عبده حسين _ نسوان فويس
على مرمى حجر من العريش، نجحت 5 نساء يمنيات في محافظة عمران، التي تبعد نحو 50 كيلو متر شمالي العاصمة صنعاء، في توفير احتياجات منازلهن من مادة الغاز الحيوي المُستخرج من مخلفات الأبقار والدواجن، في خطوة من شأنها توفير بديل مستدام، يحد من التلوث البيئي اليومي الناتج عن الأدخنة المتصاعدة بفعل استخدام الحطب في طهي الطعام، وتشجيع تربية الأبقار، وحماية صحة ربات البيوت من الانبعاثات الكربونية، وتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، وزيادة الإنتاج الزراعي.
في مطلع العام 2012م، نجحن النساء الخمس بأسرة بيت ضبعان، عزلة مرهبة، مديرية ذيبين، في إنتاج الغاز الحيوي من مخلفات الأبقار والدواجن، بإمكانات ذاتية، ولايزال مستمر في إنتاج يومي يصل إلى نحو 8- 10 لتر من الغاز حتى الآن، ليكون أول مشروع من نوعه على مستوى المحافظة، بعد استلهام فكرة بناء “الهاضم الحيوي” من برنامج تلفزيوني بثته أحد القنوات اليمنية.
عملت النساء الخمس على تنفيذ فكرتهن، بالتشاور مع رب الأسرة الذي رحب بها، وقام مباشرة بالتواصل مع أحد معلمي البناء الماهرين، ونجحن في توليد الغاز المشتعل المنتج من خلال تخمير المواد العضوية لمخلفات اثنتان من أبقار الجاموس وعدد من الدواجن بشكل يومي مباشر من الهاضم الحيوي إلى الشولة (البوتجاز)، والذي يكفي الاستخدام المنزلي للطباخة لمدة أربع ساعات يوميًّا دون توقف، وهو ما أسهم في التخفيف من تكاليف شراء اسطوانات الغاز، والحد من الاحتطاب، والحفاظ على الغطاء النباتي، وتحسين البيئة؛ حسب إفادتهن لـ”نسوان فويس”.
ومع أن المجتمعات الريفية في اليمن تعتمد بشكل كبير على النساء في تربية المواشي والزراعة، إلاَ أن الاعتماد عليهن زاد في السنوات الأخيرة التي شهدت هجرة كثير من الرجال بحثاً عن الرزق.
ابتكار جيد
تمكن البنَاء خلال أسبوعين من تشييد خزان دائري من الطوب الأحمر والأسمنت، وبعمق وعرض يتراوح ما بين 3 إلى 3.5 متر، وفتحة صغيرة من الأعلى ذات غطاء زجاجي لجذب الحرارة، وماسورة ستة إنش لدخول المواد العضوية، وأنبوب نصف إنش لخروج الغاز، وفتحة في أسفل الهاضم بارتفاع 30 سم وبعمق 80 سم وبعرض 60سم لخروج المواد العضوية بعد تحللها وإنتاج الغاز منها، والتي يُستفَاد منها في تسميد الأراضي الزراعية؛ وفق ما أفاد البنَاء صالح بن صالح في حديثه لـ”نسوان فويس”.
وتتفاوت تكلفة الهاضم الحيوي على حسب موقعه في المنزل، مابين 400- 500 ألف ريال يمني (أقل من ألف دولار حسب سعر الصرف بصنعاء).
وامتدح صالح مشروع النساء الخمس، وأعتبر أنه ابتكار جيد، أسهم في إيجاد حل مستدام لإدارة المخلفات الحيوانية في منزل بيت ضبعان، وفي حال تعميم التجربة النظيفة على الأسر المقتدرة في المناطق المؤهلة، فإنها ستحد من التأثيرات السلبية على البيئة والإنسان نتيجة استخدام الحطب لطهي الطعام.
ومن المتوقع أن تنمو المواد الأولية اللازمة لإنتاج الغاز الحيوي بنسبة 40٪ حتى عام 2040م؛ وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
إنتاج الغاز
وتنتج مخلفات البقرة الواحدة في اليوم ما يساوي 12 لتراً من الغاز، بينما مخلفات الدجاجة الواحدة تنتج 0.9 لترات فقط، في اليوم الواحد، عند توافر الظروف المناسبة من درجة الحرارة والحموضة وتوازن المكونات؛ وفق دراسة جدوى، أعدها المهندس هلال الجشاري.
ويتم إنتاج البيوجاز من المخلفات العضوية من خلال تخميرها بمعزل عن الهواء في وسط مائي 8 – 10% مواد صلبة، و90 – 92% ماء في خزان تحت الأرض، ويتراوح ما بين عدة أمتار مكعبة، ويبلغ حجم الغاز المنتج من هذه المخلفات ما يعادل “1.5 – 2,5” من حجم الهاضم نفسه “550 البايوغاز”؛ فإذا كان حجم الهاضم 1000 لتر فَإنَّ حجم الغاز الناتج عنه يبلغ حوالي 1500-2500 لتر من الغاز وتختلف نسبة الميثان من الغاز الناتج اعتماداً على نوع المخلفات المستعملة، غير أن النسبة تتراوح بشكل عام ما بين 60 – 70%، وتحتوي المخلفات التي تبقى بعد إنتاج الغاز على النيتروجين وهو الذي تحتاجه النباتات؛ حسب مهندسين بينهم الجشاري.
وأثبتت التجارب التي طبقت بمشاركة نساء ريفيات في محافظات حجّة والمحويت والمهرة وشبوة والحديدة ومارب وحضرموت خلال السنوات الماضية، نجاحُ نوعين من الأنظمة في اليمن، هما النظام الصيني والهندي.
ومع وجود أنواع عديدة من وحدات البيوجاز، إلاَ أن نوعية النظام المستخدم فيها يتوقف على حجم المخلفات ونوعها والهدف من معالجتها بما يحقّق حماية البيئة من التلوث والحصول على السماد الزراعي وتنويع مصادر الطاقة النظيفة والاسهام في مكافحة التغير المناخي والحفاظ على الغطاء النباتي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
مردود اقتصادي
واسهم مشروع إنتاج الغاز الحيوي من مخلفات الحيوانات بتوفير المال المستخدم في شراء الغاز والحطب والأسمدة الكيميائية لأسرة بيت ضبعان، بمتوسط يتراوح ما بين 200 إلى 250 ألف ريال سنوياً، وتحقيق قيمة ربحية إضافية للأسرة من خلال استثمار الغاز والسماد الناتجين من الهاضم الحيوي، وتأمين حاجتها المنزلية.
ويقول الدكتور محمد الرفيق، أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة ذمار، في حديثه لـ”نسوان فويس”، إن مثل هذه المشروعات تعزز الاقتصاد والتدبير المنزلي وتشجع نساء الأسر اليمنيَّة الريفية على مواصلة التعليم وتنمية الذات وخلق فرص عمل خاصة بهن تتناسب مع إمكاناتهن لتحسين سبل العيش وتحقيق الاستقلال المادي.
ووفق الرفيق، يؤدي توسيع تجارب إنتاج الغاز الحيوي في المجتمعات الريفية إلى تحسين وصول الطاقة للمزارعين والفقراء وتحسين دخلهم وخاصة المرأة، وحماية الغطاء النباتي، والحصول على سماد مفيد جداً يسهم في رفع الإنتاجية الزراعية وتطوير حياة الأسر الريفية الذي تستخدمه، وتنعم بالطاقة للطبخ والإضاءة مجاناً والتخفيف من آثار التغيرات المناخية والإسهام في التنمية المستدامة.
حماية صحة النساء الريفيات
ويؤدي تلوث الهواء في الأماكن المغلقة إلى وفاة الكثيرين كل عام في اليمن، وثمة أكثر من 3 ملايين شخص لا يزالون يطبخون فوق المواقد والنيران المفتوحة؛ غير أن توسيع تجارب إنتاج الغاز الحيوي من مخلفات الحيوانات ستؤدي إلى تقليل الاعتماد على مواقد الحطب والحد من الأضرار الصحية للأدخنة الناتجة عن استخدامها في طهي الطعام، وحماية الصحة العامة والتنفسية للنساء الريفيات وأسرهن، والحد من المخاطر والأمراض الناتجة عن تجمع المخلفات الحيوانية بداخل المنازل وفي محيطها الخارجي والتي تحتوي على الميكروبات والحشرات؛ وفق الاخصائي في طب المجتمع، حافظ دحان، في حديثه لـ”نسوان فويس”.
وتتطلع نساء يمنيات ريفيات إلى تطبيق مثل هذه التجربة الناجحة ذات الأثر المجتمعي والبيئي، والتكلفة المالية المعقولة، في قراهن بعد أن أصبحت أكثر سهولة، وأقل تكلفة، خصوصاً في القرى الريفية والمناطق الزراعية التي يهتم سكانها بتربية الأبقار والدواجن؛ حيث يصل عدد الأبقار في اليمن إلى نحو مليون و818 ألف رأس، من الممكن أن تنتج 678 مليون متر مكعب من الغاز الحيوي سنوياً، ونحو 600 مليون دجاجة، من الممكن أن تنتج 96.3 مليون متر مكعب من الغاز الحيوي سنوياً؛ وفق تقديرات إحصائية غير رسمية.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)