أمل وحيش _ نسوان فويس
منذ أكثر من 20 عاماً تعمل (فاطمة رشاد) في مهنة توصف بأنها مهنة المتاعب ( الصحافة) وتزيد متاعب هذه المهنة في البلدان التي تعاني من صراعات ونزاعات مستمرة تماماً كما هو الحال في اليمن.
توقفت (رشاد) عن العمل الصحفي ما يقارب خمسة أعوام بعد أحداث مارس 2015م حيث كانت تسكن في صنعاء برفقة زوجها وطفلتها، ونتيجة للظروف الإقتصادية والمعيشية السيئة التي كان وما يزال يعيشها اليمنيون، وبسبب انقطاع راتبها كصحفية تعمل في مؤسسة حكومية فكرت (رشاد) باستغلال مهارتها في إستخدام الإبرة والخيط لتحيك أجمل قطع الكروشيه بمختلف أنواعها..تفاصيل أكثر حول مشروع جوجو كروشيه لصناعة الدمى مع الصحفية فاطمة رشاد.
توجه عام
لم تدع الحرب خياراً آخر لغالبية النساء اليمنيات فقد أجبرتهن على الإنخراط في مهن عدة ، ومنهن من ابتكرن مشاريع من العدم مستغلات بذلك مهارتهن في مهنة ما، كما عملت (فاطمة رشاد) التي تتقن فن حياكة الكروشيه، وألحقتها بفن الإيمي جرومي “صناعة الدمى” والتي تعد فناً نادراً في اليمن.
استغلت (رشاد) وقت فراغها واستطاعت المساهمة في تحسين دخلها ورفع المستوى المعيشي لأسرتها الصغيرة التي تأثرت بفعل الحرب وبسبب انقطاع الرواتب حيث تقول: “الحرب خلت أكثر النساء يتجهوا لمشاريعهم الخاصة، ولأنه كان عندي وقت فراغ كبير فكنت أشتي اشغل وقتي وبنفس الوقت أحسن دخلي لأنه كنا نمر بأزمة مالية كبيرة خاصة بسبب انقطاع الرواتب”. فاختارت فئة الأطفال هدفها الأول في صناعتها اليدوية وعلى رأسها الدمى والملابس.
متنفس
تعتبر(رشاد) مهنة صناعة الكروشيه هواية ومتنفساُ لها خاصة وأنها تعلمت هذه المهنة عن والدتها فهي تعمل في هذا المجال منذ فترة طويلة حتى أنها أثناء دراستها الجامعية كانت تحيك العديد من القطع وتبيعها في الجامعة للكثير من الزملاء والزميلات وحتى في فترة عملها في المجال الصحفي كان هناك من الزملاء من يشتري منها حسب الطلب وتضيف :” هو مشروع كان موجود من زمان ولكن بأسس غير واضحة ماكنت أعرف كيف أسوق لنفسي، وأكون قاعدة زبائن”.
بداية فعلية
البداية الفعلية لمشروع (فاطمة رشاد) الخاص كانت نهاية العام 2018م، عندما قررت أن لا تقف مكتوفة الأيدي متفرجة على وضع معيشي سيء نتيجة لظروف الحرب، فعملت على إستغلال وقت فراغها من خلال إستخدام موهبتها في الحياكة، وعادت لصناعة الكروشيه من خلال عمل فساتين من الصوف لابنتها، إلى جانب ربطات الشعر، وملابس أطفال وأشكال عديدة تستخدم في أغراض مختلفة وكلها مصنوعة من بالخيط والإبرة، ومن هنا تعرف الجيران في صنعاء عليها وبدأت الطلبات تهل عليها كما تقول:” بدأت الناس تتعرف على عملي لما كنت أخيط وألبس بنتي فكانوا الجيران يسألوني من فين أخذته وبعدها بدأت أصلح واعرض على الجيران والمقربين”.
إقبال
عندما عادت (رشاد) لممارسة هوايتها وشغفها في فن صناعة الكروشيه ووجدت إقبالاً على مصنوعاتها اليدوية التي تراها فريدة من نوعها كونها لا تتكرر لأكثر من زبون إلا بحسب الطلب مع إضافة بعض اللمسات التي تميز قطعة عن الأخرى، هنا اتجهت (رشاد) إلى الفيس بوك وانضمت لقروب خاص بسيدات الأعمال وعرضت منتجاتها عبر الصفحة :”دخلت بالفيس على قروب سيدات الأعمال وعرضت منتجاتي وقلت لهم إني صحفية توقفت عن العمل وفتحت هذا المشروع”.
بعد ذلك تهافتت عليها الطلبيات، وهذا ما جعلها متوترة وخائفة ومشورة زوجها زادتها خوفاً أكثر حيث أخبرها بأنها لا تعرف أحداً في صنعاء سوى الجيران وكان يتوقع أنها لن تنجح، ولكنها قاومت خوفها وانطلقت وبدأت بتجهيز وتغليف الطلبيات وكان زوجها يوصلها للمكان المتفق عليه مع العملاء ويأخذ قيمتها ثم يعود مستغرباً كيف استطاعت أن تأتي بدخل مادي وهي في بيتها وغريبة عن صنعاء كونها جاءت من عدن منذ سنوات قليلة بعد زواجهما، الأمر الذي جعله يؤمن بقدرات زوجته وبمشروعها.
جوجو للكروشيه
بعد أن بدأت بتكوين قاعدة من العملاء في صنعاء قررت (رشاد) أن تطلق مشروعها تحت جوجو كروشيه لصناعة الدمى وجوجو هو اسم الدلع لابنتها الوحيدة جمانة ، ومن شدة حبها لابنتها جعلت جل مشغولاتها اليدوية موجهة لشريحة الأطفال :” شريحتي هي الأطفال لأن الطفل تلامسي فيه حكاية الألوان ،و لأنه يميز الألوان، فالأطفال واعيين لإختيار أفضل الألوان ..لأن لديهم خيال واسع”.
صناعة الدمى
في بداية عملها في صناعة الكروشيه لم تكن (رشاد) تولي صناعة الدمى اهتماماً نظراً للرؤية الدينية لهذا النوع من الصناعة، وقد كان هناك اعتراضاً أو تخوفاُ من كون صناعتها تدخل ضمن المحرمات، وهذا ما أخر دخولها عالم الدمى على الرغم من حبها وشغفها في هذا المجال الذي ترى بأنها تستمتع به كثيراً وبأن كل دمية تصنعها لها قصة مختلفة حيث تقول :” حصلت معارضة من الأهل وأولهم زوجي وكان معترض لأنه هذا يدخل ضمن الحرام، واستفتيت وكان هناك من أجاز لي وهناك من حرم ذلك.. فأخذت الفتوى اللي ابتعد فيها عن صناعة الملامح الشبيهة بالإنسان وعشان ابعد من الشبهة ابعد عن عمل تفاصيل الإنسان كاملة في الدمية بحيث لا تشبه ملامح الإنسان”.
بعدها انطلقت (رشاد) في صناعة الدمى وبأشكال وألوان مختلفة تلامس الأطفال وتكون رفيقة لهم دوماً.
دمى بمواصفات خاصة
تحرص (رشاد) بعد تعمقها بصناعة الدمى على أن تصنع دمى سهلة التنظيف، وتتناسب مع عمر الطفل، فكما تقول إنها تختار أنواعاً آمنة من الخيوط كون الأطفال كثيري اللمس للدمية، وحتى عند صناعتها لملابس الأطفال المصنوعة من الصوف ترى بأن هناك خيوطاً تناسب الأطفال وتجعل لبسهم لهذه الملابس أكثر راحة وأمان، ولأن الأطفال حساسين حسب رأي (رشاد) فإنها تعمل جاهدة على صناعة دمى تتماشى مع الأطفال والأمهات معاً ، حيث أن الأم تستطيع تنظيف الدمية دون أن تتذمر من سوء جودتها أو رداءة الخيوط فهي تختار الأنسب من كل النواحي لراحة الطفل والأم معاً.
الكروشيه فن
تقول (رشاد) بأن صناعة الكروشيه يعد فناً بحد ذاته ، ففيه إبداع لا يختلف عن غيره من الفنون، وله ناسه وسوقه الذي بدأ بالتطور بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وعن الصعوبات التي تواجهها في مشروعها وتحديداً في صناعة الدمى تقول (رشاد) إن أكبر صعوبة واجهتها هي المعارضة من المقربين ولكنها تغلبت على كل ذلك عندما آمنت بمشروعها وبشغفها، وركزت في تفاصيل عملها ، فعالم الكروشيه بكل تفاصيله يحتاج إلى تركيز وحس فني في إختيار الألوان والتنسيق ، وخاصة في صناعة الدمى الذي ركزت عليه بشكل أكبر وخصصت من وقتها الكثير لتوفير العديد من طلبيات العملاء نظراً لإقبال أطفالهم عليها وتعلقهم بها، وهو ما جعلها تتخيل شكل كل دمية قبل أن تبدأ بصناعتها :”
صناعة الدمى يتطلب حس فني”
ولأنها تحمل حساً فنياً عالياً استطاعت أن تصنع نماذجاً مختلفة وبألوان مميزة وجذابة من الدمى ، فاحتكاكها بالفنانين التشكيلين الذين يتميزون بالقدرة على الإمساك بالريشة ورسم أروع اللوحات، جعلها تغرم بعملهم إلا أنها لا تستطيع الإمساك بالريشة والرسم ، لكنها تستطيع أن تنحت وتشكل المجسمات، وربما هذا ما جعلها تبدع في صناعة الدمى.
نقلة نوعية
عادت ( فاطمة رشاد) إلى عدن وبدأ مشروعها بالتوسع، وانتقل نقلة نوعية حين التحقت بحاضنة أعمال في عدن وأخذت العديد من الدورات التدريبية المختصة بالمشاريع الصغيرة، فاستطاعت أن تطور مشروعها، واستطاعت أن تضع خطة تسويقية له، كما أصبح لها هوية خاصة بمشروعها، وكان مشروعها يتابع بكل خطواته من قبل مستشار خاص يتبع الحاضنة حتى استطاعت أن تضع له اللبنة الأولى وترسم له هوية ومساراً محدداً ، وتضيف :” سلسلة التدريبات التي أخذتها في الحاضنة خلاني الآن أهيء نفسي إني أكون مالكة أول مصنع لصناعة الدمى في اليمن”.
نصنع لك الذكريات
تقول (رشاد) إنها بدأت بتحقيق هدفها وهو الوصول لأكبر شريحة من الأطفال من خلال الدمى التي تصنعها ويقتنيها الأطفال، فهي كما تقول تحلم أن يدخل منتجها كل بيت ويلامس الأطفال ويكون لهم ذكريات خاصة مع منتجاتها فشعارها “نصنع لك الذكريات” تهدف من خلاله إلى ربط الأطفال بدماهم التي تعد صديقة ورفيقة لهم حتى وإن كبروا.
تعمل (رشاد) حالياً من البيت وبجهود فردية، وفي حال كان هناك طلبات كبيرة فهي تستعين بفريق من الفتيات اللآتي يعملن في مجال صناعة الكروشيه، ويتم العمل مع بعض إما بمقابل أو تبادل منافع، بينما تتفرغ هي لتجهيز طلبيات الدمى التي تفضل أن تصنعها بيدها كونها تستمتع بعمل الإيمي جرومي”الدمى” أكثر من صناعة الملابس لأن فيها تفاصيل كثيرة وتقول إنها تنتظر تكوين ملامحها بشغف ما يجعلها تنبهر كما تقول بنتيجة عملها، وقد تصنع أكثر من دمية بنفس اليوم.
تتعاون (رشاد) مع العديد من المحلات ونقاط البيع لعرض دمى جوجو ، كما أن لديها العديد من الدمى والمشغولات اليدوية التي تستخدم في بعض أستديوهات التصوير في صنعاء وعدن كديكورات للتصوير خاصة دمى الأطفال. كما لديها خدمة التوصيل لمختلف المحافظات.
مشروع مستقبلي
عن تأخرها في فتح مشغل خاص تقول (رشاد) إنها تبحث عن مستثمر رغم وجود الكثير المتحمسين لفكرة مشروعها الخاص بصناعة الدمى إلا أن هناك تخوف من رجال الأعمال والمستثمرين من ردة فعل رجال الدين، حول وجود مصنع خاص بصناعة الدمى في اليمن، ولكنها تؤمن بأنها ستصل يوماً لحلمها وتصبح مالكة أول مصنع لصناعة الدمى في اليمن.
صحفية وأديبة ومدربة
انخرطت (رشاد) قبل فترة في مجال التدريب، حيث بدأت عملها التدريبي في صناعة الكروشيه مع فتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة تعمل كمدربة في صناعة الكروشيه، وبدايتها كانت مع الفتيات الكفيفات اللآتي تعتبر تدريبها لهذه الفئة من أعظم الأمور التي حدثت لها خلال حياتها رغم صعوبتها إلا أنها تجربة لامست قلبها وكان لها أثر كبير عليها.
(فاطمة رشاد) ليست صاحبة مشروعاً خاصاً استطاعت من خلاله أن تحسن من المستوى المعيشي لها ولأسرتها فحسب، فهي صحفية متمكنة، في صحيفة 14 أكتوبر والعديد من المواقع والمنصات الإلكترونية، كما أنها أديبة وكاتبة ولديها مجموعة قصصية إسمها ” امرأة تحت المطر”. وطالبة ماجستير صحافة في جامعة عدن و أم لطفلة تراها الكون بما فيه.