الضالع.. أرملة تكافح من أجل العدالة بعد سنوات من مقتل ابنتها

شارك المقال

ياسمين بطوبال _ نسوان فويس

لأنه يرفض خطبتها لأحد الأطباء من العائلة؛ أطلق المتهم “رداد” – وهو ابن جدها، عشر طلقات نارية على الطفلة نجاة الشوكي (15 عاماً)، وأرداها قتيلة في حضن أمها.

كانت الأم على بعد شهر من وضع طفلها الخامس، وهي في الربيع الخامس والعشرين.. قبل غروب الشمس جهّزت لزوجها محمد ما يحتاج لمبيته في الوادي وودّعته، ثم دخلت بيتها كالعادة، وفي صباح اليوم التالي أعدت وجبة الفطور، وأرسلته لزوجها عبر أمه.

انطلقت الأم نحو الوادي، وعلى بعد بضعة أمتار، رأت دخاناً يتصاعد من الغرفة التي بات فيها ولدها.. رمت ما تحمله في يديها.. وانطلقت تصيح: محمد.. محمد، وصلت الأم إلى المكان، باب الغرفة مغلق، والدخان يتصاعد.. تجمّع الناس وكسروا الباب ليجدوا محمد جثة هامدة قد أكلت النار قدميه حسب رواية أحد الشهود لمنصة “نسوان فويس”.

معاناة الأسفار وتربية الأولاد
“رحل محمد محمود عن الحياة في ظروفٍ غامضة، وموتة بشعة كان القتل بالرصاص أرحم له”، تقول أرملته أم محمود لمنصة “نسوان فويس”.

وتضيف: بعدها بشهر ولدت بطفل خُلق ميتاً، تداخل حزني عليه في حزني على والده، وخيم عليّ حزني على زوجي الذي رحل في ريعان الشباب تاركاً خلفه أربعة أطفال وأم ثكلى وأرملة وشقيقته الوحيدة ..

عرفت أن المكوث في البيت لا يؤمن مستقبلاً لأولادي؛ الذين هم مستقبلي وثروتي بالحياة، فعديت العدّة لتنمية المال، والعمل بالوادي، واستثمار الزراعة فمحمد عليه الكثير من الديون آخرها عندما حفر آبار الماء الأخيرة..

وتابعت: “عملت واستثمرت، والنتيجة كانت بالملايين، قضيت الديون، وأرسلت حاجين اثنين إلى مكة المكرمة: أحدهما عن عمي أبو زوجي الذي توفى وزوجي عمره عامين، وآخر عن زوجي، ثم بنيت عمارة مكونة من شقتين كبيرتين إلى جانب البيت القديم”.

في كل هذه الأعوام – تقول أم محمود- كان ناجي الشوكي عم زوجي، ووالد القاتل، يهاجمني، ويعتدي على ممتلكات أولادي، ومرات عديدة اعتدى عليّ بالضرب، وحضر والدي، لكنه رجع وعاد لكل أعماله الاجرامية بحقي وحق أولادي، كما أنهم كانوا يتهجمون على العمال الذين يعملون معنا، ويمنعوهم من العمل، ويقطعون شجرنا ظلماً وعدوانا، وهدّدوا أولادي وخاصة بنتي الشهيدة نجاة التي كانت هي الكبيرة وبدأت تساعدني بأعمال البيت..

الفاجعة الكبرى
أنزل الرحمن على قلبها حكمة الصبر بعد وفاة زوجها، لكن بعد مقتل ابنتها لبست ثوب الحزن، وذاقت الكثير من الأوجاع، تقول: “لو عاش والد نجاة ما ذاقت مرارة التهديد حتى أردوها قتيلة”..
كانت نجاة الطفلة اليتيمة التي كانت تشرق الطبيعة لجمالها، ويُنقش على محياها غصون الزيتون، بعينين زرقاوين وقامة ممشوقة، كانت وسامتها تأسر الألباب، بعقل أربعينية رغم طفولتها..

في يوم الأربعاء 3 أغسطس، 2016م، وقبيل غروب الشمس وصلت أم محمود من حقولها الزراعية، طفلتها الكبيرة نجاة استقبلتها كالعادة، كانت أمها تحدثها عن عمل المنزل الذي سيبدأ العمال بالبلاط فيه من اليوم التالي، وعليها أن تجهز مؤنة أكثر، الأم تحكي الكلمات والبنت تهزّ رأسها مبتسمة عن إنجازات أمها المتواصلة، وماهي إلا ثوانٍ معدودة حتى وصل القاتل، وباشر بإطلاق الرصاص على نجاة من الخلف ليمزّق قلبها المملوء سعادة..

يقول “ص. ع” لمنصة نسوان فويس واصفاً ما حدث: تجمّع الناس، أم محمود دخلت مرحلة جنونية، حملت ابنتها للسيارة لإسعافها، رغم أنها توفت في نفس اللحظات، ووصلت بها لمركز المديرية قعطبة، أقنعها الأطباء أنها توفت على الفور لكنها لم تصدّق، عادت بها للبيت، أدخلوها غرفة أم محمود التي ظلت تدور حول فراش نجاة، دون وعي..

ويضيف: بدأت نسوة القرية بالتجمع نحو بيت الضحية ، ليساندنّ المرأة المفجوعة على أمرها، إذ لم يلتئم جرحها السابق، لكنّ “ناجي الشوكي”، والد القاتل اعتدى على نساء القرية، وطردهن ورفض دخولهن، وقال: المقتولة بنتنا ولا أريد أحداً يدخل بيتنا”، وفق ما تحدث به الشهود.

يقول أحد أبناء القرية – تحفّظ على ذكر اسمه- إن المنطقة أظلمت، وخيّم الخوف على وجوه الناس، برق ورعد ضرب الجبال يومها، أصوات كانت تنذر بعقوبات قادمة لم تحتمل ليس على القاتل ووالده وأسرته بل على كل الذين سكتوا عن تلك الفعلة الشنعاء.

ويروى ناشط اجتماعي للمنصة قائلاً: لاذ القاتل بالفرار، ولم يلاحقه أحد فإخوانها قُصر صغار، قيل إنه بات يومها في بيت أحد الأقارب، ثم تنقّل ليستقر في منطقة “جيشان” عند أهل زوجته.

ويضيف الناشط: أرملة تحتضن ثلاثة أطفال صغار، تواجه تهديدات متكررة من القاتل أنه سيعود ويقضي عليهم جميعاً، ضاقت بها الأرض بما رحبت، ونزحت إلى صنعاء… لم يجرؤ القاتل على الوصول إليهم، بينما سلّمت ما تملكه لبعض أقارب زوجها ليستمروا بالعمل.

دم مهدور واعتداءات مستمرة

تقول أم عبدالله، من المنطقة لمنصة “نسوان فويس”: إن الظلم الذي تعرّضت له الأرملة وأولادها يندي له جبين الإنسانية، وتنهد منه الجبال، إذ بدأ والد القاتل بالاعتداء على ممتلكات أم محمود بعد نزوحها، وسعى دائماً لافتعال المشاكل، ويردد: “نحن قتلنا بنت، ولم نقتل رئيس، والأرض أرضي والعيال عيالي”،.. تضيف أم عبدالله: لا أحد يتدخل ليوقف الظلم.

وتابعت: لقد ذُقنا الحروب والفقر والمشاكل بعد هذه الحادثة النكراء، والظلم والاعتداء المتكرر، وكانت منطقتنا من أفضل الأماكن حتى 2015م.

 

بعد مرور سبع سنوات على حادثة القتل، رفع شقيق نجاة دعوى للنيابة العامة لملاحقة القاتل، وتطبيق شرع الله عليه بحسب منشورات ومناشدات له في فيس بوك، ونشر صورة القاتل، وصورة من أمر القبض القهري.

بدورنا تواصلنا بشقيق المجني عليها نجاة “محمود محمد الشوكي”، قال لمنصة نسوان فويس: في وقت الحادث كنت طفلاً في العاشرة، وقبل عام رفعت دعوى للنيابة العامة بدمت، مقرّ محافظة الضالع، وأصدرت النيابة أمراً قهرياً للقبض على القاتل.

اتهم شقيقُ القتيلة أحد المسؤولين بـ “العمل على عرقلة القبض، والتلاعب بالأمن، لعلاقة أسرية تربطه بالقاتل، تواصلنا مع المسؤول لكنّه امتنع عن التعليق على تلك الاتهامات.

بين يدي النيابة العامة
يقول القاضي علي سعيد الحرازي، القائم بأعمال وكيل نيابة قعطبة الابتدائية لمنصة “نسوان فويس”: بعد رفع الدعوي أصدرت النيابة أمراً بالقبض القهري على المتهم، وكذا إذن بأمر تفتيش لمنزل المتهم، أو منزل غيره طالما وهناك أدلة بوجوده هناك…وتم التعميم عليه في جميع النقاط الأمنية، وكلّفت بذلك أمن مديرية قعطبة، والقضية رهن المتابعة، وهي جنائية لا تسقط بالتقادم.
أحد أبناء المنطقة، فضّل عدم ذكر اسمه، قال إن القاتل يسرح ويمرح منذ ثلاثة أعوام، ويدخل سوق المنطقة بدون أي متابعة له من قبل السلطات.

نقلنا ذلك للقاضي الحرازي فقال: هذا كان قبل أمر القبض، أما الآن فهو متخفي تماماً، وأي منزل أو قرية تتوافر الأدلة بوجوده، بها سنخرج لتفتيشها، والقبض عليه.

ماذا بعد؟!
أم محمود التي كانت تنظر لنجاة كرفيقة وصديقة تبتسم ليلاً عندما ترى بكرها قد كبرت؛ بحسب قولها لمنصة “نسوان فويس”.

هي اليوم تطالب بدمها المهدور، وتدعو لعمل فصل للقضية حتى يعود أبنائها لمنطقتهم، وهي في أمان عليهم، لأن القاتل يقول إنه لن يسلّم نفسه للدولة حتى يتم الإجهاز على أولادها محمود محمد والمعتمد محمد، هي تعيش ليس في عمق الحزن بل في ضربات الخوف ووخزات الألم.

شخصيات اجتماعية وحقوقية التقينا بها تطالب النيابة العامة والسلطات بملاحقة الجاني، وتقديمه للمحاكمة لينال عقوبته القانونية، ووقف اعتداءات والده، وإلزامه بالتعهد على عدم الاعتداء على الأرملة وأولادها، ليقام العدل، ويأمن الناس ويأخذ الظالم جزاءه، وينصف المظلوم ويستتب الأمن والأمان.

مقالات اخرى