نسوان فويس- منيرة الطيار
في محافظة عمران، (50كم) شمال العاصمة صنعاء، تقطن أسماء (30 عاماً)، المتزوجة حديثاً، لكنها أصبحت أرملة على حين غفلة بعد أن تم اصطياد زوجها محمد.
قُتل (محمد)، على يد قبيلة أخرى بسبب (القتل الخطأ)، إذ كانت قد توعدت بقتله، والثأر منه حتى بعد أن عمد محمد وأسرته إلى القانون، وتقديم الدية لذوي المقتول.
قبلت أسرة المقتول بالأمر صورياً، لكنها انتظرت لمحمد، وتربّصت به لخمسة عشر عاماً حتى ثأرت منه على حين غفلة وهو عائد من عمله للمنزل، تقول أسماء: فجعت بخبر مقتل زوجي محمد، وحزنت جداً لموته، وتأثرت نفسياً لكن الحزن تفاقم حينما طالبت أسرته أن أتزوج بأخيه الأصغر كوني حاملاً، تضيف “وكأنني قطعه أثاث لا أمتلك مشاعر، أو أحزن لفقد زوجي”.
مسؤولية
تعتبر ظاهرة الثأر جزءًا من التقاليد الإجتماعية والثقافية التي ترتبط بالقبيلة حيث شهدت محافظة عمران والمناطق المحيطة بها تاريخًا طويلًا من الممارسات التي تتعلق بالثأر والانتقام باعتباره واجباً، ومسؤولية القبيلة لحماية كرامتها.
اضطرابات
النساء هن المتأثر الأول من قضايا الثأر وتبعاتها النفسية التي ترافقهن مدى حياتهن، وتنعكس بشكل أو بآخر على أطفالهن، فالنساء يشعرن بالخوف والقلق المستمر، وعدم الأمان، والإحساس بالضعف والعجز إضافة لبعض الاضطرابات كالإكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم، ونوبات الهلع، والتوتر العصبي، ما يؤدي بهن إلى الانعزال عن المجتمع، وصعوبة التكيف مع البيئة المحيطة، وينعكس ذلك على حياتهن اليومية كما تشرح إيمان لطف البريهي الأخصائية النفسية .
ألم لا ينتهي
أربعون عاماً على الحادثة لازالت تتذكرها الجدة صفية بحذافيرها حين فجعت هي وأخواتها البنات بفقد والدها وأخويها الذكور بسبب ثأر تسبب به إبن عمها الأكبر الذي لاذ بالفرار بعد ذلك لتدفع عائلته ثمن ذلك من بينها أبو وعم الجدة صفية.
تحكي الجدة والدموع تغرق عينيها وتقول: لازلت أتذكر ذلك اليوم المشؤوم بحذافيره، ولم أستطع تجاوزه.. حينما كنت أنا وأمي وأخواتي في منزلنا بأحد قرى ريف محافظة عمران، وأنا بعمر السبع سنوات وأخواتي أصغر مني.. أحدهن في الخامسة والأخرى في الثالثة.. كنا نائمات بجانب أمي، وعند الساعة 11 ليلاً امتلأ بيتنا بالجيران والأقارب.
أغمي على أمي حينما وصلها أن أبي وأخوتي الاثنين قتلوا ثأراً من ابن عمي الأكبر الذي هرب، فقدت وقتها منزلي، فجدتي طلبت من أمي أن تسافر للعيش معها، وأنا وأخواتي ذهبنا للعيش عند عماتي، تدمرت أسرتنا، وعشت حياة اليتم بسبب الثأر الذي لا سبب لنا به.
فقدان الأمان
للثأر أسباب مترامية يرجع الدكتور عبد الباقي شمسان أستاذ علم الإجتماع ذلك لتكوين المجتمعات التقليدية من القبيلة والأعراف فيها فوق سيادة القانون؛ إذ تكون السلطة غير قادرة على بسط نفوذها.
ويشير شمسان، في حديثه لـ (نسوان فويس) إلى أن الثأر في الغالب يكون بين الذكور والقبائل إلا أن الثمن تدفعه المرأة، فهي تخسر المعيل والسند، ويؤثر عليها سلباً في تربية أطفالها، وفي تحمّلها للمسؤولية على كل الأصعدة النفسية والإقتصادية.
كذلك تنعكس و تؤثر على المجتمع الذي يشعر بفقدان الأمان والاستقرار.
تهاون
الشيخ عبده معقل، من كبار مشايخ مديرية حرف سفيان في محافظة عمران يرى أن السبب الأبرز لقضايا الثأر هو التهاون في إنهاء الخلافات، كالتي تحدث على الأرض وتتطور من مشاجرات وخلافات إلى قتل وسفك الدم,
ويضيف أن عدم القصاص من القاتل يؤدي إلى اتساع الثأر.. ويقول: أحيانا قد يكون للدولة يد في عدم حل النزاعات لتصفية بعض الأشخاص المعارضين بغطاء الثارات، وكذلك النفوذ في الدولة من الأسباب؛ إذ تتدخل بعض الشخصيات النافذة في الدولة في عرقلة القضايا لصالحها، وقد يقتل القتيل وهو في صلح بدون عقاب عرفي من الكفلاء والضمناء.
محاولات
تحدثنا مع مسؤول أمني في محافظة عمران، فضّل عدم ذكر اسمه، يقول: في الآونة الأخيرة تبذل الجهات الأمنية كل قوتها للسيطرة على مسألة الثأر، ومحاسبة الجناة لضمان عدم توسّعها كما كانت من قبل، وبسط يد القانون فوق الجميع رغم مواجهتنا لصعوبات ومعوقات كوجود قضايا ثأر ممتدة لأكثر من عشرين عاماً بسبب غموض ملابسات الجريمة، والتستر على الجاني، وجعل القضية مجهولة، نحن نسعى اليوم لحل القضايا، والحدّ من الثأر بمحاسبة الجناة.
القصاص
رغم أن القانون اليمني لا يعترف بالثأر كجريمة منفصلة عن الجرائم الأخرى كي يحدّد لها عقوبات خاصة إلا أن عقوبة الثأر تندرج تحت عقوبة القتل العمد في القانون اليمني؛ فالمادة (234) من قانون الجرائم والعقوبـات لسنة1994م، تنصّ على (من قتل نفساً معصومة عمداً يُعاقب بالإعدام قصاصاً إلاّ أن يعفو ولي الدم فإن كان العفو مطلقاً أو بشرط الدية أو مات الجاني قبل الحكم حكم بالدية)؛ بحسب المحامي القانوني عبد الرحمن الراشد.
لم تكن مسألة الثأر قضية ذات شجون للمرأة فقط بل مسّت الأطفال ومشاعرهم، وباتت عامل تهديد للمجتمع الذي إن لم يضع حداً لهذه الظاهرة المميتة فستتحول لبركان يلتهم الجميع، فهل ينجحن نساء عمران في وضع الحلول لتلافي استشراء قضية الثأر ويكن الحل؟!.