(غدير) طفلة في حضانة جدتها تبحث عن جواز سفر..والقانون يُعرقل!

شارك المقال

أمل وحيش – نسوان فويس 

عندما يتعلق الأمر بالحفيد، فإن الجدات يقمن بدور محامي الدفاع عن أحفادهن، ويُعتبرن الصدر الحنون، والقلب الرحيم الذي لا يمكن أن يؤذيهم، لأنه كما يقال في المثل (أعز من الولد ولد الولد). وهذا هو الحاصل مع الطفلة (غدير عصام.م.س) ذات الأربعة عشر عامًا،من منطقة وصاب العالي، تدرس في الصف التاسع الأساسي، وتسكن في العاصمة صنعاء في بيت جدها و حضانة جدتها التي لا ترضى لأحد أن يجرحها، أو يسيء إليها، وإن أحدهم مسها بكلمة ولو مازحًا وكأنه مسها هي، وتعتبرها أمانة تحملت مسؤوليتها من قبل أن تأتي إلى الدنيا.

الحاجة (حيسان السوادي) جدة الطفلة (غدير) ترغب بالسفر إلى المملكة العربية  السعودية لزيارة ابنها والبقاء معه هو وعائلته لأشهر، ولكنها ترفض السفر بدون حفيدتها، ولذلك طُلب من الأب أن يسمح للطفلة بالسفر مع جدتها، وكل ما يريده أخوال(غدير) هو موافقة خطية من الأب تجيز سفر ابنته مع جدتها، ولكن القانون يشترط موافقة الأب لمنح الطفل أوراقًا رسمية أو جواز سفر وهو ما رفضه والد الطفلة. 

لامسؤولية

إذا عدنا إلى  البداية فإن الحاجة (حيسان) تُعتبر عمة والد (غدير) وقد زوجته من ابنتها وسكن معهم في نفس المنزل، وعلى الرغم من أنه لم يكن لديه عمل إلا أنها وبمساعدة ابنتها وأبنائها عملوا جاهدين لدعمه من أجل استخراج فيزة والسفر إلى السعودية للعمل، ولكنه كان ناكرًا للمعروف بحسب عمته الحاجة (حيسان) فقد أهمل زوجته وابنته أكثر وفي كل مرة يأتي لهم بأعذار، وعلى الرغم من الصبر عليه وادخال ابنتها لتعيش معه في المملكة إلا أنه عاملها هي وطفلتها بعنف، وإهمال وتجاهل، وهذا ما دفع ابنتها للعودة بطفلتها هاربة من سوء المعاملة.

وبحسب الجدة فإن ابنتها كانت تعيش في رعب مستمر مع زوجها السابق ووالد ابنتها بسبب عصبيته وتعامله العنيف حتى مع الطفلة التي لم تكن قد بلغت العامين، إضافة إلى إهماله لها وعدم تحمله المسؤولية، لذلك انفصلت عنه ،وبعد الانفصال كلا منهما اختار طريقه، بينما الطفلة (غدير) اختار لها القدر العيش في كنف جدتها التي تعتبرها ابنتها وترفض أن يأخذها أحد منها كما حصل في الآونة الأخيرة، حيث طلب والد (غدير) أن تعود الحضانة له وبأنه يريد إدخالها للمملكة لتعيش معه هو وزوجته، وهذا ما رفضته الطفلة التي تعترف بوالدها على الورق ولكن في الحقيقة تؤكد بأنه لم يكن أبًا حقيقيًا بالنسبة لها، فهو لا يسأل عنها ولا يعرف ما هي احتياجاتها، حتى أنه لا يعرف بأي مرحلة تدرس.

 

أشتي جدتي

كانت (غدير) قد أرسلت لوالدها تسجيلًا صوتيًا طلبت منه أن يسمح لها باستخراج جواز سفر لتسافر مع جدتها ولكنه رفض وأخبرها بأنه سيستخرج لها هو الجواز ويدخلها للعيش معه، وهذا ما ترفضه الطفلة رفضًا قاطعًا حيث تقول: “أشتي أعيش مع جدتي واشتي جواز سفر عشان أسافر معها” وتضيف “أبي مارضي قال ما بلا هو يدخلني ويسوي لي إقامة وأنا مشتيش أجلس عنده أشتي أجلس عند جدتي”، هكذا تقول (غدير) لمنصة (نسوان فويس) معبرة عن رغبتها بالسفر مع جدتها التي تكفلت بتربيتها منذ طفولتها، وعن سبب رفضها العيش مع والدها تقول: “لأنه شخص عصبي، عنده أسلوب الضرب، وماعنده شي اسمه التفاهم”.

زواج مبكر

“عندهم الزواج المبكر دايمًا في عائلتهم يتزوجوا زواج مبكر” هكذا تقول (غدير) مبررة خوفها من العودة لحضانة والدها حيث تخاف أن دخولها إلى المملكة عن طريق والدها سيكون له أثرًا سلبيًا على حياتها، خاصة وأنها سمعت أن والدها ينوي تزويجها بابن عمها، وهذا ما أكدته والدة الطفلة التي تقول بأن عمة (غدير) فاتحتها بموضوع خطبة ابنتها لابن عمها لكنها رفضت واخبرتها بأن ابنتها ماتزال طفلة  ويستحيل أن تزوجها بسن مبكر، وبأنها تريدها أن تكمل تعليمها.

تعنيف

(غدير) تخبرنا بأن معاملة والدها لها هي من جعلتها تفضل البقاء مع جدتها، فهو لا يسأل عنها، ولا يرسل لها بمصاريف إلا مبلغ يسير خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر، وانقطع بعد ذلك، إضافة إلى أن آخر مرة تواصل بها كانت وهي في الصف السادس، إلى أن طرأ موضوع السفر واضطرت للتواصل معه لتقنعه بأنها ترغب بالسفر مع جدتها فرفض وكانت ردة فعله صادمة بالنسبة لفتاة بمثل سنها، وأخبرها بأنه سيدخلها هو لتعيش معه وهو ما ترفضه تمامًا كونه متزوج بامرأة أخرى وطبعه قاسي ولا تعرف كيف يمكن أن تعيش معه وهي لا تعرف منه الحنان ولا الاهتمام الذي وجدته لدى جدتها حسب قولها.

الأمان المفقود

ما دفع الحاجة (حيسان) للحديث عبر منصة (نسوان فويس)  هو أن أخوال الطفلة يريدون إدخال والدتهم لزيارتهم في المملكة العربية السعودية وهي ترفض أن تدخل بمفردها تريد إدخال حفيدتها معها كون كلاهما متعلقتان ببعض بشدة، إلا أن والد (غدير) رفض رفضًا تامًا السماح لها بالسفر و بادر بالمطالبة بابنته وعودتها لحضانته، وهو ما زاد قهرها وخوفها على حفيدتها التي لا ترغب بالعودة لحضانة والدها، وخوفها عليها كون والدها بحسب كلام جدتها غير حنون أو مسؤول، بل يعرف على مستوى العائلة بأنه عصبي ولا يتعامل إلا بالعنف وهي بذلك لا تأمن على الطفلة بالعيش معه، مستذكرة ماحدث ل (غدير)  عندما كانت رضيعة لم تكمل عامها الثاني فقد تسبب عنفه بكسر أنفها نتيجة لرميه إياها حتى اصطدمت بأنبوبة الغاز وانكسر أنفها وتضيف معللة خوفها بأن من يعنف طفلة بهذا العمر كيف ستأمن عليها معه وهي في هذه المرحلة المهمة من حياتها  التي تحتاج فيها الرعاية والاهتمام أكثر: “كيف شأمنه من اليوم ومطلع وقدوة مزوج وما دورها إلا لما مرته ولدت ليش ما دورها من قبل”.

الحاجة (حيسان) تسترسل في الحديث لمنصة (نسوان فويس) والدموع تنهمر من عينيها متسائلة عن السبب الذي جعل والد حفيدتها يسأل عليها في هذا التوقيت وتهديده لهم بأنها ابنته وهو حر بها وفي حال رفضت الطفلة أو أحد من أهل والدتها سيأتي ويشدها من شعرها حسب قولها عندما حاول والده نصحه بعدم أخذ الطفلة من جدتها، و الموافقة على منحها جواز سفر: “مدري ليش الآن سأل هذا الشي اللي حيرني، الآن يشتيها خدامة بعدما تزوج”.

طريق مسدود

ولأن الصلح والتفاهم خطوة ينبغي اتخاذها قبل اتخاذ أي خطوة أخرى تقول الحاجة (حيسان) بأنهم اتخذوا كل الأسباب للتفاهم مع والد (غدير) للسماح لها بالسفر معها للمملكة العربية السعودية لكنه يرفض ولا يستمع لأي وساطات وبأنهم وصلوا معه لطريق مسدود وتضيف: “هلكت أحاول والله ما خليت مجال إلا وقد حاولت، اتصلنا لكل اللي نعرفهم من إخوته لعيال عمه، أنا ما كلمته لأنه مايرضيش يرد عليا طول عمره عاد شيرد عليا ذحين”.

بذات الوقت يقول خال الطفلة (غدير) الأخ ( محمد المنصوري): “حاولنا معه، كلمناه بكل الطرق، كلمنا ناس، ودخلنا وساطات ولا نفع معه شي” ويقول بأنه اضطر للخروج من السعودية من أجل هذا الأمر كي ينهي إجراءات معاملة والدته وابنة أخته من أجل الدخول كزيارة، إلا أن والد الطفلة- وهو ابن خاله- تعنت معهم ورفض أن تسافر مع جدتها وخالها.

ويؤكد خال الطفلة أنه تحدث مع ابنة أخته مرارا وتكرارًا في حال كانت ترغب بالدخول لوالدها إلا أنها رفضت وتبكي باستمرار لمجرد ذكر فكرة الانتقال للعيش مع والدها والابتعاد عن جدتها، وبأنها وقد تدخل الجميع من أجل إقناعه بالموافقة للسماح للطفلة بالسفر حتى والده وبقية إخوانه إلا أنهم لم يفلحوا بحسب كلامه. ويرى (المنصوري) إن اشتراط القانون موافقة الأب شرط ظالم وغير منصف معللًا ذلك بأنه من حق الحاضن أن يذهب وراء مصلحة الطفل وبأن جدتها لا يمكن أن ترضى لها بالضرر، وكذلك أخوالها الذين تكفلوا بها منذ طفولتها ويعتبرونها ابنتهم.

شرط

للحاجة (حيسان) شرط يمكن أن يجعل قلبها يطمئن ولو بنسبة بسيطة إن (غدير) اختارت السفر لوالدها على الرغم من رفضها القاطع، إلا أن الجدة تشترط أن يقوم الأب بكتابة ورقة تعهد بعدم التعرض لحفيدتها، أو ضربها أو تعنيفها ، وهذا ما يرفضه الأب، ويصر على عناده بحسب قولها: “قلت لهم افعلوا له ورقة لو هو وبنته سدوا اني خلص اسلمه بنته، أهم شيء يسد هو وبنته، لا يقهره، لا يضربه، أنا داري انه بنته مانيش منكر بس هو مش راضي يعترف إنها بنتي، منكر قال شيجي يسحبه بشعره ويبزه”.

عيشة كريمة

الطفلة غدير تعيش في بيت جدها عيشة كريمة، بحسب ما ظهر لنا، وتتمتع بمعاملة خاصة مثلها مثل بقية الفتيات في البيت، وبحسب غدير فإنه لا ينقصها شيء وكل ما تحتاجه تجده، وبأن جدتها وأخوالها لم يقصروا معها بشيء، بينما والدها لم يتذكرها ولو مرة حتى باتصال للسؤال عنها وتؤكد بأن الحنان والاهتمام الذي فقدته من والدها عوضتها إياه جدتها وأخوالها.

أنا بذمة القانون

عندما أخبرنا الحاجة (حيسان) بأن القانون يجيز للأب منع أبنائه من السفر إلا بموافقته تقول: “أيش رأيكم أني بذمتكم، لو كان الحكم بيكون هكذا إنه يأخذها واديها لناس فجرة ظلمه هذا شخص عنيف والناس مرة داريين إنه عنيف”.

وعن تدخل والده (أخوها) من أجل حل الخلاف بينهم ومنعه من أخذ الطفلة من جدتها تؤكد بأنه حاول معه وطلب منه عدم جرحها ولكن  ابنه لا يسمع لأحد إلا لنفسه حتى أنه طلب من والده عدم التدخل.

ما تتمناه الحاجة (حيسان السوادي) هو أن يتراجع الأب عن قراره ويمنح ابنته جواز سفر كي تستطيع أن تسافر برفقتها وهي مطمئنة، مع تأكيدها بأنهم لا يطلبون منه أي شيء فهم متكفلون بها منذ  البداية وإنما كل طلباتهم تتمثل بمنحها الموافقة على إصدار جواز سفر.

وقفة قانونية

يعرف الطفل في قانون (حقوق الطفل) اليمني بأنه كل إنسان لم يتجاوز ثمانية عشرة سنة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك. ويوضح القانون في المادة(35) فيما يتعلق بحضانة الطفل له الحق في الاختيار “متى استغنى الصغير بنفسه خير بين أبيه وأمه عند اختلافهما على أن تكون مصلحة الطفل هي الأولى، وإذا اختلف من لهم الكفالة غير الأب والأم اختار القاضي من فيه مصلحة الصغير بعد استطلاع رأيه” بحسب نص المادة، وفي حالة الطفلة (غدير) يرى المحامي (صلاح حمزة) إن الحضانة تنتهي في عمر 14 سنة، ويخير الطفل في البقاء مع والده أو والدته، وهذا هو السن القانوني الذي يسمح للأب بالمطالبة بأبنائه ولكن يبقى لهم الخيار في اختيار من يريدون العيش معه ويكون حاضنًا لهم، ويضيف معلقًا على رفض والد (غدير) منحها جواز سفر: “بالنسبة لموقف الأب من اللازم أخذ رأيه، فإن كان له مبرر فمن الضروري مناقشته أولًا”. 

في قانون الأحوال الشخصية تنص المادة (10) “كل عقـــد بني على إكراه الــــزوج أو الزوجــــة لا اعتبار له”. وعن حق الأب بتزويج ابنته في سن مبكر يؤكد (حمزة) بأنه لا يحق للأمين الشرعي العقد إلا ببلوغ الطفلة 18 عامًا.

عنف نفسي وعاطفي

العنف ضد الأطفال لا يعني فقط العنف الجسدي، والعنف يشمل الإهمال المتمثل في عدم توفير الغذاء الكافي أو المأوى أو المودة والعطف أو التعليم أو الرعاية الطبية أو الانتباه، إضافة إلى التعامل بقسوة، ومن أسوأ أنواع العنف الذي قد يتعرض له الطفل هو العنف العاطفي المتمثل بالاعتداءات اللفظية، أو تجاهل مشاعر الطفل، أو إهماله وعدم السؤال عنه ،بالإضافة إلى عزل الطفل عن الآخرين أو تجاهله أو رفضه.

ونتيجة لكثرة قضايا الحضانة المرفوعة في المحاكم والتي ماتزال معظمها عالقة، على الرغم من تأكيد القانون على أحقية الأم بحضانة ولدها، إلا أن الإشكالية الكبرى تبقى في بعض نصوص القانون التي يطالب الكثيرون بتعديلها لتحمي الطفل من أي تصرف عنيف قد يحدث له نتيجة لهذه الثغرات التي تتيح للأب التصرف بابنه كيفما شاء وإن كان نتيجة هذه التصرفات عنف نفسي وعاطفي وجسدي، كما يطالب آخرون باحترام رغبة الطفل في اختياره مع من يبقى، خاصة وإن تأكد توفر البيئة التربوية والتعليمية المناسبة للطفل.

 

مقالات اخرى