أمل وحيش- نسوان فويس
تعاني الكثير من النساء الحوامل أثناء الولادة من سوء المعاملة المتمثلة في الاعتداء الجسدي أو عدم احترام المرأة، أو الإهمال من قبل الأطباء أو فريق التمريض، الأمر الذي ينتج عنه عدم رغبة النساء الحوامل بالذهاب إلى المرافق الصحية مستقبلًا، وهذا ما تعتبره الصحة العالمية انتهاكًا لحقوق المرأة، ونوعًا من أنواع العنف يمارس ضدها، إلا أنه يبقى عنفًا مسكوتًا عنه بسبب الحرج أو عدم استطاعة المرأة إثبات أو توثيق ما يحدث لها أثناء الولادة.
قصص كثيرة عن العنف الولادي رصدنا بعضًا منها من أفواه أمهات عشن تجربة الولادة لأول مرة، أو من أمهات مارسن الأمومة منذ سنوات وما زلن يتذكرن لحظات يعتبرنها ذكريات سيئة مررن بها أثناء الولادة.
مرحلة الكشف
بعض النساء أكثر عرضة للمعاملة السيئة والتعنيف وإن كان لفظيًا عن طريق إسكات المرأة عند صراخها، وأكثر هؤلاء اللاتي يتعرضن للقسوة هن النساء حديثات العهد بالأمومة خاصة اللواتي تزوجن في سن مبكر وتبدأ معاناتهن عند المراجعة الدورية للطبيبة المختصة، حيث تقول (بشرى) إنها لم تشعر بألم الولادة كما حصل معها أثناء زيارتها الأولى للطبيبة التي فحصتها يدويًا وآلمتها كثيرًا، وتضيف أنها عند الولادة عانت من تعامل بعض الممرضات اللاتي كن يتجاهلن ألمها عندما تطلب منهن استدعاء الطبيبة لكنهن يخبرنها بأنها مازالت بعيدة عن الولادة وتحتاج لساعات ولا داعي لتعذيب الطبيبة دون جدوى.
(أم رسيل) اسم مستعار تقول بإنها تكره أن تذهب للفحص الدوري كل شهر بسبب قسوة الطبيبة التي تعالجها فهي في كل مرة تتسبب لها بألم يستمر لأيام، وحين تطلب من الطبيبة أن ترفق بها تقول بإنها في كل مرة تقول لها “أنتين تشتين تخلفين بدون وجع تحملين مش تشتين تتزوجين”. وقد أرادت تغيير الطبيبة إلا أنها تقول أنها الأقرب لمنطقتها ولا تستطيع أن تذهب إلى مكان أبعد ولا يوجد من يرافقها في الوقت الذي يكون فيه زوجها منشغل جدًا.
وتؤيدها الرأي (أم سالم) حيث كانت عند حملها بمولودها الأول تعاني من قساوة الطبيبة المعالجة كلما ذهبت للمراجعة الدورية، وتشكو من عدم اهتمام الطبيبات بمشاعر الآخرين وكأن لا قلب لهن حسب قولها، وهذا ما جعلها تغيرها في حملها الثاني وتتعامل مع طبيبة أخرى أكثر رحمة منها كما تقول.
ولادة على الملأ
ينعدم الاهتمام الجسدي والنفسي بالمرأة الحامل أثناء الولادة في كثير من المراكز الصحية خاصة الحكومية، وربما يعود ذلك لكثرة حالات الولادة التي تستقبلها المستشفيات، إلا أن أكثر ما يزعج النساء الحوامل ويعتبرنه انتهاكًا لخصوصيتهن، هو وضع عدد كبير من النساء الحوامل في غرفة ولادة واحدة تحوي مجموعة من الأسرة ولا يكاد يوجد أي غطاء عازل أو ستارة بينها وبين المرأة الأخرى، كما تؤكد لنا أم( عبدالرحمن) التي تقول بأنها قبل ما يقارب 6 سنوات ذهبت لتضع مولودها الرابع في أحد المستشفيات الحكومية بصنعاء وعند وصولها تم نقلها لغرفة تشبهها ب (الهنجر) تقول “كأننا في مسلخ مرصوصات وكل واحدة تشوف للثانية”. وتؤكد بأنها طلبت من إحدى الممرضات تغطيتها أو وضع حاجز بينها وبين المرأة الأخرى لكنها لم تهتم وقالت لها ” أنتي جيتي تولدي ما جيتيش تتدلعي محد فاضيه تشوف لاعندش”. وهذا ما جعلها ترفض الذهاب لمستشفى حكومي وفضلت في ولادتيها الأخيرتين أن تذهب لعيادة خاصة كما تقول.
أثناء وبعد الولادة
عندما تشعر المرأة بطلق الولادة خاصة وهي ولادتها الأولى تسارع للذهاب للمستشفى، ولكن الرد يكون في الغالب قاسٍ نوعا ما من وجهة نظر النساء الحوامل والمقبلات على الولادة، إذ أن بعض طبيبات النساء والولادة يباشرن بإخبارهن بأنه من المبكر ولادتهن وعند صراخ المريضة من الألم يتم توقيفها بردة فعل مضادة من قبل الطبيبة قائلة “انتين مستعجلات على أيش عادوه ما قده وقت ولاده” هكذا تقول (أم ريم) التي ولدتها بعد معاناة يومين متتاليين ولكنها فقدت طفلتها في اليوم الثاني بعد ولادة متعسرة كان من أبرز أسبابها هو إصرار الطبيبة والممرضات على أنها ستلد ولادة طبيعية ولا تحتاج إلى عملية _بينما أكدت بأن طبيبة أخرى أخبرتها بأنها ستلد ولادة قيصرية نتيجة لضيق الحوض لديها_ وكانت النتيجة خروج ابنتها متورمة وما هي إلا دقائق حتى فارقت الحياة.
تجاهل
“محد عبرتني لما صيحت وقلبت صورة فوقهن جين كلهن لا عندي وكل واحدة تقول ما تشتي ما أسوي لش”.
(ن.ع) أم لأول مرة تجهل الكثير عن تفاصيل الولادة جاءت برفقة والدتها لتضع مولودها الأول ولم تكن تعرف أن المستشفيات بهذا القدر من “الضيق” حسب وصفها، بعد كشفت الطبيبة عليها قُرر لها عملية قيصرية على الفور، وتمت العملية وخرجت مع طفلتها بسلام، ولكنها كما تقول عانت بعد العملية من شدة الألم وما زاد ألمها حسب قولها هو تجاهل الممرضات لصراخها ونداء والدتها لهن أثناء ضرب الإبر المهدئة، أو لإغلاق المغذية التي انتهت “كلما أشعر بألم استعدي الممرضات يجين يضربين لي إبره مهدأه أو يبعدين المغذية قد كملت ولا أحد تعبرني ولوما صيحت وقلبت صورة عرفين قيمتي”.
تحرش في غرفة العمليات
“لما دخلت عرفة العمليات وبدأ الدكتور يكلمني وقد خدروني وأنا فوق السرير كان فيه ممرض جنب حق التخدير كان يمسكني بصدري وأنا ببداية التخدير كنت أحس به وقرفت من هذه الحركة، وبعد العملية كانوا يفوقوني كنت أحس بنفس الشخص يمسكني من عند صدري ويعمل حاله انه يصحيني بس كنت ثقيلة مش قادرة اتكلم ولا اتصرف”.
تتعرض بعض النساء للتحرش الجسدي من بعض ضعاف النفوس مستغلين عجزهن عن الحركة، أو حتى الكلام بما تعرضن له لأن الجميع سيتهموهن بأنهن يعانين حالة هذيان نتيجة للمخدر، وهذا ما حدث بالفعل (لأم أحمد) اسم مستعار التي أخبرت زوجها بما حصل لكنه لم يصدقها وأرجع ذلك إلى أنه تأثير المخدر، ولهذا السبب في ولادتها الثالثة رفضت الذهاب للمستشفى حتى شاء الله أن تضع مولودتها في البيت، وهي الآن حامل في الشهر الأخير وتتمنى ألا تلد بعملية قيصرية لأنها كلما تذكر ذلك الموقف تتمنى الموت على أن تدخل غرفة العمليات، إضافة إلى ألم العملية، ومعاناتها مع الممرضات خاصة وأن إحدى الممرضات في ولادتها الأولى أخطأت في ضرب الإبرة تحت الجلد لأمر الذي كان سيتسبب لها بمشكلة صحية لولا ملاحظتها في الوقت المناسب.
وتؤيد كلامها (أم أميرة) اسم مستعار فيما يتعلق بإهمال بعض الممرضات حيث ولدت في إحدى مستشفيات عدن الخاصة، تقول إن الإهمال وعدم الكفاءة من قبل بعض الممرضات قد يؤدي لكوارث، فهي ولدت بعملية قيصرية وفي اليوم التالي ضُربت لها إبرة عضلي بالخطأ تحت الجلد من قبل الممرضة ،واستمرت تتألم حتى شعرت بورم في مكان ضرب الإبرة وعند استدعاء الطبيب الذي أجرى العملية اكتشف بإن الإبرة كانت ستتسبب لها لا سمح الله بشلل ولكنه تلافى الموضوع.
تعود ومبالغة
“تعبنا من كثرهن وقد احنا داريات نفس الشكوى ونفس الوجع، وهن كل شويه يصيحين لنا واحنا معنا مريضات ثانيات نكمل ونرجع لهن بس هن مستعجلات”. هكذا تقول لي الممرضة (أمل) أثناء زيارتي لإحدى قريباتي التي أنجبت، حيث تعمل أمل في أحد المستشفيات الحكومية بقسم النساء والولادة بصنعاء عند سؤالنا لها عن سبب تجاهل الممرضات للنساء الوالدات وتجاهل مطالبهن، وتضيف بأنها كممرضة يمر عليها 24 ساعة دون أن تنام وهي مناوبة من أجل المريضات لكنهن يبالغن في شكواهن وتذمرهن المستمر حسب قولها، وتقول بأنهن كممرضات يعملن ليل نهار وبراتب لا يتجاوز 50 دولار ولا يصرف إلا كل شهرين أو ثلاثة أشهر، وهذا ما يزيد من إحباط الممرضات، ولكنها تعود لتصلح علاقتها بالمريضات وتطلب منهن المسامحة وتقدير الظروف، وتتمنى لهن السلامة وتغادر إلى غرفة أخرى لتتفقد مريضات أخريات.
بينما زميلتها الممرضة والقابلة في أحد المراكز الصحية التي رفضت ذكر اسمها من جهتها ترى أنه لا يوجد عنف ضد النساء الحوامل، وتؤكد بأنه يجب معاملة المرأة المشرفة على الولادة برفق وحنية، وإجراء الفحوصات اللازمة لها، والاهتمام بها وبالمولود حسب قولها.
بالنادر!
وحول العنف الولادي تقول الدكتورة (يسرى) بإن مصطلح العنف الولادي جديد عليها، وإن كان موجود فهو نادر جدا حسب قولها وفيما يتعلق بالآثار النفسية فكثيرًا ما تصاب النساء باكتئاب ما بعد الولادة، وهذا لا يعد اكتئاب أو صدمة ناتجة عن العنف، وتضيف “أما المشاكل الجسدية والناتجة عن الألم والخياطة فهو ألم طبيعي لا علاقة له بالعنف الولادي”.
وتجيب عن سؤالنا حول استخدام أسلوب الضرب أو الصراخ لإسكات المرأة الوالدة بقولها بأن بعض المريضات يرغبن بالولادة الطبيعية ولكنهن لا يردن أن يتألمن ولا يعرفن أن ألم الولادة مرهق وبالتالي ليس لديهن القدرة على الصبر والتحمل فيصرخن بشكل هستيري حتى يسمع صوتها كل من في المستشفى، بل إن صراخهن يسبب الهلع والرعب للمريضات اللاتي لم يلدن بعد، وهذا ما تراه كطبيبة خطأ فتطلب الطبيبة من المريضة إنقاص صوتها وتعتبر الدكتورة (يسرى) بأن ذلك لا يعتبر عنفًا
تنصح الدكتورة (يسرى) أي طبيبة أن تشرح لمريضاتها كيفية الولادة وألمها وتطلب منها الصبر وتحمل الألم حتى ينتهي المخاض ويخرج الجنين للدنيا وتقوم الأم بالسلامة.
دراسات
ووفقًا لدراسة مشتركة بين منظمة الصحة العالميّة واليونيسيف وعدد من المنظمات الدوليّة فإنّ ظروف النظام الصحي السيئة تؤدي إلى معاناة النساء أثناء الولادة في المرافق الصحيّة، ما تشير الدراسة إلى أنّ عنف الولادة، يعدّ شكلًا من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي الذي يؤثر على النساء حصريًا
الانفوجرافيك التالي يوضح أشكال عنف الولادة:
وظروف النظام الصحي السيئة تؤدي إلى معاناة النساء أثناء الولادة في المرافق الصحيّة، ما تشير الدراسة إلى أنّ عنف الولادة، يعدّ شكلًا من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي الذي يؤثر على النساء حصريًا.
ما يزال العنف الولادي غير معروف كمصطلح في مجتمعنا، وإن وجدت بعض الممارسات السيئة تجاه المريض إلا أنه لا توجد إحصاءات أو أرقام عن ذلك ، وغالبًا ما يتم الصفح عنها في حينها، خاصة إذا لم تتسبب في عاهة أو ألم طويل المدى ومن ذلك فلا بد من وجود وسائل قانونية تمكن المرأة من الشكوى ضد أي عنف تعرضت له أثناء الولادة أيًا كان نوعه وذلك للحد من التعدي على حقوق الآخرين الصحية التي تُلزم بحق الإنسان بالرعاية الصحية المتكاملة.