أمل وحيش – نسوان فويس
يعد الفن التشكيلي واحدًا من الفنون البصرية المميزة عن الفنون الأخرى، ويعرف بـأنه عملية تشكيل مادة ما لتُصبح عملًا فنيًا، ولأن التشكيل على هيئة ثلاثية الأبعاد هو أساس الفن التشكيلي فإن فن النحت يعتبر أشهر أنواع الفنون التشكيلية، وهذا ما برعت فيه بطلة قصتنا لليوم، فهي فنانة تشكيلية متنوعة، ومتجددة في أعمالها الفنية المرسومة والمنحوتة بالطين، التي تناقش فيها العديد من القضايا التي تهم المجتمع وعلى رأسها قضايا المرأة.
البدايات
لكل مرحلة يمر بها الإنسان في حياته بداية تكللت بالكثير من الخيبات والإخفاقات حتى وصلت لمرحلة النجاحات، وإن ظلت تلك الخيبات أو العراقيل إلا أن الخبرة الحياتية أصبحت أقدر على مواجهتها كما فعلت
” أمل فضل عبد المجيد أحمد” وهي من مواليد محافظة لحج /ردفان، بكالوريوس علوم أحياء، وماجستير تنمية دولية ونوع اجتماعي، تعمل كأستاذة جامعية، إضافة لكونها ناشطة في العديد من القضايا المجتمعية من خلال أعمالها الفنية.
تصف (أمل فضل) لمنصة (نسوان فويس) بدايتها في مجال الفن التشكيلي بأنها كانت بابًا للتسلية لها كونها بدأت في عالم الرسم منذ طفولتها “بداياتي في الرسم كانت منذ طفولتي.. حيث كان باب لي للتسلية كطفلة ونافذة افتحها لأتنفس من خلالها وسقف مفتوح أعبر من خلاله إلى عوالم عليا أعبر فيها عن ما يجول في خاطري”.
تميزت (أمل فضل) في مجال الرسم منذ أن بدأت به في عام 2006 بشكل احترافي ما أهلها لأن تكون معلمة رسم في عدد من الجامعات والكليات.
فن النحت بالطين
يعتبر فن النحت بالطين من أصعب الفنون لأنه يعتمد على الرسم بالطين بشكل ثلاثي الأبعاد، حيث يتطلب تجسيد العمل من جميع الاتجاهات، الأمر الذي يستغرق جهدًاووقتًا أكبر حتى يتسنى للفنان التشكيلي مناقشة قضية ويستطيع من خلالها إيصال رسالته.
والعمل في مجال النحت على الطين لم يكن الخيار الأول ل (أمل) فقد كانت مولعة بالرسم ولم تكن تولي النحت اهتمامًا كبيرًا، ولكنها مؤخرًا وفي الثلاث السنوات الأخيرة بدأت الغوص في أعماق الطين لتجد نفسها في عالم النحت، ولتصبح أول فنانة يمنية تشكيلية تصنع لوحات عظيمة بواسطة الطين.
مجسمات وأسماء
بدأت أمل رحلتها الأولى في عالم التشكيل بالطين في العام 2020 بلوحة فنية أسمتها (لحظة إلهام) وهي عبارة عن فتاة على شكل أصابع، وتجسد في هذه اللوحة المعاناة والشتات الذي يعيشه الفنان لحظة البحث عن قضية يتناولها في لوحة من لوحاته.
وبعدها توالت أعمالها الأحادية والمجسمات الفردية، إضافة إلى مجموعات مكونة من عدة مجسمات كمجموعة (العقل والروح) ومجموعة (القوقعة) التي تعد أول مجموعة تعكف على نحتها (أمل) وهي عبارة عن مجسمات تحاكي حالة التقوقع التي يعيشها الإنسان نتيجة الوضع الراهن.
كذلك مجموعة (العازفون) وغيرها من المنحوتات الطينية.
تجربة ثم عشق
تقول (أمل فضل) إن دخولها عالم النحت كان في البداية كحالة من التجريب والدراسة لهذا النوع من الفنون الشهيرة والإبداعية ولكنها أعجبت به عند محاولاتها الأولى حيث اكتشفت أنها قادرة على الرسم بالطين والتعامل مع المواد الصلصالية المصنوعة من الطين وبمهارة.
تعد (أمل فضل) أول فنانة تشكيلية يمنية تعمل في مجال النحت على الطين نظرًا لصعوبته، وقد حظيت باهتمام إعلامي كبير بسبب فرادتها في هذا المجال، وهذا ما زاد من حماسها وحبها لفن النحت على الطين وجعلها تستمر وتبدع في كل عمل جديد تقوم به مثبتة أن المرأة اليمنية لديها الإمكانيات والمهارات التي تمكنها من دخول مجالات محصورة على الرجال.
لوحة وقضية
ركزت (أمل فضل) في أعمالها الفنية المنحوتة بالطين على قضايا كثيرة تخص المرأة مثل التحرش، ومحاولة تغييب دورها وإلغاء عقلها وتفكيرها وجسدت ذلك بلوحة فنية أسمتها (حواء) وتحاكي فيها مكنونات المرأة الفكرية والروحية.
كما جسدت في إحدى مجموعاتها جريمة اغتيال الصحفية (رشا الحرازي) التي اغتيلت هي وجنينها في محافظة عدن في جريمة هزت الشارع اليمني. واعتبرت أمل تلك المجموعة تجسيدًا للحال الذي يمر به اليمن منذ سنوات وحتى الآن.
أعمال مقربة
كما هو معتاد فإن لكل فنان عمل مقرب إلى قلبه لأن وراءه قصة ما، أو لأنه صُنع في ظروف مختلفة، كما هو الحال مع (أمل فضل) التي تعتبر أن أقرب الأعمال لقلبها هو (لحظة إلهام) أو فتاة الأصابع كونه أول عمل لها في مجال النحت على الطين وأخذ منها الكثير من الوقت.
كذلك منحوتة (وطن بعثرته الكراهية) الذي تقول أمل إنه أخذ جزء من روحها وآلمها كثيرًا وهي تصنعه.
تقول (أمل فضل) إن عملها في مجال التدريس الجامعي أضاف لها الكثير حد قولها وزاد من خبرتها ونضجها الفني كونه يحتاج إلى بحث واطلاع مستمرين من أجل تطوير المهارات للمضي مع الركب العلمي والنهضة التكنولوجية المؤثرة على جميع العلوم.
أعظم مشجع
عندما يكون الأب هو السند والداعم والمشجع حينها لا خوف على الفتاة من أن تخوض غمار الحياة وهي واثقة بقدراتها وبأنها حتمًا ستصل إلى ما تصبو إليه، بفضل تشجيع والدها لها وإيمانه بموهبتها حيث تقول إن والدها هو من شجعها وغرس فيها حب الرسم، فقد كان يوفر لها متطلبات الرسم من أدوات ومراجع وغيرها وتضيف (قال لي ذات يوم أرى مستقبلك مزهر في هذا المجال وكان مؤمن بموهبتي أكثر مني)، وبالفعل مستقبلها الفني أزهر كما تنبأ لها والدها، فها هي اليوم أصبحت اسمًا لامعًا في عالم الفن التشكيلي كمدرسة وفنانة متفردة.
أبرز التحديات
كغيرها من الفنانين الذين يجابهون الحياة من أجل إيصال رسالتهم الفنية من خلال فنهم، تعتبر (أمل) من الفنانين الذين واجهتهم الكثير من الصعوبات والمشاكل وأبرز ما يواجه الفنانين التشكيليين بشكل عام كما تقول (أمل) هو الوضع الاقتصادي المتدني الذي حولهم إلى آلة تبحث عن لقمة العيش حتى نسوا الجانب الإبداعي بحسب تعبيرها، وتضيف ” أيضًا حالة الحرب التي تعيشها البلاد قللت الاهتمام بالجانب الثقافي والذي بدروه منع لقاء الفنانين وتبادل الخبرات أيضًا أثر في انعدام الخامات ذات الجودة العالية التي تساعد على إنتاج أعمال ذات ألوان ومواد وخامات ممتازة”.
وأهم صعوبة تواجه أمل كفنانة تنحت على الطين هو انعدام المواد الصلصالية والأفران وأدوات النحت في السوق اليمنية حسب قولها.
آمال مستقبلية
ولأن لها من اسمها نصيب فقد حققت الكثير مما كانت تطمح له ومما توقع لها والدها، إلا إنها ماتزال تواصل مسيرة الحياة الفنية وتطمح بالكثير، حيث تقول إنها تتمنى في المستقبل القريب أن يكون للمجال العلمي الفني من رسم ونحت مكانة بين باقي العلوم في اليمن.
وفي ختام حديثها لمنصة (نسوان فويس) تقول (أمل فضل): “العطاء ثم العطاء هو مفتاح الاستمرار والإنتاج المبتكر المتجدد الذي يبني مجتمعات قوية متماسكة ومثقفة”.
تعمل أمل باستمرار على التجديد في أعمالها مستقية إياها من الواقع، ومجسدة فيها قضايا الناس، وهموم الوطن، مؤكدة على أن الفن إن لم يكن قريبًا من معاناة الناس ويحمل رسالة قوية فلا جدوى منه.