فردوس الكمالي – نسوان فويس
“أغلب الوظائف التي عرضت عليّ أو تقدمت لها كان شرط التوظيف فيها أن تكون المتقدمة (كاشفة) كأول الشروط وأهمها”، تشكو (رحمة) من عدم حصولها على وظيفة نتيجة تمسّكها بالنقاب.
يحافظ المجتمع اليمني على عاداته وتقاليده المتوارثة منذ القدم، ومنها العادات المجتمعية وخاصة المتعلقة بحياة المرأة والأسرة؛ حيث لاتزال الأغلبية العظمى من النساء اليمنيات يرتدين النقاب.
(رحمة) 26 عامًا، فتاة يمنية حاصلة على بكالوريوس محاسبة من كلية التجارة بجامعة صنعاء بتقدير جيد جدًا، إضافة لدبلوم في قيادة الحاسوب، وشهادة إتقان اللغة الإنجليزية (التوفل).
تقول (رحمة) إن اشتراط منع النقاب أضحى عائقًا أمامها في كثير من الوظائف الإدارية التي قدمت عليها في أغلب المؤسسات والبنوك والمنظمات المحلية، في الوقت الذي تعيش في مجتمع محافظ أغلب النساء فيه يرتدين النقاب.
رفضت رحمة قبول تلك الوظائف التي تشترط عدم ارتداء النقاب، لأسباب عديدة كون النقاب معتقد ديني؛ حسب قولها، وعادات مجتمعية تربّت عليها، بالإضافة لتمسّك أسرتها بضرورة ارتداء النقاب.
(قطعة قماش تغطي الوجه) كما تصفه بعض الفتيات، إلا أن المرأة المنقبة اليوم أصبحت تعاني عند تقديمها للوظيفة من اشتراط بعض المؤسسات الخاصة التي لا تقبل المرأة المنقبة دون أي مبرر اعتباري، وهو ما تعتبره بعض الفتيات تعديًا على حرية اختيار المرأة لنقابها.
دافع رب العمل
من خلال البحث والتقصي عن صحة الاشتراطات التي تطالب بها المرأة اليمنية خارج نطاق قانون العمل والتشريعات المعمول بها فيما، وهي اشتراطات لا ترتبط بالمؤهل أو الخبرة أو غيره من المهارات التي قد تكون مهمة للعمل، سألنا محمد شمسان، أحد مدراء مكاتب التوظيف في أمانة العاصمة عن ذلك.
يقول شمسان إن ربّ العمل يطرح في حساباته أن المرأة العاملة عندما تكون كاشفة (لا ترتدي النقاب) تعطي دفعة للعمل، وواجهة حسنة، وأكثر بشاشة وتفاؤلا.
وفي ظل إحجام بعض من أرباب العمل عن الإدلاء بآرائهم حول اشتراط أن تكون الموظفة (كاشفة) تحدث لنا مدير معهد للغات في أمانة العاصمة أن اشتراطهم أن يكون الكادر النسائي بدون نقاب لـ “أهمية ذلك من ناحية اللغة للطلاب، وأن موظفة الاستقبال الكاشفة تجعل المكان أكثر إيجابية واستحسان”؛ حسب قوله.
وتُرجع (نهى عبدالجبار) إدارية في أحد البنوك بصنعاء أن كثيرًا من المؤسسات توظّف المرأة في أقسام الاستقبال والعلاقات العامة بحكم أنها أكثر لطافة وتجذب المستثمرين ما يجعلها واجهة للمؤسسة، لذلك يميلون ألا تكون الموظفة منقبة.
حقوق مغيبة
يقول المحامي (عبد المجيد صبرة) إن الدستور والقانون اليمني وقانون العمل الصادر عام 1997م حافظ على حقوق المرأة العاملة، وكفلها.
ويضيف صبرة لمنصة (نسوان فويس) أن القانون أقر في مادته الخامسة “أن العمل حق لكل مواطن، وواجب على كل قادر عليه بشروط وفرص وضمانات وحقوق متكافئة دون تمييز بسبب الجنس أو السن أو العرق أو اللون أو العقيدة أو اللون، وتنظّم الدولة بقدر الإمكان حق الحصول على العمل من خلال التخطيط الاقتصادي التي تجمل خصوصية وحق أي عامل من كلا الجنسين”.
ويؤكد (صبرة) أن تكافؤ الفرص حق محفوظ للمرأة طالما يراعي فيه حقوقها، والظروف الصحية التي قد تمر بها كما هو منصوص عليه في قانون العمل، إلا أن الجهل بالكثير من تلك الحقوق قد يعرّض المرأة للكثير من الانتهاكات اللا قانونية، خاصة في قضايا الجندر (النوع الاجتماعي)، وتغييب مفهومه لدى الأغلبية في المجتمع، وعدم وجود نصوص واضحة ما يجعل المرأة غير مدركة لحقوقها وعرضه للانتهاك.
في كثير من الحالات تُحرم الفتاة من فرصة العمل التي تقدمت لها واشترط أصحابها أن تكون كاشفة، البعض قد تذهب للبحث عن فرصة أخرى تتوافق مع حقها بالتمسك بالنقاب، وأخريات قد يفضلن الجلوس في البيت.
وفي هذا الشأن تحدثت عضوة اتحاد نساء اليمن (فوزية المريسي) أن الاتحاد لم يتلقَ قضايا من هذا النوع، وقد يكون ذلك لعدم توفر إحصائيات بهذا الشأن، كما أن أصحاب العمل يمتنعون عن الإعلان صراحة برفض المرأة المنقبة.
وتضيف (المريسي) أن عدم تلقي الاتحاد لهذا النوع من القضايا قد يعود لكون مستوى الوعي المجتمعي تجاه قضايا المرأة لا يزال متدنيًا، إضافة لتوجّه العديد من النساء للبحث عن فرص عمل أخرى متاحة في حال واجهتهن أي من الانتهاكات أو الفصل التعسفي.
وتؤكد أن الاتحاد يعتبر قضية النقاب حرية شخصية للمرأة بحكم العادات والتقاليد المجتمعية، بالإضافة إلى أن اتحاد نساء اليمن يدافع عن المرأة في سياق حقوقها والواجبات الملزمة لها.
وتوجّه المريسي النساء اليمنيات اللواتي يتعرضن لانتهاكات أن لا يتركن حقوقهن مهدرة بعدم التوجّه للسلطات المعنية كالقضاء والمنظمات الحقوقية الخاصة المرأة بعد أن تم تغييب نقابات العمال بسبب الوضع الراهن في البلاد.
وتؤكّد أيضًا على دور الاتحاد، وإمكانية أن يقوم بالنزول إلى ربّ العمل للمصالحة والتفاوض معه، وفي حال حدوث أي فصل تعسفي أو مصادرة للحقوق تتوجّه المرأة إلى المحكمة، ويقوم الاتحاد بتوكيل محامٍ مع التكفّل بكافة أتعابه.
رفضت (رحمة) ومعها زميلاتها الشروط الجندرية، وأكّدن مواصلتهن السعي والعمل على أخذ حقوقهن كاملة؛ تقول (رحمة): “مازلنا متمسكات بجميع حقوقنا في العمل بالتوازي مع الحفاظ على مبادئنا باعتبارها حرية شخصية لا دخل لها بجدارتنا وأهليتنا في العمل”.