أمل وحيش- نسوان فويس
يُعرّف المُسن بأنه الشخص الذي تجاوز عمره الستين عامًا، وأصبح غير قادر على القيام بكثير من الأعمال اليومية التي اعتاد على القيام بها سابقًا، وقد حثت جميع الكتب السماوية والقوانين الدولية على الاهتمام بالإنسان بما فيهم المسنين، وسبقهم في ذلك قوله تعالى حين أوصى ببر الوالدين وهما من كبار السن: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقّر كبيرنا”، وهذا ما يعني أن كبار السن لهم قدر كبير في المجتمع، وينبغي احترامهم وتوقيرهم.
وفي المجتمع اليمني ما يزال هناك احترام كبير لكبار السن، سواء كانوا من أفراد العائلة أو من خارجها على الرغم من وجود بعض الثغرات اللاأخلاقية، أو التصرفات الفردية التي تدل على ضيق صدر صاحبها، وفي هذه المادة التي سلطنا الضوء فيها على التعامل مع المسنين في يومهم العالمي الذي يصادف الأول من أكتوبر وجدنا بعض المعاملات السيئة التي تؤثر سلبًا على النفس.
معاملة الحفيد
“محد مثل الزوج حتى لو قده شيبه يكفي كان سؤاله عني كل شويه ويقول للعيال أمكم انتبهوا لها لا تفلتوها” هكذا تعبر لنا
(أم عبدالرحمن) ذات ال68 عامًا عن فقدها لزوجها المتوفي منذ ما يقارب 3 أعوام ، بالرغم من شكرها لأولادها وبناتها وتأكيدها على طاعتهم لها رغم تقصيرهم في أمور ما، ولكنها بقلب الأم تعذر تقصيرهم بانشغالهم بحياتهم الخاصة وأعمالهم وأبنائهم.
(أم عبدالرحمن) لديها خمسة أبناء وتعيش في بيت العائلة في إحدى قرى إب، ونادرًا ما تزور صنعاء وتقضي فيها أسابيع قليلة مع أحد أبنائها الذي تعتبره أكثرهم طاعة واحترامًا لها، وتشكر زوجة ابنها كونها هي الأخرى تتعامل معها بأدب وأخلاق حسب وصفها وإن تذمرت من تصرفاتها في بعض الأوقات، ولكن ما يؤلم (أم عبدالرحمن) هو تعامل بعض أحفادها معها خاصة البنات حيث تقول أنهم لا يرغبون بالجلوس معها وتبادل أطراف الحديث، ومنشغلون بالهواتف المحمولة، وكلما أرادت الخروج مع بنات ابنها يتحججن بأنهن سيذهبن للتسوق، والسوق مزدحم، وفي حال أصرت عليهن للخروج كونها لا تحتمل الجلوس بين أربعة جدران فإنهن يرفضن لأنها ستأخرهن بسبب مشيها البطيء، وهذا يحرجهن أمام الناس.
“يقولين لي ياجدة احنا نشتي نخرج ونرجع سريع وانتي عتأخرينا تمشي دلا دلا وخزا نجلس نداديش قبال الناس”، مع ذلك تلتمس لهن الأعذار بأنهن غير واعيات وتختم بالدعاء لهن بالهداية وأن يرزقهن الله بأزواج صالحين كما هو حال الجدات العطوفات على أحفادهن.
من سيتولى المهمة
“عماتي يقولين عليكن انتبهين لها، ويجين يجلسين شويه كأنهن ضيوف ويمشين ولا كأنها أمهن” بهذه العبارة تعبر (ش.ا) عن حنقها وغضبها من تعامل عماتها مع والدتهن المريضة التي تجاوزت السبعين من عمرها ومُقعدة من فترة وجيزة نتيجة مرورها بوعكة صحية، ولأنها تعيش في بيت ابنها فإنه المتكفل بها، إلا أن (ش.أ) ترى بأنه من العدل تقسيم المهام وتعاون بناتها بالاهتمام بوالدتهن والسهر معها: “عماتي يجين يزورينها شويه وقامين يمشين، ولما قلنا لهن كل واحدة تكون تجي يوم معاها قالين هوذا انتين بنات ابنها ما بفعلوا بكن”.
شيء محزن ألا يدرك المرء فرصة بره بوالديه خاصة في وقت شدته ومرضه، قد تكون اللحظات الأخيرة في حياته، ربما سيندم و يتمنى عودة والديه للحياة، فقط ليعتذر، و يغتنم الفرصة قبل فوات الأوان، وهذا ما حدث مع جدة (ش.أ) التي فارقت الحياة بعد أن كان مزمعًا إجراء عملية جراحية لها بعد شهرين، ولكن شاء القدر أن تغادر إلى مليك مقتدر حتى لا يضيق صدر من حولها بمرضها، ويتصارعون من منهم أولى برعايتها.
وصية قديمة
تذهب (أم عمر) كل يوم لتنام في بيت ابنة خالتها التي تعرضت للسقوط في حوش منزلها الصغير وأصيبت جراء ذلك إصابة بالغة، إضافة لكونها كبيرة في السن ومريضة.
تقول (أم عمر) بإن ابنة خالتها تزوجت مرة واحدة وعاشت مع زوجها لسنوات ولكنها لم تنجب، وانفصلت بعد ذلك لتقضي بقية حياتها وحيدة في بيت صغير بنته لها من ورثها وهو قريب من إخوانها وأبنائهم، ولدخولها منتصف العقد السادس ونظرًا للتدهور المستمر في صحتها وضعف نظرها كانت المسنة دائمًا توصي (أم عمر) بالاعتناء بها في حال اشتد عليها المرض أو أصبحت طريحة الفراش، وهذا ما تقوم به حاليًا فقد تركت بيتها وزوجها وذهبت للاعتناء بقريبتها ومستمرة منذ أيام بالمبيت معها، وتتمنى أن تشفى وتعود لممارسة حياتها الطبيعية لأنها حسب (أم عمر) تعد أطيب شخص تعامل معها بصدق وحب وكانت تسأل عنها باستمرار، لذلك تؤكد بأنها لن تتركها حتى يكتب الله لها العافية أو يأخذ أمانته حسب قولها.
مضيفة عن نفسها بأنها في بداية الخمسينات من عمرها وتخاف أن يأتي اليوم الذي لا تجد فيه من يسندها في أواخر أيامها، وتقول (أم عمر): “دائمًا ادعي الله إن الموت يجي بدون مرض عشان ما أمحن أحد ولا أحد يتململ ويزنزن أنه منتبه لي”.
أمنية (أم عمر) كانت ذاتها أمنية عمها والد زوجها الذي كان عزيز نفس حسب وصفها وبعمر السبعينات، فدائمًا ما كان يدعو باستمرار بأن يموت دون أن يتعب أحدًا معه وهذا ما تحقق له حيث تقول بأنه خرج من البيت بخير لا يشكو من شيء وشاء القدر أن يموت بحادث سير.
معاملة سيئة
“رأيت مسنًا قد يتجاوز عمره ال70 عامًا يجلس أمام أحد المحلات ليطلب الناس (شحات)وكان هناك أحد الشباب يظهر أنه في بداية العشرينات يشده من قميصه ويطلب منه مغادرة المكان، ويصرخ في وجهه آمرًا إياه ألا يجلس أمام المحل مرة أخرى، بينما الرجل العجوز كان يبدو عليه الخوف قام على الفور متكئًا على عصاه يترنح يمنة ويسرة، يبحث عن حذائه المقطوع (الشبب) كي يلبسه ليغادر المكان ويعلو وجهه الحزن والألم، كنت على مسافة لا تمكنني من التدخل فقد لمحته من نافذة المنزل، هذا المشهد يعبر سوء التربية كيف لشيخ طاعن في السن أن يتم معاملته بتلك الطريقة المزرية، إنما يدل هذا على سوء تربية من قبل ذلك الشاب المتعالي”، هكذا روت لنا (أم ريتال) قصة حدثت قبل أيام أمام عينيها، مستنكرة ما يتعرض له كبار السن من عدم احترام وتقدير من قبل الأجيال الجديدة
أرقام
اليوم العالمي للمسنين هو يوم يحتفي به العالم بكبار السن في 1 أكتوبر من كل عام، وهو أحد أعياد الأمم المتحدة، وقد اعتمد في 14 ديسمبر، 1990م حيث صوتت جمعية الأمم المتحدة العامة لإقامة يوم 1 أكتوبر بمثابة اليوم العالمي للمسنين وكان أول احتفال باليوم العالمي للمسنين في عام 1991م، ويتم الاحتفال باليوم العالمي للمسنين لرفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن، كالهرم وإساءة معاملة كبار السن.
وبحسب الأمم المتحدة ففي العام ٢٠١٩ بلغ عدد الأشخاص الذين تخطّوا ال٦٥ من أعمارهم حول العالم ٧٠٣ ملايين، أو ما يقارب ١٠% من مجموع سكان العالم، وتشير التقديرات إلى أنه بحلول العام ٢٠٥٠م سيتضاعف عدد كبار السن ويصل إلى ١.٥ مليار شخص، بحيث يكون شخص من بين كل ٦ أشخاص في العالم قد تخطّى ال٦٥ من عمره.
تميل النساء إلى العيش لفترة أطول من الرجال، وبالتالي يشكلن غالبية المسنين، ففي عام ١٩٥٠م كان من المتوقع أن تعيش النساء إلى ما يقرب من ٤ سنوات، أكثر من الرجال على مستوى العالم، وفي عام ٢٠٢١م ارتفع الفارق بين الإثنين إلى أكثر من ٥ سنوات.
الإنفوجرافيك التالي يوضح أرقام حول المسنين في اليمن:
رفقًا بهم
كبار السن كانوا يومًا ما شبابًا، ولا يرضون بأن يعاملهم أحدًا بتعالي أو استنقاص، وفي هذه المرحلة العمرية من حياتهم فهم بحاجة إلى تعامل مختلف يتسم باللين والرحمة، وحسن التعامل معهم يدل على تربيتنا تربية صحيحة منذ النشأة، لذلك يوصي المختصون بضرورة التكاتف من أجل توقير هؤلاء المسنين، وإشعارهم بأنهم ما يزالون نور وبركة بيوتنا وحياتنا ككل، ومن هنا يوصي المعنيين بعلم النفس وعلم الاجتماع إلى أهمية الاهتمام بصحتهم، والحديث معهم قدر الإمكان وعدم التذمر والضجر من حديثهم وقصصهم، ويدعون إلى مصافحتهم وأخذهم بالأحضان فهم بأمس الحاجة للشعور بأن وجودهم ما يزال مهمًا بالنسبة لمن حولهم، ولا ننسى أن نعلم أطفالنا بأن لحظات الجلوس مع كبار السن تعلمهم دروسًا في الحياة لن تعلمهم إياها الكتب، أو مواقع الإنترنت التي أصبحت تلهيهم عن كل ما هو جميل، ولا يعوض إن اختفى تمامًا كما هو مع الأجداد وكبار السن ممن حولنا، فرفقًا بهم، فإنّهم بزمانٍ غير زمانهم.