من الرفض والتنمر إلى الإقبال والطلب.. (الكوارع) مشروع صحي فريد من نوعه

شارك المقال

امل وحيش – نسوان فويس 

في الوقت الذي تعد فيه المشاريع الصغيرة فرصة جيدة للأفراد لكسب الدخل وتحقيق الاستقلالية  المادية وتحسين المعيشة، انتعش سوق المشاريع الصغيرة النسائية المنزلية في اليمن بعد أحداث 2015، وتتراوح هذه المشاريع بين حرف يدوية، وتسويق إلكتروني، وحياكة، وصناعة حلويات ومأكولات شعبية ،وبيع عبر الإنترنت، وغيرها من المشاريع التي يَسهُل على المرأة القيام بها من المنزل، إلا إن (ذكرى عبدالرحمن) خالفت القاعدة نوعًا ما وتخصصت في مشروع رآه الكثير في بادئ الأمر محرجًا، وآخرون رأوا أنه غير مطلوب في السوق اليمنية، لكنها دافعت عن فكرتها حتى مر العام ولاقت الفكرة رواجًا، وبدأ منتجها  يلاقي إقبالًا كبيراً.

عالم الكوارع

الكوارع (Trotters) هي إحدى الأكلات الشعبية المعروفة في العديد من الدول العربية، ونسمع عنها كثيرًا خاصة في المسلسلات المصرية، لكنها في اليمن تكاد لا تُعرف ولا يُعار لها اهتمامًا على الرغم من أنها غنية بفوائد صحية كثيرة، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة مشروع أم محمد للكوارع لصاحبته (ذكرى عبدالرحمن) التي أمضت وقتًا طويلًا تفكر في إنشاء مشروعًا خاصًا يساعدها على التزامات الحياة، لا سيما بعد توقفها عن العمل في إحدى الشركات النفطية التي عملت فيها لسنوات طويلة، إلا أنها أُغلقت بفعل الحرب، إضافة إلى تبنيها لطفلين بحاجة لرعاية خاصةً بعد انفصالها عن والدهم، وعلى الرغم من أنها موظفة في أحد المطاعم الشهيرة في صنعاء وعملت كمترجمة لعدة جهات، إلا أن حلمها في مشروعها الخاص لم يتوقف، فبعد تفكير عميق حول ماهية المشروع الذي من الممكن أن تبدع فيه وتستمتع به بذات الوقت انطلقت (ذكرى) بمشروعها  حيث كانت البداية عندما وجدت منشورًا على الفيسبوك من إحدى السيدات تبحث فيه عن جهة تقوم بصناعة (الكوارع) وتريده كعلاج للمفاصل، فعلقت عليها بأنها مستعدة للقيام بالمهمة مستعينة بخالتها، ومن هنا انطلقت بمشروعها وأسمته أم محمد للكوارع ونسبته لوالدتها لتحل البركة عليها وعلى مشروعها كما تقول (ذكرى) لمنصة (نسوان فويس): “اسم المشروع أم محمد للكوارع عملته باسم أمي الله يحفظها عشان البركة”، و تؤكد أن مشاريع الطبخ هي من المشاريع المربحة خاصة المتخصصة التي تركز على وصفة واحدة بكل توابعها ولا تتعداها فهي برأيها تكون أسهل كما أنها بالنسبة إليها تتناسب مع انشغالها وظروفها، إضافة إلى أن التشتت في أكثر من وصفة قد يكون على حساب جودة المنتج.

معارضة وتنمر

“خليته باب رزق ثاني ومشروع خاص”

كعادة أي فكرة تأتي بها المرأة في مجتمعنا قوبلت فكرة (ذكرى) بالرفض من قبل الأهل والمجتمع المحيط، فكان الاعتراض يتمثل في أن ابنتهم المتعلمة التي عملت من قبل في وظيفة راقية، ستصبح طباخة حسب تفكيرهم، ولكنها لم تكن تفكر إلا بأن العمل لم ولن يكون عيبًا، وبأن هذا المشروع الصغير سيعينها هي وأطفالها ووالدتها على أعباء الحياة إلى جانب راتبها، فحاولت إقناع والدها وبالمقربين بأنه مشروعًا سيجلب لها دخلًا إضافيًا يساهم بشكل أو بآخر في تغطية العديد من نفقات وأعباء الحياة خاصة وأنها المسؤولة عن نفسها وطفليها ووالدتها التي تعيش معها.

تنمر

واجهت (ذكرى) تنمرًا من قبل المحيطين معتبرين هذا العمل مهين من وجهة نظرهم، والبعض يرى بأن لا أحد يعرف (الكوارع) في اليمن إلا قلة من الناس ولن يشتري أحدًا منها، ولكنها بأسلوبها المقنع وقناعتها الشخصية أوضحت لهم بأن الكوارع من الأكلات الصحية المطلوبة والمرغوبة والمفيدة صحيًا، حتى أن معظم الأطباء يوصون مرضاهم بها لاحتوائها على فيتامينات عديدة تغنيهم عن الأدوية، أضف إلى ذلك أنه بحسب ذكرى المشروع الأول من نوعه في صنعاء متخصص في مجال صناعة ( الكوارع) وتديره امرأة.

مع الوقت تقبل الفكرة كل من تنمر واستهان بها، وذلك بفضل ثقة (ذكرى) بنفسها وبأن مشروعها سيكبر ويلاقي نجاحًا طالما وأنها مؤمنة به ويومًا ما سيعترف المتنمرون بأنها فعلًا كانت على حق :”حصلت تريقه وتنمر من الناس ومن مجتمعنا اللي ما يصدقوا يحصلوا حاجة يتنمروا عليها بس الحمدلله عديت”.

 

تجهيزات

تقوم (ذكرى) بالتجهيز للطبخ وتلبية الطلبات من اليوم السابق بحسب الحجز المسبق لأن عمل الكوارع ليس بتلك السهولة فهو يحتاج لوقت طويل للتنظيف وبطرق مختلفة حتى يتم تصفيتها تمامًا لأنها حسب قولها أمانة أمام الله، بعدها تقوم بوضع الكوارع (عظم الأغنام) المجهز للطبخ في الثلاجة وفي اليوم التالي تبدأ بإعداد الوصفة حسب الطلب، وتقول إنها في بداية الأمر كانت تصنع الكوارع مع المرق فقط، ومع مرور الوقت بدأت تصنع شوربة الكوارع، شوربة الخضار، شوربة البر والشوفان، الطواجن، وكلها أطعمة صحية وغالبًا ما يطلبها أصحاب الحمية الغذائية أو المرضى الذين يعانون من مشاكل وآلام في العظام كالاحتكاك والهشاشة ومشاكل البشرة، كون الكوارع تحتوي على مادة الكولاجين الطبيعية، وغيرها :”لدي ناس أمراض بهشاشة العظام أو تيبس مفاصل الركبة فينصحهم الأطباء بأن يستخدموا الكوارع ولما يطلبوها لعلاج يتم عملها بطريقة مختلفة بحيث أنها وصفة علاجية”.

كما اعتمدت (ذكرى) على طريقة تجميد (مرق الكوارع) وتخزينه في علب بلاستيك ليصبح بديلًا للنكهة ويضاف لجميع وصفات الطبخ حسب الرغبة ويمكنه البقاء لأسابيع في الثلاجة دون أن تتغير نكهته أو يتعفن.

انتشار

“ساعدني الفيس بشكل كبير ، وكذلك الأصدقاء وكل واحد يوصل للأخر، وفي البداية كان أهل الجنوب أكثر المقبلين على الكوارع لأنهم يعرفوا الكوارع ويطبخوها باستمرار”.

في بداية عملها كانت نسبة الإقبال على (الكوارع) من أصدقائها ومعارفها هي من أهل الجنوب، كون والدتها جنوبية فهذه الوصفة معروفة بشكل كبير لديهم، و بعد أن أنشأت لها صفحة على الفيسبوك أم محمد للكوارع  أصبح الجميع يطلب منها دون استثناء وغالبًا ما يتم الوصول إليها عبر تجارب لأشخاص طلبوا منها عن طريق الإنترنت إضافة إلى الأصدقاء والصديقات الذين ساهموا بالتعريف بمشروعها، فأصبح لديها عملاء كثر ومنهم من خصصوا أيامًا محددة لطلب الكوارع، وأيامًا أخرى تخصصها هي لعمل الشوربات الصحية المختلفة والتي لا تخلو من مرق الكوارع الذي تؤكد بأنه يعطي نكهة لذيذة للوصفة إلى جانب أنها وصفة صحية وخفيفة على المعدة.

تبني

على الرغم من المدة القصيرة التي لا تتجاوز العام تؤكد (ذكرى) بأنه تم التواصل معها من قبل مستثمرين في دول شقيقة طلبوا منها تبني مشروعها ودعمه حتى يصبح مشروعًا كبيرًا ولكن بشراكة، إلا أنها رفضت ذلك الأمر فالشراكة حسب رأيها تتطلب علاقة مبنية على المعرفة وهي لا تعرف هؤلاء المستثمرين شخصيًا.

مستقبلًا تتمنى (ذكرى) أن تفتتح مطعمًا صغيرًا متخصصًا في مجال صناعة الكوارع وتوابعها ولا تفكر بالتوسع لوجبات أخرى على الرغم من مطالبتها من صديقاتها والمقربين بأن تضيف وصفات أخرى لعلمهم بأن (نفَسَها) في الطبخ ممتاز إلا أنها ترفض التوسع والتشتت، وترى أن التخصص هو سر نجاح كثير من المشاريع.

داعمين

من أبرز الداعمين ل (ذكرى) هو مديرها في عملها الحالي حيث تقول بأنه شجعها ودعمها معنويًا لتستمر، إضافة إلى صديقاتها المقربات اللاتي حفزنها وأيدن ما تقوم به، وبدأن يروجن معها لمشروعها، والأهم من ذلك هو دعم ودعاء الوالدة ومؤازرة أختها التي تساعدها كثيرًا في تحضير طلبيات الزبائن التي تتم عبر الصفحة الشخصية أو الاتصال عبر الهاتف.

لا تيأسي 

“اصنعي نفسك من مأساتك، خليك قوية، خلي أملك بالله كبير، ثقي بنفسك، لا تخلي ولا تسمحي لأي مخلوق يكسرك، أنتِ قادرة”

بهذه العبارات تختم (ذكرى) حديثها لمنصة (نسوان فويس) موجهة رسائل واضحة لكل النساء اللاتي مررن بظروف سيئة ويردن التغيير مؤكدة أنهن قادرات على الاستمرار والعطاء.

قد يكون مشروع (ذكرى) بسيطًا بنظر البعض إلا أن حلاوته تكمن باختلافه وتميزه، ومن يدري قد يكون مستقبلًا مشروعًا يحكي عنه الجميع، وتصبح من كبار سيدات الأعمال في اليمن التي يشار إليها بالبنان خاصة وأنها تملك خبرات تعليمية ووظيفية كثيرة ستساعدها في الوصول لهدفها مستقبلًا.

مقالات اخرى