العالم الإلكتروني.. فضاء مفتوح للنساء للفضفضة والاستشارة.. فهل له عواقب؟!

شارك المقال

أمل وحيش _ نسوان فويس

تكتسب وسائل التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة في ظل تطور التكنولوجيا يوماً بعد يوم، بل أصبحت متنفساً للكثير من الناس فهي تتيح مساحة واسعة من الحرية في التعبير، ولاحظنا في السنوات الأخيرة، خاصة على منصة فيسبوك ظهور العديد من المجموعات( القروبات) التي تهتم بأمور شتى، منها ما يتعلق بالطبخ، والتصوير، والسياحة، و الأزياء، وغيرها الكثير، إلا أن الطاغي الآن هو وجود قروبات نسائية خاصة ببث الشكوى وطلب المشورات من الغرباء، في الوقت الذي لا يوجد من يمكن البوح له بما يدور في خلدهن، بسبب الخوف من أن يتحول السر لمادة دسمة يتم تناقلها، أو خوفاً من ردة الفعل نتيجة بعض المواقف التي يعد الحديث فيها عيباً ولا تأتي وفق تقاليد المجتمع.

متنفس مطلوب

تحت مسمى(عضو مجهول الهوية) تبرز العديد من القصص على مجموعات الفيسبوك ، والتي تسرد فيها النساء مشاكلهن، وقصصهن بغرض طلب المشورة أو التحذير من قصص قد تحصل مشابهة، و تعد هذه القروبات متنفساً للنساء للفضفضة والتفريغ عن الكبت الموجود نتيجة وضع ما، ومن هذه القصص ما يتعلق بمشاكل الأزواج، و الخيانة، والأهل، والميراث، واختيار الزوج، واختيار الملابس ، وأدوات التجميل وغيرها الكثير من الأمور التي تجد المرأة ضالتها في هذه المجموعات الافتراضية،وفي هذا الصدد يرى البعض أن هذه المجموعات تعد انتهاكاً للخصوصية وقدد تجلب الكثير من المشاكل في حال ما وصلت هذه القصة بطريقة أو بأخرى لأحدهم ليتأكد أن التفاصيل تشبه ما دار في بيته أو مع أحد أقاربه، بينما يراها البعض ضرورية للتنفيس وتبادل الآراء والأفكار.

الدكتورة (بلقيس علوان) أستاذ الإعلام بجامعة صنعاء تعتبر أن هذه المجموعات تعد متنفساً جيداً للنساء وفضاءً افتراضياً يتيح مساحة أكبر للتعبير خاصة وأن معظم صاحبات القصص ينشرن بأسماء مستعارة أو كعضو مجهول هوية. وفي المقابل ترى أن كثرة الردود على الإستشارات الإجتماعية التي تطرح عبر هذه المجموعات قد تحير صاحب المشكلة بشكل أكبر وتجعله يتوه وسط تعدد الآراء، كما أنها تعتقد أن بعض تلك المنشورات قد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة وغرضها إثارة الجدل:” لاحظت إن بعض المنشورات ممكن تكون أقرب للتأليف وليست معبرة عن حالة حقيقية بقدر ما هي بحث عن تفاعل وإثارة جدل”.
مع ذلك من إيجابيات هذه المجموعات برأي الدكتورة (بلقيس) أنها تعطي مساحة جيدة لتبادل الخبرات، والمنافع والمعلومات والمشاركة الوجدانية، لكن لا تعتبرها خياراً لحل المشاكل، مع تحفظها على بعض الأمور السلبية التي قد تحدث فيها مثل المنشورات التي تتطلب مشورة طبية، أو فتوى دينية حيث تقول : اتحفظ أكثر على التعليقات التي تقدم الفتاوى والإستشارة الصحية، هذا جانب سلبي في محتوى هذه الجروبات”.

استفادة !

“بالنسبة لي استفدت من جروبات الفيس بوك إني عرفت الوجه الإنساني الحقيقي للآخرين بعيداً عن التملق والمثالية المتصنعة اللي نلاحظها في الحياة الواقعية وفهمت إن معظم المشاكل اللي كنا نعتقد أننا وحدنا نعاني منها فيه غيرنا كثيرين يعانيها”. هكذا علقت الأخت (نبيلة) إجابة على سؤالنا في أحد المجموعات النسائية، مضيفة أن هذه القروبات فتحت عينيها على أشياء كانت تظنها عيوباً لدى البعض بينما هي مزايا ، وتضيف :” بعض المشاكل كنا نظنها مصائب نعرف حجمها الحقيقي في عيون وتجارب الآخرين ، وأمور ماكنت أعرفها بالمرة من عادات وتقاليد محافظات وأسر عرفتها من الجروبات”.
كما أنها تثني على هذه القروبات التي عرفتها على الأماكن الجميلة، والخبرات الحياتية والإقتصادية للكثير، وتختتم رأيها بالقول :” نستطيع أن نشارك خبراتنا ونصائحنا للأخوات اللي يطلبوا المشورة والتناصح في الخير مع الأخذ بعين الإعتبار إختيار الجروبات المحترمة وعدم التعمق في سرد التفاصيل أثناء طرح المشاكل” .

من جهتها ترى (وردة جورية) اسم مستعار أن المجموعات النسائية لها جوانب إيجابية كبيرة، إضافة إلى الجوانب السلبية، وذلك يعتمد على طريقة طرح المنشور والتعليقات، لأن بعض التعليقات وفق رأيها تتعامل مع المشكلة بسخرية أو تساهم في تفاقمها، كما أنها تؤيد مسألة مشاركة النساء باسم مستعار خاصة من تعاني من المشاكل الزوجية، و تربية الأبناء أو مشاكل أسرية ومن الصعب الحديث عنها، فهذه القروبات حسب قولها تعد المتنفس الوحيد للنساء ما يعد شيئاً جميلاً من أجل الاحتفاظ بالخصوصية.
وتضيف (وردة جورية) :” قروبات الفيس خلتني اكتشف أشياء موجوده عندنا باليمن،و أشياء في البيوت، معاناة البنات، الزوجات، أشياء لا أحد يتخيل أنها موجودة”.
وعن الجانب الإيجابي لهذه المجموعات ترى بأنها تساهم في حل بعض المشاكل، ليس حلاً جذرياً وإنما الحد من تفاقم المشكلة كما تقول.
من جهتها ترى (وردة الربيع) أن مجموعات التواصل الإجتماعي متنفساً تستطيع من خلاله المرأة أن تخرج الكلام الذي تكتمه بداخلها ولا تستطيع البوح به لمن هم حولها في الواقع كونهم يعرفونها، بينما العكس في المجموعات فهي تكتب مشكلتها بأريحية وتأخذ رأي أناس لا يعرفونها ويبدون رأيهم بدون مجاملة.

وسيلة لتخفيف الألم!

التنفيس يعد وسيلة من وسائل تخفيف الألم وحدة التوتر والخوف، وأي شعور يكون طاغ عند الإنسان، حتى طغيان شعور الحب فهو أيضاً بحاجة ماسة للتنفيس، هذا برأي (يسرى عمر القيسي) أخصائية نفسية في مستشفى الثورة وداعمه نفسية في منظمة الهانديكاب ، حيث تقول إن للتنفيس عدة طرق منها الفضفضة التي تعد أدنى مستويات التنفيس، و تعد الكتابة أعلاها، وتأتي بعدها الرياضة والاهتراء والتنفس والاسترخاء والبكاء، كما تؤكد أن هناك فائدة من التنفيس عن طريق ملاقاة الأشخاص للتعاطف أو الدعم أو التشجيع أو المواساة فكلها تخفف من الضغط النفسي والعاطفي عليهم.

بيئة آمنة!!


وترى (القيسي) أن مجموعات الفيسبوك تعد واحدة من هذه المتنفسات التي تعتمد على الكتابة،والتي من الممكن أن تكون آمنة وداعمة، وتشعر المرأة بالانتماء عن طريق التواصل مع الآخرين الذين يفهمون تجاربها ومشاكلها،و قد تجد أكثر من توجيه أو استشارة تكون مفيدة أو مناسبه لها.
كما تضيف بأن هذه المجموعات قد تطرح أفكاراً لم تكن تخطر على بال المرأة وتفتح مداركها لأمور وتجارب مشابهة، إذ أنه كان من الصعب عليها إيجاد من يفهمها من المقربين وأخذ النصيحة منهم دون أن يبنوا عليها أحكاماً خاطئة بحكم القرابة، وخوفها الدائم من أن يفشى سرها في حال أخرجته لمن يعرفها، لذلك فالمجموعات برأيها أخذت منحى آخر وهو الحديث بأمان عن المشكلة، دون الخوف من الآخرين خاصة والنشر يتم تحت اسم مجهول في الغالب، وتأخذ الآراء من أطراف محايدة لا تعرفها ولا تنحاز للطرف الآخر.
بالرغم من إيجابيات المجموعات الإلكترونية وخاصة قروبات الفيسبوك إلا أن ( القيسي ) تجد من منظور نفسي أن بعض النساء يلجأن لنشر مشكلاتهن لقلة وعيهن بخطورة الموضوع وذلك بغية استشعار الرحمة والمناصرة من نظيراتهن وتبادل الخبرات ، إضافة إلى الاطمئنان بأنهن لسن لوحدهن ، بينما البعض منهن تلجأ للقروبات بسبب ارتفاع مشاعر الضحية فهي بحاجه الى تأييد لقضيتها.
وهذا ما قد يكون له عواقب وخيمة، فقد لا تكون هذه المجتمعات آمنة، وغير مؤهلة لإعطاء الرأي، كما تعد انتهاكاً للخصوصية، ومهما كانت الآراء قد تظل ناقصة بحكم أن صاحب الرأي كون رأيه بناءً على الاستماع لطرف واحد، وبالتالي يظل الحكم غير مكتمل حسب قول ( القيسي).
وتضيف ( القيسي) أن الموضوع خطير لأن النصيحة كما تقول تصيب مرة وقد تخيب 99% لأن مشكلات النساء، لا تحل جميعها بنفس الطريقة، فلكل حالة خصوصيتها، وشفافيتها.
وفي ختام حديثها لمنصة “نسوان فويس” توصي ( القيسي) بنشر الوعي بأهمية أخذ المشورة من أهل الإختصاص في إطار أجندة الإرشاد الوقائي، وتؤكد بأن المرأة تميل للفضفضة نظراً لتكوينها الأنثوي الشاعري الذي يتصف بالرومانسية وحب التعبير، وهذه الصفات تميل غالباً إلى التنفيس عن نفسها إن وجدت من يسمع لها دون الإضرار بها.
تظل مجموعات التواصل الإجتماعي المتنفس الجديد الذي تهرب إليه الكثير من النساء للتخفيف عن الضغوط النفسية التي يعشنها نتيجة أوضاع معينة، إلا أنها يجب ألا تكون قانوناً يلزم التقييد بكل ما يأتي به، ففيها من الخطأ ما فيها من الصواب، وتظل مجرد آراء ومشورات بناء على تجارب، أو حتى لمجرد الإدلاء بالرأي، لكن يظل الحكم الأول والأخير لصاحبة القضية أو المشكلة فهي أدرى بتفاصيل وخبايا ماتمر به.

مقالات اخرى