الهجرة هاجس ضاعفته الحرب.. وحلم يطارد الشباب والفتيات في اليمن

أمل وحيش  – نسوان فويس 

يتمتع الشباب بقدرات وطاقات هائلة لو استثمرت لبنت جيلًا قادرًا على بناء وطن سيرفض أبنائه تركه والبحث عن مخرج. 

حلم السفر هاجس يطارد الشباب والفتيات على حدٍ سواء في ظل الأوضاع المعيشية المزرية التي آلت إليها البلاد بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على حرب حطمت آمال كثير من الشباب الذين يطمحون أن تتاح لهم فرصة العيش بكرامة في بلد أنهكته الصراعات وأجهضت أحلام شبابه.

موت بطيء!

“البقاء في اليمن موت بطيء لكل شاب وفتاة طموحين وعندهم أحلام كبيرة ومستحيل يحققوها على هذا الوضع بالعكس احبطوا وتحطمت معنوياتهم” هذا هو رأي (س.ض) شابة في منتصف الثلاثينات تعمل عن بعد مع عدة جهات كون تخصصها يعتمد على الرسوم والتحريك، ولكن دخلها لا يفي بالغرض ولا يكفي الشهر حسب قولها، فهي تعمل لتكتفي ذاتيًا إضافة إلى أنها تساعد أسرتها في مصروف البيت، لذلك تقول بأنها تتمنى وتحلم باستمرار بأن تسافر لتجد لها فرصة عمل في بلد مجاور يرفع مستواها المادي وتساعد أهلها، وهذا ما كُتب لها مؤخرًا فقد أُتيحت لها الفرصة وهي الآن تعامل لإنهاء إجراءات السفر، بعد إقناعها لأسرتها الذين اعترضوا في البداية ولكنها استطاعت إقناعهم بمساعدة الشركة التي طلبتها للعمل لديها  وتضيف ” الكل يشتي يسافر، ما عاد بش أحد يشتي يعيش باليمن، فقر وجوع وحصار وضغوطات نفسية لذلك الهجرة هي الحل موت ولا حياة” .

توافقها الرأي (عفاف) شابة في بداية العشرينيات حيث تقول “الوضع ما عاد يخارجنا لا عيال ولا بنات، كلنا نتمنى نسافر نعيش مثل العالم والناس”، عفاف خريجة حديثة ولم تحظى بعد بفرصة عمل، وتقول بأنها تبحث باستمرار وفي عدة مواقع على الإنترنت علها تجد فرصة عمل خارج اليمن، وتشير بأن القصص من حولها جعلتها تحبط من الواقع، وأصبحت تفكر كثيرًا بالتخلي عن فكرة الوظيفة، إلا في حال كانت بالخارج.

ضغوط

حلم السفر والهجرة لم يأتي من فراغ، فالضغوط النفسية التي غالبًا ما يكون سببها سوء الظروف المعيشية وتدهور الاقتصاد وتدنى مستوى الدخل لدى الفرد هي من أهم الأسباب التي تجعل المرء يفكر بالسفر وتحمل مشاقه طالما أن هناك أمل بأنه سيجد حياة أفضل بحسب رأي (م.ع) التي سافرت زيارة لأختها في مصر ولكن بعد مرور عامين قررت عدم العودة خاصة بعد أن أصبح إخوانها ووالدتها بجوارها، حيث تقول: “كنت أتمنى العودة في البداية بسبب الحنين للوطن والأهل، ولكن الآن خلاص أهلي معي، واليمن إن شاء الله لما تنتهي الحرب نرجع لها”.

(سماح صالح) تقول “ياليت أسافر والله من يوم أعرف نفسي وأنا نفسي أسافر، بلاد فيها حياة، كهرباء وماء ونظافة واحترام للآدمية” وتضيف بأنه حلم وهاجس لا تتوقف عنه كلما رأت وضع أسرتها المادي المتدني، وسوء المعيشة ككل، ولكنها للأسف لا تمتلك أي فرصة للسفر إلا في حال تزوجت شخص يعيش خارج اليمن حسب قولها.

 غربة

لا شك أن للتفكير بالهجرة ثمن باهظ يدفعه الشباب من أعمارهم، فمنهم من يخسر أموالًا طائلة ويلجأ للديّن من أجل السفر، ويحدث أن يتعرض للاحتيال والنصب، ومنهم من يغامر ويخاطر بالهجرة بطرق غير شرعية بحثًا عن حياة أفضل إلا أن الموت هو من يقابله في منتصف الرحلة، فيموت إما عطشًا وجوعًا، وإما غرقًا كما حدث لمجموعة من الشباب اليمنيين الذين خاطروا بحياتهم بحثًا عن حياة كريمة لهم ولأسرهم.

تعتبر (أ.و.ع) أن الغربة كربة، ولكن الوضع يحتم على الجميع خاصة الفتيات والشباب بالتفكير مرارًا وتكرارًا بالسفر، ويدفعهم بالبحث في وسائل التواصل، ومواقع الإنترنت عن فرص للسفر، وقد يتعرضون للنصب والاحتيال من قبل شركات أو جهات وهمية تقوم بخداعهم وتكلفهم مبالغ طائلة وفي الأخير تختفي كونها شركات أو أشخاص وهميين، فيخسر الشاب أو الفتاة أموالهم دون جدوى حسب قولها، ولكنها تفضل ألا يسافر الشاب أو الفتاة إلا إذا كانت منحة أو فرصة عمل مضمونة وآمنة.

أشتي أسافر..!

“أشتي أسافر من هذه البلاد تعبنا، ما فيش فايدة تشقى ليل ونهار ومحلك سر، ما فيش حياة كريمة، يا الله نقاتل عشان المواصلات والأكل والشرب ما تقدر تحوش لك شيء”، هكذا يقول أحمد عبدالله علي الذي يعمل موظفًا في إحدى شركات الدعاية والإعلان ويضيف بأن الوضع المادي أهم سبب يجعله يفكر بالهجرة على الدوام، ويؤكد بأنه قدم على مجموعة من الوظائف والمنح خارج اليمن وينتظر أن تكتب له إحداهن ليخرج من هذا المستنقع المحبط حسب تعبيره. ويضيف بأن السفر له مصاعب ولكن مجرد التفكير بالنتائج الإيجابية التي سيحصل عليها فهو أهون من العيش في بلد محطم للآمال “لو سافرت أكيد بواجه مشاكل وصعوبات ولكن في المقابل بحصل فرص أكثر وخبرة أفضل، كذلك الجانب المادي بيتحسن كثير”. 

(أحمد) يعمل على التجهيز للسفر إلى إحدى الدول العربية، ويفكر بعدها بتقديم لجوء أو إيجاد طريقة يستطيع من خلالها الدخول إلى أوروبا حيث يوجد أبناء عمه.  

يؤيد كلامه (عُمر) خريج ثانوية في ال18 من عمر حيث يقول أنه لم يعد يحتمل الوضع الذي يعيشه مع أسرته فالوضع مأساوي ويفكر بالاغتراب من أجل مساعدة أسرته التي تعيش فقرًا مدقعًا حسب قوله، ويقول بأن الخروج من اليمن أهون من العيش فيها لأن إخوته إلى الآن تجاوزوا عمر الثلاثين ولم يتزوج واحدًا منهم نظرًا لعدم قدرتهم على تجميع المال بسبب تدهور الوضع، ولذلك هو لا يرغب بالبقاء على هذا الحال المحزن حسب قوله.

رفض الأهل 

“جات لي فرص ولكن للأسف ضاعت لأن أهلي كانوا رافضين أسافر سواء لدراسة أو تدريب أو عمل، بس الآن تغيرت النظرة ولكن بعد أيش”، هكذا تقول (إ.م) عن طموحاتها في السابق كخريجة إعلام وكيف أنها كانت تتمنى أن يترك لها المجال للسفر لتحقيق أحلامها، ولكنها دفنت حسب قولها بسبب رفض الأهل، ومع مرور السنين تقول بأن أهلها لم يعودوا متشددين كما قبل، وعند النقاش معهم يقولون بأنه الخوف عليها من كلام الناس ومن الغربة هو من أجبرهم على منعها من السفر، ولو عادت بهم الأيام لوافقوا وكلهم ثقة بأنها ستصبح شيئًا مهمًا في المجتمع ولكن بعد فوات الأوان حد تعبيرها. 

  أما (آمنة) فتقول عن رفض أهلها للسفر: “أهلي كانوا من أول مشددين علينا، لكن تغير تفكيرهم، ويدعموني أنا وخواتي، وبالعكس لو حصلت فرصة عمل خارج اليمن بسافر وأهلي أول من عيشجعني ويوقف معي”.

آمنة ماتزال طالبة بالجامعة وتحلم مثل غيرها بالسفر خارج البلاد للبحث عن فرصة عمل بعد التخرج في حال لم تحصل على وظيفة بدخل جيد، ولكنها تتمنى أن يصلح وضع البلد حتى لا تضطر للهجرة مثل الرجال ومواجهة مصاعب الحياة التي لا يقوى عليها الرجال فكيف بالنساء كما تقول. 

غير صالحة للعيش!

فكرة السفر لا تأتي من فراغ، فالاستقرار المادي يؤسس لاستقرار نفسي وحياتي، إلا أن الوضع الذي تعيشه البلد منذ سنوات أجبر الكثير على الرحيل، والتفكير الدائم بالسفر للبحث عن بلد يؤمن لهم حياة كريمة، وهذا ما يؤكده المهندس (عبد الولي التبالي) الذي يرى أن من أهم الأسباب التي تدفع الشباب للهجرة هي أن البلاد لم تعد صالحة للعيش “بلاد يحكمها من لا يفقه شيء، تجار حرب يتحكموا برقاب الناس لا شك أن الهجرة منها هي الحل الأنسب للشباب وغيرهم”.

ويضيف “عندما يستضعف الإنسان في حريته وماله وحياته فالهجرة تصبح واجبة، وليس هناك فرق بين الرجل والمرأة في هذا الأمر”، ويؤكد بأن الهجرة ظاهرة صحية كون الإنسان يبحث عن مكان يأمن على نفسه وأهله فيه، ويجد فيه ذاته.

بيئة طاردة

الدكتور ياسر الصلوي أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز يرجع أسباب ودوافع هجرة الشباب والفتيات إلى طبيعة الأوضاع التي يمر بها المجتمع اليمني، فالشباب يعيش في بيئة طاردة وغير مواتية للعمل داخل الوطن لتحقيق الطموحات والإنجازات التي يعولون عليها “البيئة اليمنية تكاد تكون بيئة طاردة للكثير من الكفاءات بسبب عدم الاستقرار السياسي وتردي الأوضاع والحروب التي تشهدها البلاد”.

ويؤكد الصلوي بأن هذه كلها عوامل تجعل الشباب بكلا الجنسين يفكرون بأن الحل الأمثل لتحقيق طموحاتهم هو الخروج والسفر إلى خارج البلاد على اعتبار أن هناك عوامل جذب في البلاد التي يفكرون بالهجرة إليها وهي الاستقرار السياسي، إضافة إلى نسبة عالية من الدخل، وهذه عوامل تؤثر على استقطاب وجذب الشباب لهذه المجتمعات.

ويضيف “طبيعة الأوضاع السائدة في اليمن خاصة في الثمان السنوات الأخيرة جعلت من البيئة اليمنية بيئة طاردة للشباب وعملت على عدم تمكينهم من تحقيق حراك وصعود اجتماعي إلى مستويات أعلى ومكانة تليق بطموحاتهم وبآمالهم”.

سفر الفتاة

لاشك بأن المجتمع اليمني بسبب الحداثة والتعليم التي تراكمت خلال السنوات الخمسين السابقة أحدثت تغيير لكنه ليس تغيير كبير خاصة فيما يتعلق بتعليم الفتاة يرى الدكتور الصلوي بأن السماح للفتاة بالسفر فكرة أصبحت مقبولة لدى كثير من الأسر ولكنها محدودة وتقتصر في الغالب على السفر من أجل التعليم، ولكنها شبه منعدمة عندما يتعلق الأمر بسفر الفتاة من أجل العمل لأسباب ذكرها “فيما يتعلق بالسفر للعمل ما تزال الفرص محدودة إلا اذا كانت الفتاة مع أهلها أو أقاربها ولكن لوحدها ماتزال تواجه الكثير من العراقيل بسبب التخوفات، وطبيعة المجتمع من أن الفتاة لا تسطيع الاندماج في هذه المجتمعات بسبب عاداتهم وتقاليدهم، أو الخوف عليهن من تعرضهن للمضايقات”. ويعتبر الصلوي أن هذه كلها موانع تعيق سفر المرأة للعمل وإن أتيح السفر فهو أمر محدود جدًا.

هجرة العقول

بفعل الحرب وتداعيات الصراع القائم منذ سنوات، هاجرت الكثير من العقول اليمنية إلى الخارج هاربة من واقع لا يمت للحياة بصلة، بينما يسعى الشباب جاهدين للحاق بمن سبقوهم، طمعًا في العيش الكريم، والارتقاء تعليميًا وثقافيًا، ومهنيًا، وماديًا، وهنا يرى كثيرون بأن الهجرة ظاهرة صحية للفرد فقط، فقد يحقق طموحات وأحلام كثيرة كانت تشكل هاجسًا بالنسبة له، وعجز عن تحقيقها في بلده، إلا أنها ظاهرة غير صحية بالنسبة للوطن والمجتمع الذي سيتأثر تأثرًا سلبيًا بسبب هجرة أبنائه إلى الخارج، كما يؤكد الصلوي “الهجرة لا يمكن أن نعدها ظاهرة صحية بأي حال من الأحوال” ويضيف “أن يهاجر الشباب معناه أن يهاجر خيرة أبناء البلد، معناه أن تهاجر الأيادي العاملة، والإبداع والمهارات هجرة الشباب تعني هجرة العقول، وهدر الكفاءات، واستنزاف للقدرات”. مؤكدًا أن فئة الشباب هي الفئة التي يعول عليها في تطوير وبناء المجتمعات وفي زيادة الإنتاج”. ويشير الصلوي إلى أن معظم من يتم اختيارهم للهجرة هم من ذوي التخصصات المطلوبة التي يحتاجها البلد، وهجرتهم تعني خسارة للوطن الذي سيعيش حالة من الركود.

يظل حلم السفر لدى الشباب والفتيات قائمًا لا مفر منه وإن تأخر لأسباب أو لأخرى بحسب معظم من قابلناهم، فهم ما يزالون يبحثون عن ذواتهم بين جنبات جواز سفر وحقيبة يحملون فيها كل آمالهم.