الأم المطلقة.. صراع بين الاحتياج الشخصي والتضحية من أجل الأولاد

شارك المقال

أمل وحيش- نسوان فويس 

مواجهة صعبة تخوضها الأمهات المطلقات، حيث يعشن صراعًا داخليًا، بين رغبتهن في الزواج مرة أخرى بعد تجربة سابقة لم يُكتب لها النجاح، لأسباب أو لأخرى، وبين الرغبة في توفير الاستقرار الدائم والحنان لأطفالهن.

لا شك أن تجربة الطلاق لم تكن بتلك السهولة، ولم يكن خيار المرأة لو لم يكن هناك آثار جانبية أضرت وإن استمرت العلاقة ستضر بشكل أكبر، لتصبح تجربة مرهقة نفسيًا وعاطفيًا وحتى ماديًا وتؤثر بشكل كبير على الأمهات وأطفالهن، وفي الوقت الذي يبحثن فيه عن الاستقرار العائلي والعاطفي، وإيجاد شريك مناسب لهن يعوضهن عما فقدنه في تجربتهن السابقة، يبقى الصراع قائم ما بين رغبتهن واحتياجاتهن الشخصي، وبين خوفهن على أطفالهن في حال اخترن الزواج . 

صراع 

تزوجت (أم راكان) اسم مستعار في سن مبكر، وتسابقت الساعات والأيام وبلمح البصر مرت 9 سنوات على زواجها الذي كان نتاجه طفلين ولد في السابعة من عمره وبنت في الرابعة، تحملت الإهمال والتقصير من قبل الزوج، مراعية ظروفه إلا أنه لم يكن على قدر المسؤولية، بل لم يكن يهتم لوجود امرأة وأطفال في حياته، وكل ذلك من أجل أن ترضي والدها ووالدتها فالعريس قريبها -ابن عمها وابن خالتها بذات الوقت- وبالرغم من رفضها الزواج به منذ البداية كونها كانت تعتبره أخًا لها بحكم العيش في منزل واحد منذ الطفولة، إلا أن والدها وعمها أصرّا  وكانت النتيجة طفلان وأم تتجرع مرارة السنوات التسع، وهذه العاشرة بعد أن اتخذت قرارًا يعد جريئًا بالنسبة لأهلها ومن حولها بأن طلبت الطلاق، تقول (أم راكان) اسم مستعار: “كرهت العيشة معه تحملت، قلت عيتغير عيهتم عيصرف لكن ما بش فايدة ولا كأني زوجته وهم عياله”. 

 مر عام على انفصال (أم راكان) عن زوجها وما يزال والدها في كل مرة يصر عليها بالعودة إليه في الوقت الذي تؤكد لمنصة (نسوان فويس) بأن زوجها لم يكن يهتم بها أو يسأل عنها وهي في عصمته، وحتى بعد الطلاق لم يفكر بأطفاله ولا يهتم بهم ونادرًا ما يسأل عنهم وتضيف “اضطريت أخرج اشتغل عشان أوفر لعيالي أكل وملابس واشتري لهم اللي نفسهم فيه لأن أبوهم وأهله ما قد مرة فكروا يكسوهم أو يعاملوهم على أنهم عيالهم”. 

تتحدث (أم راكان) اسم مستعار التي تبلغ 28 عامًا بغصة عما عانته نفسيًا خلال السنوات الماضية، وتتمنى أن تعوضها الحياة بشخص يقدرها ويتحمل المسؤولية، ولكن أمنيتها لا يمكن أن تتحقق حسب قولها لأنها كلما تقدم أحد لخطبتها تدخل في صراع نفسي ينتهي بالرفض خوفًا على أطفالها من أن يكرهوها كما تقول: “أخاف يتعقدوا مقدرش اتزوج واخليهم عيعلموهم اني تركتهم وهم صغار وعيكبروا وهم حاقدين عليا”. 

هكذا ترى (أم راكان) الوضع في حال هي تزوجت وتركت طفليها، على الرغم من نصائح الكثير من الصديقات والمحبين لها بأن تعيش حياتها وتتزوج فهي ما تزال صغيرة في السن وجميلة ولها الحق بأن تتزوج مرة أخرى مطمئنين لها خوفها على أولادها بأن (والدتها وخالتها والدة طليقها) سيهتمون بهم إلا أنها في كل مرة تفكر بالأمر تعود لتكابد مرارة الحيرة والصراع بين أن تلبي احتياجاتها كأنثى، وبين التضحية بسعادتها ورغباتها من أجل أن تربي أطفالها. 

أمي سبب طلاقي!

 “طليقي كان مسكين بس أمي كانت سبب مشاكلي وبعد طلاقي صارت أكبر عدوة لي”، بهذه الكلمات  تصف (أم يزن) التي تبلغ ال27 عامًا  تصرفات والدتها التي أفقدتها استقرارها الأسري وكانت سببًا في الوصول للطلاق وحرمان أطفالها من والدهم، حيث أنها أم لطفلين أكبرهم في التاسعة من عمره، ويعود سبب طلاقها حسب قولها إلى أن والدتها كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتها الزوجية وتحرضها على زوجها باستمرار وكانت تمنعها من أن تساعد في مصاريف البيت والأولاد، وبدورها كانت تسمع كلامها ظنًا منها أنها تريد مصلحتها ولم تستفق إلا وهي حاملة لقب مطلقة، وحين عادت لمنزل أهلها عادت وفي حجرها طفلين وعلى الرغم من أنها موظفة إلا أن والدتها وأهلها لا يدعوها وشأنها بل يضيقون عليها الخناق متحكمين في كل صغيرة وكبيرة في حياتها هي وأطفالها وهذا ما يجعلها تفكر مرارًا بالزواج والخلاص من المعاملة العنيفة المتمثلة بالعنف النفسي الذي تتعرض له في بيت أهلها حيث كانت تظن (أم يزن) أنها في حال تطلقت ستحظى بالراحة والانتهاء من الضغوط والمشاكل التي كانت تغذيها والدتها، إلا أن العكس هو ما حدث، لهذا تفكر بالزواج هاربة من الضغوط النفسية آملة أن تجد رجلًا يتحمل المسؤولية ويحمل عنها العبء، وكل همها أن ترتاح قليلًا من هم المسؤولية، ولكن خوفها من المجتمع وكلام الناس هو ما يجعلها تعيش صراع مستمر ما بين المشاكل المستمرة في بيت أهلها وبين الزواج والإتيان لأطفالها برجل غريب حيث تقول: “الناس إذا تزوجتي قالوا ليش تزوجت تجلس فوق عيالها، وإذا ماتزوجتي قالوا ليش ما تزوجت حتى الآن”، وتستغرب (أم يزن) من العنصرية في التعامل ما بين المرأة والرجل فيما يتعلق بالطلاق واصفة المجتمع بأنه لا يرحم كونه يعتبر المرأة المطلقة آثمةً بينما الرجل لا ينتقده أحد حسب تعبيرها.

وتقول عن الزواج مرة أخرى خاصة في ظل وجود أطفال ناصحة كل أم مطلقة وتحديدًا تلك التي عانت وتعبت من تحمل المسؤولية لوحدها: “اللي تشوفه المطلقة مناسب لها ولاطفالها تسويه، لأنه بكل الأحوال ما راح تسلم من الكلام”.  

ضرر

 الدكتورة (ألطاف الأهدل) مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام/مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بتعز لا ترى أن زواج الأم المطلقة يترتب عليه أي ضرر خاصة إذا كان أطفالها في حضانتها وذلك في حال توفرت شروط لهذا الزواج منها أن يكون الزوج متفهم وواعي لواقع الزواج الذي ينتظره مع أم لها ماضي وتاريخ أسري، إضافة إلى وعي الأم بهذا القرار ودراسته جيدًا ووجود الأسباب الداعية لاتخاذ هذا القرار، كما تشدد (الأهدل) على أهمية إدراك الأطفال للوضع الأسري الجديد وتعريفهم بأدوارهم ومهامهم الجديدة في ظل وجود شخص غريب سيصبح فردًا من أفراد الأسرة، يليه تحديد الأدوار والمهام والمسؤوليات التي تقع على عاتق الزوج والزوجة بشكل واضح ومفصل منذ البداية، والأهم مباركة أسرتيّ الزوجين لهذا القرار حسب قولها.

وحول تأثر الأطفال من زواج والدتهم تؤكد (الأهدل) أن هناك تأثر في حال رجحت الأم كفة الرغبة والاحتياج العاطفي أو المادي على رغبة الاستقرار وإعادة بناء التكيف الطبيعي مع واقع الحياة، و ترى أن هناك فجوة بين النقص والاحتياج تتسع يومًا بعد يوم بين الأم والأطفال من جهة وبين الزوجين من جهة أخرى كونها لم تجتهد على بناء علاقة سليمة ومتوازنة.

تهيئة

عن الصراع النفسي الذي تمر به الأم المطلقة تقول الدكتورة ( الأهدل): “تعيش الأم المطلقة نوعًا من الصراع النفسي بين فطرتها كأم وفطرتها كأنثى لكن مساحة الاحتياج النفسي والفطري والأخلاقي يدفع بهذه المرأة لاتخاذ القرار الملائم لحياتها وحياة أطفالها مهما كان صعبا”، وتضيف بأن هناك تهيئة نفسية وفكرية للمرأة يجب أن تتم قبل اتخاذ قرار الزواج وقبل البدء بتنفيذه متمثلة بتهيئة الأطفال لاستقبال أب جديد، وكذلك الحفاظ على أسرار العلاقة السابقة وجعلها طي الكتمان، أيضًا ترتيب أولويات هذه العلاقة والحرص على بقاء أطرافها في منطقة سلام أسري مناسب لكل فرد فيها، كما تفضل (الأهدل) عدم إنجاب الزوجة من زوجها إلا بعد التأكد من حدوث الانسجام والتوافق بين أطفالها وما تصفه ب (الأب) الجديد.

يحق للأم المطلقة أن تستقر عاطفيًا وماديًا وتعيد تجربة الزواج مرة أخرى ولكن بشرط أن يتم اتخاذ القرار بطريقة عقلانية مدروسة ومنصفة لكل أطرافه خاصة الأطفال حسب ( الأهدل) التي توجه كلمتها الأخيرة عبر منصة (نسوان فويس) للأمهات المطلقات قائلة: “الطلاق ليس نهاية العالم والزواج لن يعطيك كل شيء، كلاهما أمران طبيعيان وشرعيان وفطريان ، تعلمي فقط متى تكوني أمًّا حقيقية وكيف تعيشين أنوثتك الفطرية، أنتِ قارب النجاة لهؤلاء الصغار فلا تنسي حمل مجدافك قبل أن تبحري بهم إلى شاطئ الحياة”.

تظل المرأة هي الحلقة الأضعف في قضية الطلاق، لأنها تتعرض بشكل كبير للصراع الداخلي والضغوط والعنف النفسي المجتمعي الذي يحملها خطيئة لم ترتكبها، إضافة إلى كونها أم مطلقة تتملكها عاطفة الأمومة التي تدخلها في دوامة التفكير والشتات المستمر، فالأمهات المطلقات يعلمن أن قرار الزواج مرة أخرى يتطلب تفكيرًا وتخطيطًا دقيقًا، لذا يجب أن يأخذن بعين الاعتبار تأثير هذا القرار على حياة أطفالهن وحضانتهم، ويأخذن الوقت الكافي للتفكير والتشاور والوصول إلى قرار يتوافق مع احتياجاتهن واحتياجات أطفالهن وذلك لن يتم دون مساعدة المقربين والصادقين من الأهل والأحبة.

 

مقالات اخرى