تفضيل إنجاب الذكور : تحديات تواجه الأمهات

شارك المقال

جهينة عبد المنعم – نسوان فويس 

تخاف (إيناس 27 عاماً)، أن يتزوّج عليها زوجها “بحثاً عن صبي”، ولذلك تفكّر كثيراً في حمل جديد، بعد إنجاب 3 فتيات بعمليات قيصرية، متجاوزة نصيحة الطبيب بعدم محاولة الحمل مرة أخرى حتى تستعيد عافيتها.

تواجه بعض النساء اللواتي ينجبن الإناث دون وجود ذكور في أسرهن الصغيرة ضغوطًا إجتماعية، وقد ينظر إليهن بعين الاستهجان أو التنمر من قبل أفراد العائلة أو المجتمع القريب، حيث يتوقع منهن إنجاب الذكور لـ”ضمان استمرارية العائلة والاحتفاظ بالاسم العائلي”.

يمكن أن تتسبب هذه الضغوط الإجتماعية في شعور المرأة بالعزلة والتهميش، وقد تقود تلك الضغوط الأسر نحو دائرة المشاكل الأسرية أحيانًا.

أفكار متوارثة


يعتبر الذكر وريثًا للعائلة وحاملًا للتقاليد والموروث الثقافي، وبالتالي يمكن أن يُنظر إلى الإناث على أنهن غير قادرات على ذلك. تلك الرغبة قد تؤثر سلبًا على حالة المرأة النفسية، حيث تشعر بعدم الرضا عن نفسها، كما تشعر بالضغط لتحقيق توقّعات المجتمع والعائلة.

يكتظ المجتمع اليمني بالسلوكيات والمواقف المجتمعية التي تستدعي وجود الذكور مثل الثأر، والدفاع عن الأسرة، وتمثيل المكانة القبلية، والتوسّع في طلب الرزق والمال بينما الإناث في نظرهم لا طاقة لهن بذلك بل وظيفتهن تربية وإنجاب الأولاد والأعمال المنزلية مما يخلق صورة نمطية للمرأة والرجل.

تشير إلى هذا المستشارة القانونية في مناهضة العنف الإجتماعي أروى الشميري إذ أن العوامل الإجتماعية والثقافية سعت بالمجتمع لتفضيل إنجاب الذكور، تضيف: “من الناحية الثقافية فالفكرة المتوارثة من كثرة عدد الذكور في الأسرة هو مصدر للأمان الإجتماعي، وأيضًا مصدر للشعور بالمكانة القوية في المجتمع كما أن خلفة الذكور تحمي ميراث العائلة من أملاك وأموال”.

أريد صبيًا


في إحدى مجموعات الفيس بوك – الخاصة بالنساء – طلبت إحدى النساء مشورة طبية حول كيفية إنجاب الذكور.. من هنا تبدأ سلسلة لا تنتهي من القصص والتجارب التي مررن بها نساء كُثر واجهن ضغوطات وتمييزًا بسبب عدم وجود الصبيان في بيوتهن.

تروي غدير محمد (٢٨ عاماً) تجربتها في التمييز بسبب إنجابها بنتًا، وإلحاح زوجها وعمها – والد الزوج – على إنجاب صبي، فتقول: كثيراً ما دافعت عن ابنتي البكر أمامهم، وأنها ستكون السند والصديقة والرفيقة دائمًا لجميع العائلة لكن زوجي حتى الآن يردّد: أريد صبياً يحمل اسم جدّي وأبي، لولا أنني تعرضت لحادث منذ فترة قريبة وتأجّل حملي لسنة على الأقل.

وتتابع: أشاهد من حولي من نساء العائلة وهن يتلقين الضغط والأوامر في إنجاب الصبيان، وأنتظر المصير ذاته، كما لا أتمنى أن تواجه ابنتي التهميش بسبب هذه العادات والتقاليد، ولا أريد أن يفكّر من حولي إلا بسلامة الطفل ذكرًا كان أو أنثى.

يُعتبر الذكور في المجتمع اليمني غالبًا مسؤولين عن تأمين دخل العائلة وإعالتها، وبالتالي يعتقد البعض أن الإناث يشكلن عبئًا اقتصاديًا يُلاحظ من خلال هذا التأطير في سلوكيات الرجل والمرأة رسم المجتمع صورة مسبقة عن وظائفهم مما جعل التمييز هذا يخلق منذ نشأة الطفل.

ولادات متكررة

تقول المستشارة في النوع الإجتماعي عبير القدسي لمنصة (نسوان فويس) إن المرأة تعرّض صحتها للخطر وهي تنجب الأول والثاني والثالث دون التفكير بنفسها وحياتها، دافنة رغباتها لإرضاء المجتمع والأهل في إنجاب صبي.

وتوضّح القدسي أن ذلك يؤثر على المرأة صحياً ثم نفسياً؛ فقد تعاني من نقص في الكالسيوم وفيتامين دال بسبب الإنجاب المتكرر، وقد يؤدي للاكتئاب إضافة لضغط المجتمع وفكرة زواج الرجل من أخرى، وتهديده في سبيل إنجاب صبي يرثه ويحمل اسمه.

تتحدث إيناس – اسم مستعار عن هذا الأمر فتقول: “سأنتظر حتى تبدأ طفلتي خطواتها الأولى وأشرع بالحمل دون استشارة زوجي لأنني مؤمنة بضرورة تكرار المحاولة في إنجاب صبي حتى لا يتزوّج من امرأة أخرى تنجب له الصبي فهذا الأمر يربكني”.

تعاني إيناس من مشاكل صحية تمنعها من الحمل مرة أخرى بعد أن أنجبت ثلاث فتيات. نصحها الطبيب بعدم محاولة الحمل لمخاطره على صحتها حيث أن جميع ولادتها السابقة كانت بعمليات ولادة قيصرية.

تكشف هذه الحالات عن عدم المساواة بين الجنسين، والتمييز الذي تواجهه النساء في المجتمع اليمني بسبب إنجابهن الإناث وهو ما نلاحظه في الأمثلة الشعبية القديمة على سبيل الذكر “عشرة عيال عصاة ولا بُنية مطيعة”، “خُلاضة حنش ولا سلة عرادن”، وهي أمثال تداولها الأجداد، وإن قلّ تداولها إلا أن معناها لايزال ثقافة تُعشعش في عقول البعض.

أم البنات وصمة!


تعرّضت أسماء محمد ٣٠ عامًا لتمييز واضح بسبب إنجابها فتيات فقط، أهملها زوجها وتجاهلها بشكل صريح فهو “لا يريد فتيات فقط في عائلته ولا يرغب في عودتها للمنزل أو التحدث معها منذ ولدت فتاته الرابعة علماً بأن الكبيرة لم تتجاوز الست سنوات”.

تظهر هذه الحالة القيم الثقافية التي تعزّز احترام الذكورية، وتقلّل قيمة وأهمية الإناث، ولذلك فتغيير الثقافة القائمة على تمييز الجنسين. يمكن تحقيقها من خلال التعليم والتثقيف بشأن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، والتركيز على أهمية التنوع والمساواة في المجتمع.

وقد تم اعتماد قانون حقوق المرأة في اليمن بهدف تعزيز حقوقها، ومنع التمييز ضدها، ولكن رغم ما نصّ عليه الدستور اليمني في المادة 31 على أن “النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق والواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينـص عليـه القانـون”، إلا أن الواقع غير ذلك؛ حسب إفادة المحامية عتاب العمودي.

وتشير المحامية العمودي لمنصة (نسوان فويس) أن المرأة التي تفتقد للأخوة أو البنيين في عائلتها تواجه تحديات عديدة عندما تجد نفسها مضطرة للقيام بأعمال الرجال مما يجعلها أكثر احتكاكًا مع المجتمع، وفي هذه الحالة: إما أن يعتبرها المجتمع مسترجلة أو ينظر إليها كمتمردة.

ولذا فالصبي حامٍ للأم وبناتها حتى لو كان صغيرًا كما أشارت المستشارة في النوع الإجتماعي عبير القدسي في توضيحها سبب إلحاح البعض لإنجاب الذكور؛ فالمرأة لا تستطيع العيش بمفردها، وإذا أنجبت عشرين بنتًا فالأمر قد يكون كالوصمة بينما العكس إذا كان لديها صبي واحد حتى لو كانت قادرة على اتخاذ القرارات ومسؤولة عن نفسها.

ومن جانب آخر تشير المستشارة القانونية في مناهضة العنف الإجتماعي أروى الشميري إلى عدم وجود تشريعات تحارب التمييز بين الذكور والإناث أو نص عقابي في قانون العقوبات يجرّم حرمان الفتاة من التعليم أو زواجها القسري، موضحة أن هذا النوع من العقوبات على سبيل المثال قد يرفع من استحقاق الفتاة وكيانها وأهميتها في المجتمع.

ورغم كل هذا فهناك الكثير من النواحي الإيجابية يمكن للمرأة اليمنية أن تستثمرها من تجربتها في إنجاب الإناث فالفتاة هي الأكثر احتواء لأبويها وإخوتها، والأكثر تضحية، ومن الواجب على المجتمع دعمها وتمكينها اجتماعيًا واقتصاديًا، وتشجيعها على التعليم.

ويتطلّب تغيير ثقافة التمييز بسبب إنجاب الإناث في المجتمع اليمني جهودًا مشتركة من المجتمع بأسره، بما في ذلك الأسرة والمدرسة والمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني.

مقالات اخرى