالات اخرى