أمل وحيش – نسوان فويس
ولا كلمة..! نقولها عندما نصل لمرحلة متقدمة من التعب ولا رغبة لنا أن ننصت لأشخاص لم يعد كلامهم يجدي نفعًا، ونقولها عندما نريد أن نخرس صوت الباطل لينطق صوت الحق، كذلك نقولها عندما نرغب بأن نكمل المسير في طريق توقفنا في منتصفه لسبب أو لآخر، كما نقولها لشبح الإحباط الذي يطاردنا بين فينة وأخرى، (ولا كلمة) بها نواجه سلبيات الحياة، ونواصل المسير لنفتح نوافذ للنور في كل مكان.
ربما هذا هو رأي المجموعة القصصية المصورة (ولا كلمة) وقد يكون لها وجهة نظر أخرى إلا أنها قالت ولا كلمة لكل من لا يدعم تعليم الفتاة في اليمن
إشهار
في الثامن عشر من مايو الماضي أطلقت الكاتبة اليمنية من محافظة عدن أنغام عدنان مجموعتها القصصية المصورة التي تحمل عنوان (ولا كلمة) في حفل إشهار أقيم في مركز عدن الإبداعي التي تمثله مؤسسة (عدن أجين) كجزء من مراكز الإبداع اليمنية بتمويل من الاتحاد الأوروبي بتمويل مشترك من قبل
معهد جوته.
جاء حفل إشهار المشروع بعد انتظار طويل ولحظات عصيبة وتوتر عانته الكاتبة مع فريق العمل توج بحفل إشهار حضره مجموعة كبيرة من السيدات من النخب الأكاديمية، والفنية، والفاعلات الثقافيات، والعاملات في المجال التربوي والتعليمي، إضافة لفريق العمل ولفيف من أصدقاء الكاتبة
فكرة المشروع
عندما تحين الفرصة تتبلور الفكرة وتتحول إلى واقع ملموس، وهذا ما قامت به الكاتبة أنغام عدنان مع فريق عمل فني نسائي بمحاكاة قصص واقعية على شكل رسومات تحكي الكثير عن واقع تعليم الفتاة في عدن
شرعت “أنغام” وبتشجيع من أصدقائها ورائد فن الكومكس “القصص المصورة” في عدن الأستاذ ياسر عبدالباقي في تنفيذ مشروعها الذي يعد أول مشروع فردي تقدمت به لإحدى المنظمات وقوبل بالموافقة كونه عمل نسائي بحت كتابة، ورسمًا، وإخراجًا، وترجمة، ويتحدث العمل عن قضية قديمة حديثة ومعاصرة وهي تعليم الفتاة، كون المرأة ما تزال هي الطرف الأضعف في كل الصراعات فهي تعاني من تبعات الأزمات في كل زمان ومكان، وحول فكرة المشروع الذي نفذته بمساعدة مجموعة فتيات بقيادتها تقول (أنغام عدنان) متحدثة لمنصة (نسوان فويس): “حاولنا أن نعيد مناقشة هذه القضية، قضية تعليم الفتاة نتيجة لواقع الظروف التي نعيشها اليوم من وجهة نظرنا كبنات، فكانت فكرة المشروع أننا نتكلم عن قضية تمس الفتيات وتعالجها الفتيات،
ويكون العمل بنسبة مئة بالمئة بنات في بنات
لماذا نور؟
نور هي القصة الأم للمجموعة القصصية (ولا كلمة) وتتحدث هذه القصة عن رائدة التعليم في عدن وشبه الجزيرة العربية الأستاذة (نور حيدر سعيد) وهي أول من أسس مدرسة خاصة بتعليم الفتاة في العالم العربي بحسب المراجع التي عادت إليها الكاتبة، وتحكي القصة عن كفاح السيدة نور التي تعلمت في معلامة والدها هي وأختها لول وشقيقهما وكانتا الفتاتان الوحيدتان اللتان تتعلمان مع الأولاد، وكانت نور تحلم بأن تتعلم جميع الفتيات العربيات والعدنيات أيام الاستعمار البريطاني، وسعت جاهدة إلى أن تنشر الوعي لدى أوساط الناس بأهمية تعليم الفتاة، وقوبلت مرات بالرفض المجتمعي، والتهميش، والتجاهل، مع ذلك لم تستسلم وبدأت بفتح معلامة هي وشقيقتها في بيتها لتعليم الفتيات منذ العام 1925 واستمرت بالمطالبة بفتح مدرسة خاصة للبنات حتى استجابت سلطات الاستعمار البريطاني في عدن لمطالب رائد النهضة محمد علي لقمان، وتم افتتاح أول مدرسة لتعليم الفتيات وبإدارة الأستاذة نور وشقيقتها لول في العام 1941 واسمها اليوم باسم الأستاذة نور
.Girl School
.
حول اختيار شخصية (نور) قصة رئيسية للمجموعة بعد القراءة والبحث عنها في كتب ونصوص قديمة تم ترجمة معظمها تقول (أنغام) : “هذا الموضوع كان بالنسبة لي جدًا ملهم ومؤثر، وشعرت بالحزن أنه لا أحد يعرف هذه الشخصية، فنحن نعرف صورتها ولكن لا نعرف قصتها”، ولشحة المعلومات عن الأستاذة نور قررت الكاتبة أن تعمل أربع قصص مختلفة تتناول فيها موضوع تعليم الفتاة: “كان العمود الرئيسي لمشروعنا هو الأستاذة نور حيدر كرائدة التعليم الأولى، ولكن لقلة المعلومات قررنا أنه من الأحسن أن نناقش قضايا أخرى ترتبط بموضوع تعليم الفتاة بحيث أننا نربط ما بين الريادة وما بين ما وصلنا له اليوم في مجال التعليم”.
نور سعيد مثالًا يحتذى به ورائدة من رواد التعليم في العالم العربي لذلك عملت الكاتبة على تخليد ذكراها كإمرأة كان لها الفضل الأول في انتزاع حق الفتاة في التعليم.
خارج الصندوق
قصة نور ليست القصة الوحيدة في المجموعة بل كانت الأبرز والمفتاح لقصص أخرى وكل قصة تحمل عنوان مختلف وبداخلها مجموعة رسائل أرادت الكاتبة إيصالها بطرق مباشرة وغير مباشرة كما فعلت في قصة خارج الصندوق التي ناقشت فيها واقع تعليم الفتاة في الوقت الحالي، وركزت على غياب الاهتمام بمجال الفن في المؤسسات التعليمية الذي يعد متنفسًا يحتاجه الفرد والمجتمع للتعبير عما يجول بأنفسهم من هموم وقضايا شتى وبالفن وحده يصل المقصود دون حديث.
العنصر النسائي
لسنوات طويلة كان الخروج لسوق العمل حكرًا على الرجال دون النساء بسبب سيطرة المجتمع الذكوري على هذا المجال ونظرتهم القاصرة تجاه المرأة العاملة، لهذا كانت القصة الرابعة في المجموعة تحت مسمى ” العنصر النسائي” تحكي بحسب الكاتبة معاناة المرأة التي خرجت لسوق العمل، ورغم كفاءتها وتفوقها إلا أنها تتعرض للكثير من المضايقات والتمييز بينها وبين الرجل، وقوبلت بالرفض والمعارضة المجتمعية لخروج المرأة إلى ميدان العمل.
صُنع بحب
صنع بحب هي قصة تناولت فيها الكاتبة أثر الصراع الدائر في اليمن على المرأة، بداية من الزواج المبكر، وتركها للتعليم وانتهاءً بتحملها مسؤولية أطفالها بعد النزوح والتشريد: “في قصة صنع بحب هي قصة لإحدى النازحات وكيف أثر عليها الزواج المبكر مما اضطرها لترك تعليمها وكيف أثرت عليها الحرب فاضطرت للنزوح هي وأطفالها وحيدة، فما لاقت غير فرصة إنها لازم ترجع تتعلم”. وتضيف الكاتبة، بأن التعليم ليس فقط مجرد شهادة، فالتعليم يعني أن يكون الإنسان عقل نير، وذو قيمة، ويمتلك مهارات مختلفة. وهذا ما أكدته في نهاية القصة عندما ركزت على اهتمام الأم بتعليم أبنائها ودعمهم وتشجيعهم على مواصلة التعليم لتعوض حرمانها من التعليم.
عشرة بالمئة
في القصة الخامسة والأخيرة من مجموعتها القصصية التي تحمل عنوان (10%) تطرقت فيها الكاتبة إلى معاناة المعلمات والضغوط النفسية اليومية التي يصارعنها يوميًا من اجل العملية التعليمية، واختارت الكاتبة قصة معاناة معلمة ليوم واحد ناقشت فيها بحسب حديثها للمنصة وقوف المعلمة في عدن مع زملائها في إضراب من أجل المطالبة بحقوقهم، وتطرقت إلى ما يصاحب يومها من مشقة وجهد وتكبد عناء الحر، ومشاكل الانقطاع المتكرر للكهرباء وأزمة المياه، وتدهور الوضع المعيشي والصحي، وأمور حياتية كثيرة تعاني منها المعلمات بشكل عام في عدن. وأشارت (أنغام عدنان) إلى أن هذه القصص بمجملها هي أقرب ما تكون إلى الرمزية بحيث يستطيع القارئ استيعاب ما قصدته الكاتبة.
معوقات
لكل خط سير لابد من تعرجات، ولكل طموح لابد من عثرات، كاتبتنا واجهت العديد من التحديات في الحياة سواء على مستوى دراستها أو عملها أو على صعيد الوصول للحظة المنتظرة لحظة إشهار مجموعتها القصصية (ولا كلمة
تقول (أنغام عدنان): “أول مشكلة كانت عندي إني أول مرة أدير فيها مشروع فكان هناك قصور في البدايات وارتباك وتوتر، ولكن بصراحة كل الناس كانوا واقفين معي”. كما أن اختيار الفكرة أو القضية التي يريد المرء مناقشتها عادة لا يكون بتلك السهولة التي يتصورها البعض بل يعد من أبرز الصعوبات التي تواجه أي شخص لديه مشروع، وكذلك الفترة المزمنة المحددة بأربعة أشهر لإنجاز المشروع وتسليمه للجهة المانحة ،وحصر المشروع على كادر نسائي فقط، إضافة إلى انشغال الكثير من الرسامات واعتذارهن، الأمر الذي جعل مسار القصص يتغير عدة مرات تماشيًا مع أسلوب الرسام، كلها تحديات واجهت الكاتبة في البداية كما أوضحت، ولكنها تؤمن بأن الكاتب الجيد للقصص المصورة هو من يستطيع فهم الرسام الذي يتعامل معه وبالتالي يطوع النص بما يتناسب مع أسلوبه.
صعوبات أخرى واجهتها وما تزال في مجال عملها وليست وحدها من يعاني منها حيث تقول: “من الصعوبات أيضا هو عدم وجود مطابع مجهزة أو مخصصة لطباعة الكتب هنا في عدن، إضافة إلى المشاكل الروتينية في الحياة اليومية مثل انقطاع الكهرباء والمشاوير أضف إلى ذلك المشاكل الصحية التي كنت أمر بها وغيرها”
عجز ميزانية
من المشاكل العامة التي يواجهها الفنانين والكتاب في مجال القصص المصورة في اليمن بشكل عام بحسب الكاتبة هو أن فن الكوميكس يتطلب ميزانيات ضخمة والمتاح يعتبر ضئيل جدًا، كما أن دور الدولة في المجال الفني غائب كليًا، يصحبه غياب للأشخاص والجهات التي تشجع هذا الفن وتحفز لهذا النوع من الأعمال الشبابية التي تحمل رسالة إيجابية.
نبذة عن الكاتبة
أنغام عدنان من مواليد محافظة عدن ، كاتبة محتوى وبودكاستر وطالبة ماجستير في الدراسات الأدبية والثقافية كلية الآداب جامعة عدن، خريجة بكالوريوس لغة عربية كلية التربية جامعة عدن أيضًا.
تعمل سكرتارية تحرير لمجلة فن وتراث الصادرة عن اتحاد أدباء وكتاب الجنوب ولديها تجارب في كتابة الشعر الغنائي حيث كتبت مجموعة أغاني لصديقتها إيمي هيتاري لكتابة الأغاني الأصلية أو المعربة عن الإنمي الياباني.
هي أيضاً صاحبة مشروع نغم كروشيه الذي بدأته في العام 2017 كمشروع خاص جاء تأسيسه بالتزامن مع افتتاح اتحاد مالكات المشاريع الصغيرة في عدن، بعد أن قررت ترك التدريس في المدارس الأهلية لظروف صحية، فكان مشروعًا نابعًا من شغف وتدريب وتعليم ذاتي مستمر بدأ معها منذ الثانوية واستمر حتى بعد الجامعة إلى أن جعلته مشروعًارسميًا استطاعت من خلاله تأمين نفسها ماديًا، ولكنها مع بداية العام 2021 أوقفت المشروع كليًا لأسباب، منها رغبتها للتفرغ لدراسة الماجستير، والكتابة التي تعتبرها هوايتها وعشقها الأول، على الرغم من أنها كانت مبدعة في هذا المجال وتعد أنغام من أوائل إن لم تكن الأولى في عدن من بدأ بصناعة الإميجورومي وهو فن صناعة الدمى اليابانية.
رسالة حب
بحب تتحدث (أنغام عدنان) عن زميلاتها وتؤكد مدى فخرها أن تكون جزء من مجتمع فيه سيدات وفتيات مبدعات رغم الظروف الحاصلة، ورغم التهميش الإعلامي، إلا أنهن حسب قولها ما يزلن يقدمن أعمالًا تدعو للفخر.
وتوجه (أنغام) رسالة للجميع، كُتاب، ورسامين وأصحاب مشاريع، وكل من يقرأ مفادها أن المعاناة واحدة رغم اختلاف المسار المهني، إلا أن خط الرجعة بعد كل مرحلة يأس وإحباط واكتئاب يواجهها المرء هو خط واحد وهو تقوية صلته بالله والثقة بأن ما هو آت أجمل وبأن الله هو المدبر، وتضيف: “لو فيه أحد حزين أو يمر بفترة سوداوية أو مظلمة فعليه أن يفوض الأمر لله رب العالمين الذي يقول للشيء كن فيكون، مع الأخذ بالأسباب”.
وتشدد على الابتعاد عن التقوقع في مكان واحد والاستسلام لفكرة أن المجتمع ظالم ولا يتقبل أفكارنا وأنه غير قادر على احتضاننا، وبدلًا عن ذلك، تدعو الكاتبة كل شخص يشعر بالإحباط إلى تغيير البيئة المحيطة به والمحبطة له، والبحث عن أفكار إيجابية تدعم الطموح، ومنها القراءة والاستفادة من الإنترنت لتنمية المهارات، وأخيرًا تدعو الكاتبة في رسالتها للشباب والفتيات على وجه الخصوص إلى عدم الالتفات للوراء، وشكر الله عز وجل على أن منحهم القوة على تجاوز المنطقة المظلمة في حياتهم والاستمرار.
رسالة شكر
أطلقت الكاتبة أنغام عدنان مجموعتها القصصية الأولى (ولا كلمة) بمشاركة فريق نسائي بحت وهن، حنان رويس، شهد با شراحيل، صفاء أنيس صاحبة رسمة غلاف المجموعة، مروة علوي، ومريم السعيدي، وكان الشكل الإخراجي من عمل رنا محمد.وبمساعدة أناس آخرين توجه لهم جميعًا الشكر عبر منصتنا: “أشكر أسرتي وكل من وقف بجانبي من أصدقاء ومحبين، و شكرًا لمنصة (نسوان فويس) على اهتمامها بتغطية خبر إشهار المجموعة القصصية (ولا كلمة)” تتمنى (أنغام) في ختام حديثها وجود بيئة آمنة في اليمن تحترم الكتاب والرسامين والفنانين، كما أن أمنيتها تذهب إلى أبعد من ذلك وهو أن يكون مشروع القصص المصورة مشروع مستدام يؤمن لكل العاملين في هذا المجال دخل يساعدهم على الاستمرار والاستقرار