سحر وكفها الذي تنبعث منه رائحة القهوة

شارك المقال

فاطمة العنسي _ نسوان فويس 


تحمل بكفها الأيمن حبيبات من البن اليمني، وبكفها الأخر تتفحص جودته، طريقة تجفيفه، وتحميصه، تستنشق رائحة بكثير من الرغبة، يخيل للمشاهد انها مدمنة، بيد انها مدمنة من نوع خاص.

الشابة اليمنية سحر سيف، صاحبة أول مشروع مكتب “بن وفن” في صنعاء، الذي يعني بالبن اليمني الأصيل ذو الجودة والمذاق المتميز، بالإضافة الى الترويج والتسويق عنه خارج البلاد.

ويتميز البن اليمني بميزة لا مثيل لها بين بقية أنواع البن في العالم، وهي رائحته العطرية القوية، بالإضافة الى مذاقه اللاذع، وتأتي هذه الميزة من الطريقة التقليدية لزراعته وتجفيفه والتي ورثها اليمنيون عن أجدادهم منذ الآلاف السنين.

ترى سحر في حديثها لنسوان فويس، ان المزارعون اليمنيون حافظوا على سمعه القهوة المتخصصة، فالنكهة البرية المميزة بها حبوبها مازالت تجذب شاربيها باستمرار حتى مع ظهور أنواع مختلفة للقهوة في العالم.

تعزو ذلك الى ان المزارعون وبرغم مرور قرون على زراعته، الا انه لم يتغير عليهم شيئا، اذ لا يوجد أي آلات للحصاد، الطريقة الوحيدة المناسبة لنمو البن هي وجودها في أعالي الجبال شديدة الانحدار، وحصادها ومعالجتها بالطرق التقليدية.

ويتكون البن من أشكال وأحجام مختلفة ومن عدة أسماء وذلك نسبة إلى المناطق التي يزرع فيها، ومن أشهر أنواع البن اليمني : المطري، اليافعي، الحيمي، الحرازي، أو الإسماعيلي، الاهجري، المحويتي، البرعي، الحمادي، الريمي، الوصابي، الانسي، العديني، الصبري و الصعدي.

تتذكر سحر طفولتها عندما كانت تعشق رسم الأشجار والبيئة، والكثير من الحبيبات، أدركت مؤخرا انه حبها الطفولي بالزراعة والمحاصيل، قادها الى امتلاك مكتب للمنتجات الزراعية لأكثر محصول تشتهر به اليمن.

وبرغم انها، ولدت وترعرعت خارج اليمن، لكن شغفها للبن ورائحته التي تبعث في النفس الشعور بالراحة والانسجام، دفعها للعودة الى الوطن عام 2009م، تعلمت كل ما يتعلق بمجال البن، وعملت في إدارة الكافيهات في 2017 والغوص في أعماق الأشجار، مرافقة المزارعين، والإلمام بكل ما يتعلق بالبن من أول بذرة حتى يصبح كوبا ساخنا في يد المستهلك.

تجيد سحر أيضا الرسم التشكيلي، تقضي وقتا طويلا في رسم حبيبات البن، تمزج الألوان كما تُمزج حبيبات القهوة مع الماء، تشعرك وانت تشاهد لوحاتها ذات الألوان البنية، أنك تستنشق رائحة القهوة ومذاقها يسيل في فمك دون شعور.

في عام 2023م، قامت سحر بافتتاح أول مكتب مختص في مجال القهوة اليمنية، التسويق، الترويج، تقديم خدمة التدريب، وتنظم بين الحين والآخر سلسلة من الدورات حول التذوق.

تقول سحر لنسوان فويس: حصلت على عده دورات في مجال تذوق البن، وعمقت من معلوماتي حول البن اليمني وزراعته، هدفي وصول البن اليمني الأصيل الى كل بيت، والى خارج البلاد، نظرا لجودته العالية ومذاقة المتميز الذي يتفوق على كل أنواع البن الموجودة في العالم”.

يقدم مكتب سحر “بن وفن”، خدمات كثيرة للمجتمع ككل، منها التدريب والتأهيل في مجال تجارة وزراعة البن، التسويق، معرفة كيفية تمييز البن اليمني والخارجي، إدارة الكافيات، تحسين الخدمات، وهو واجهة متخصصة لتقديم خدمات متكاملة لذوي المشاريع الناشئة، للحصول على استشارات فيما يتعلق بدراسة الجدوى لأي مشروع حديث يتعلق بالبن اليمني، والمشروبات الساخنة.

وبرغم ان اليمن هو الموطن الأصلي للقهوة العربية، اذ يعتبر البن اليمني “آرابيكا”، من أجود أنوع حبوب القهوة، والأكثر مبيعاً، بيد انه تعرض للإهمال وتعرضت أشجارة للاستبدال مقابل شجرة القات خلال السنوات الأخيرة.

تقر سحر خلال حديثها لنسوان فويس، بوجود ضمور كبير لزراعه البن للوصول البن اليمني الى العالمية، معللة السبب هو التغيرات المناخية، والجفاف، بالإضافة الى عزوف المزارعون على زراعة محصول البن، نظرا لما يتطلب من اهتمام دائم بالأشجار والتربة.

تتابع: وفق خبرتي الكبيرة بالبن خصوصا القهوة المحمصة، استطعت الوصول الى جمهور واسع، لكن التوعية تحتاج الى تكاتف وتوسعه للجهود من أجل ان تشتري الناس البن وهي واثقة بالجودة والطعم، ومقدرة لجهود المزارع الكبيرة، وهناك مقولة شهيرة بين المزارعين تقول “اعتني بشجرة البن، كأنك تعتني بطفلك”.

المرأة والبن
ينشط دور المرأة اليمنية في مجال زراعة البن، منذ بدء غرس أول شتلة، إذ تعتمد العمليات الزراعية في قطاع البن اليمني على النساء بنسبة 70/، في عموم المحافظات التي تزرع البن.
بيد ان تواجدها يقل في المرحلة النهائية المتمثلة في عمليات التسويق والإدارة، حيث يتحتم العرف السائد للمجتمع بضرورة تواجد الرجال في هذه المرحلة.
سحر سيف، واحده ممن اقتحمن المجال، وبرزن كنساء ناشطات في مراحل تسويق البن والاتجار به.

الصعوبات
على غرار أي مشروع ناشئ لاسيما اذ كان منفردا، لا يجد القائمين عليه الأرض مفرشة بالورد، بل تقف العقبات والصعوبات كالجبل ربما إذا لم يكن قوياَ، لن يستطيع مقاومته البتة.

منذ أول يوم وانا أحاول جاهدة الوصول بمشروعي الى بر الأمان، لكن رفض ومنع جهات معنية (فضلت عدم ذكر أسمها)، استمراري في هذا القطاع مثل عقبة كبرى أحاول حتى اللحظة مقاومتها. تقول سحر.

وتضيف: مجال البن وتسويقه يفتقر للأسف الى النساء، وأعني هنا النساء القويات، التي أستطيع الاعتماد عليهن في التوسع بمجال البن وتذوقه للجماهير، أضف الى ذلك ان ضعف رأس المال هو المعضلة، لان مشاريع البن اليمني تحتاج الى دعم مادي وهو ما افتقرت له خلال انطلاقتي حيث انطلقت بمجهودي الذاتي وخبرتي فقط، لا أثر يذكر للجهات الحكومية أو وزارة الزراعة لكذا مشاريع شبابية.

توضح سحر ان الفتيات خلال سنوات الحرب عملن في انشاء مشاريعهن الخاصة، لكنها جميعها تصب في إطار واحد اما في مجال الطبخ، او الأدوات المنزلية والتجميلية، والملابس، لا يوجد توجه لدعم وتحفيز النساء خصوصا الريفيات على العمل بمشاريع رائدة ممكن ان تعود لها بالنفع المادي الجيد، كالبن.

وتقول: من هنا وعبر نسوان فويس أنصح الفتيات الى التوجه مشاريع البن اليمني والعمل على تطوير وتحسين صورة القطاع الزراعي والتنموي الذي سيؤثر إيجابا علينا جميعا، لدينا ثروة قيمة لا يضاهيها، او ينافسها أي محصول آخر بيد ان الأمر مازال في اخر قائمة الاهتمامات للحكومة.

تقود سحر سلسلة من الأعمال في مكتبها، وتتعامل مع عدد من المزارعين والمسوقين، لديها أنواع عده للبن منه البرعي، الخولاني، الحرازي، وتسعى الى إدخال أنواع مختلفة أخرى، اما فيما يتعلق بالطلب، فهو يعتمد على طريقة تذوق القهوة من شخص الى آخر، فهناك من يميل الى الحموضة والبعض للحلاوة والتي تشير لإيحاءات الفواكه والشكولاتة وغيرة. كما تفيد.

طبقة الكادحين المزارعين طبقة بسيطة تفتقر للدعم المادي والمعنوي، برغم انها تمثل شريحة كبيرة لدى المجتمع، وددت سحر خلال مشروعها تقديم الدعم للفئة لاسيما من يعملون على زراعة واحياء إرث اليمن المنسي “البن”، بما يخلق فرص عمل ومساهمة في رفد الاقتصاد الوطني للبلاد.

لا يزال هناك طلب عالمي قوي على البن اليمني، حيث يذهب حوالي نصف الصادرات إلى المملكة العربية السعودية إلى جانب الإنتاج المحدود وتكاليف الإنتاج المرتفعة نسبيًا، يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار، برغم ذلك، فإن الطلب لم يزيد من إمكانية تتبع الحبوب ويمكنهم السفر عبر شبكة من الوسطاء مثل مكتب “بن وفن”.

تختتم سحر لقاءها مع نسوان فويس قائلة: لابد من الالتفات الى النساء العاملات خصوصا في الريف، وتشجعيهن على الإنتاج والعمل، يجب ان تسعى المرأة الى أن تكون مستقلة ماديا، وقادرة على المجازفة وخوض غمار الحياة في شتى المجالات، وما تمر فيه النساء من اضطهاد وعنف قائم في الوقت الحالي خير دليل على ضرورة تفعيل دور المرأة وعدم تنميطه في أعمال معينة، الحياة واسعة والمرأة قادرة”.

مقالات اخرى