مروى العريقي – نسوان فويس
وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحتل بلادنا المرتبة 160 من 189 دولة في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين، و من ضمن أوجه عدم المساواة بين الجنسين في اليمن قد تخضع المرأة لتقييد حركتها و قد تخضع في طفولتها إلى الختان أو الزواج القسري ، بالإضافة إلى تعرضها للعنف القائم على النوع الاجتماعي، و كثيرا ما ناقشت وسائل الإعلام قضايا المرأة و افردت مساحات لتغطية العديد من المشاكل، لكنها لم تساعد في الحد من تلك المشكلات..
في دراسة تحليلية نشرها موقع مشاقر تعز حول التغطية الإعلامية لقضايا المرأة في اليمن، أعدها الزميل حمدي رسام ، هدفت إلى تحليل تناول وسائل الإعلام و منصات التواصل الاجتماعي لقضايا و أخبار المرأة اليمنية ، و رصد الأنماط التي يتم تداولها و آثارها على صورة المرأة في المجتمع اليمني المحافظ..
أظهرت الدراسة إساءات تلك المواقع إلى قضايا المرأة و حقوقها و ارجحت ذلك إلى عدة أسباب منها افتقار الصحفيين في اليمن إلى معرفة المبادئ و الأخلاقيات الصحفية الخاصة بالتغطية المهنية المتوازنة لقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي ، و أن استخدام وسائل الإعلام اليمنية قضايا النساء كان من أجل الإثارة و تسويق المادة الإعلامية بغرض زيادة المشاهدة و التفاعل على حساب مبادئ و أخلاقيات الصحافة و حقوق المرأة..
المستشار الإعلامي و المدرب نشوان السميري ابدى استغرابه على هذه النتيجة في حديثة لمنصة نسوان فويس : ” قد يبدو لي أن نتيجة هذه الدراسة مبالغ فيها نوعا ما إذا وضعنا خطاً تحت كلمتي “الإثارة و تسويق” المواد الإعلامية ، قد لا نتفق هنا على انتقاء هذه الكلمات لوصف هذا الأمر، لكننا سنتفق على الوقائع التي نعرفها و هي استغلال صورة المرأة في التسويق و الدعاية ، و قد لا تخرج وسائل الإعلام اليمنية عن هذا الإطار في الغالب ، لكني شخصياً لم أصادف مادة صحفية لفتت نظري يمكن وصفها بهذا.. “
ودعا السميري الصحفيات إلى الكتابة وفق معايير الصحافة الجيدة و الإيمان بقضايا المرأة فعلا و قولا، و إبرازها بوضوح، معتبراً هذه الخطوات أهم الأسس التي تسمح بمناصرة قضايا النساء دون تحيز وفق مبادئ العدالة الاجتماعية.
في ذات السياق تحدثت إلينا الدكتورة نوال الحزورة أستاذ الإعلام المساعد بكلية الإعلام بجامعة صنعاء : “قبل كل شيء لابد أن تعي الصحفية ذاتها أن المرأة جزء من المجتمع تؤثر و تتأثر بكل المعطيات الاجتماعية و بالتالي قبل كل شيء لابد للصحفية أن تستوعب و تفهم بشكل واقعي مكانة و وضع المرأة في المجتمع اليمني ، و ما خلفيته و ابعاده الاجتماعية و الثقافية و حتى السياسية ، و ما الذي يستلزم النهوض بجميع أدوار المرأة الاجتماعية في شتي المجالات “
و تطرقت الحزورة في حديثها لنسوان فويس إلى ضرورة إيمان الصحفيات بالحقوق قبل مناصرتها :” الصحفية لابد أن تؤمن بحقوقها و حقوق كل اليمنيات، قبل أن تتصدى لمناصرتها إعلامياً ، أن تستوعب وضع المرأة بشكل عام ، أن تضع أولويات لترتيب هذه القضايا وفق أهميتها و واقعها الفعلي لتتمكن من طرح معالجات واقعية ” .
مناهضة الاستغلال
تعددت اشكال استغلال قضايا النساء بين فترة و أخرى ، وسط غياب للمساندة الحقيقة للمرأة في ابسط حقوقها ، و بسبب الحرب تراجعت العديد من الخطوات التي ارتسمت و تقلصت الجهود المبذولة في سبيل مناصرة قضايا المرأة ، تشدد الحزورة على أهمية وعي الصحفيات لصور الاستغلال التي استغلت قضايا النساء في التسويق لجهات و منظمات وأحيانا أحزاب و تيارات سياسية لم تقدم للمرأة أي مساندة حقيقية..
و تضيف : “هنا يمكن أن يتم دراسة أو تقييم ما الانشطة و الفعاليات و الدعوات التي قدمت عبر الجهات الرسمية في مؤسسات الدولة أو حتى منظمات المجتمع المدني خلال الفترة الماضية.. ما الذي قدمته للنساء ؟! ما الذي أسهمت به في خفض نسبة الأمية أو تحسين وضع المرأة الريفية أو دفعت بمشاركة المرأة في الحياة العامة و مؤسسات الدولة ، خاصة في مواقع صناعة القرار “
ظلت قضايا مناصرة المرأة مجرد شعارات خلال العقود الماضية ، و كان التحسن طفيفاً يمكن ملاحظته في المجال التعليمي لكن سرعان ما تراجع بفعل الحرب كما توضح ذلك الحزورة: “بالإمكان الاستدلال بمشاركة النساء في البرلمان خلال التسعينيات و ما تلاها ، و الذي شهد تراجعاً ملحوظاً و خلال العشر السنوات الأخيرة كانت المرأة أكثر الفئات معاناة منذ بدء الأزمة و تفاقم أحداث الصراع و الحرب ، و أكثر الفئات استغلالاً كشعارات جوفاء عقيمة لدى كثير من المنظمات و الجهات الرسمية و التيارات المتصارعة ، التي لم تكن صادقة بشكل فعلي في رفع معاناة النساء بل كان المهم هو الاسترباح و المتاجرة بقضايا القتلى و الشهداء و النازحين و حتى الجوعى و الفقراء و في القائمة ترص النساء لتصبح أبعاد الشعارات أكثر إيلاماً وتأثيرا !”
و تسترسل الحزوره : “كل هذه الجوانب يجب أن تستوعبها الصحفية لتسطيع مناصرتها بشكل حقيقي و لا تنساق لمثل هذه الممارسات المشينة التي تزيد معاناة المرأة اليمنية”
أخلاقيات المهنة
لعل غياب ميثاق شرف صحفي للمؤسسات و الوسائل الإعلامية في اليمن زاد من الطين بله ، إذ لا يوجد ما يحمي الضحية من التشهير بها ، ما يسهل استغلالها و امتهان كرامتها و الحيلولة دون مناصرة قضيتها ، عن ذلك تقول الحزورة لمنصة نسوان فويس : “هناك أزمة اخلاقيات في الممارسات الإعلامية خاصة في إطار الأزمة و الصراع الذي تعيشه بلادنا ، حيث تحولت الوسائل الإعلامية لأدوات استخدمها المتصارعون في هذه الحرب ، لذا لم تتضرر المرأة فقط من تلك الممارسات بل كل فئات المجتمع”.
لا يقف الأمر هنا فحسب ، بل يساهم هذا الغياب في اتساع دائرة العنف ضد النساء دون إمكانية رصدها و توثيقها ، و لذا دعت الحزورة إلى الالتزام بالمواثيق المهنية و أخلاقياتها في عرض قضايا النساء بشكل منصف و موضوعي ، و أن تتبنى المنظمات المعنية و المهتمة بين الحين و الآخر القيام بتوعية الإعلاميين بأهمية الالتزام بأخلاقيات المهنة في التعامل مع قضايا المرأة اليمنية خاصة في فترة الأزمات و الحروب.
تكثر التجاوزات بحق النساء حين لا يحاسب مرتكبوها و لذا تقترح الحزورة إنشاء مرصد إعلامي لتتبع اشكال التجاوزات الأخلاقية في التعاطي مع قضايا المرأة ، و عرض تلك التجاوزات في تقارير تفضح القائمين عليها و تطالب بمحاسبتهم..
و لحساسية مفهوم العنف القائم على النوع الاجتماعي و جهل القائمين بالاتصال بأخلاقيات التغطية لقضاياه يقول السميري : “مفهوم العنف القائم على النوع الاجتماعي هو مفهوم صعب الفهم عادة ، و يكاد استخدامه ينحصر على المتخصصين في المجال ، لذا فإن تأهيل الإعلاميين على هذا المفهوم و على تمييز قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي عن قضايا العنف الأخرى يُعد الوسيلة الأفضل التي ستساهم في خلق وعي صحفي قادر على الإسهام بفعالية في الحد من هذه الظاهرة مجتمعياً ، و لا شك أن دليلاً مبسطاً لإرشادات التغطية الصحفية في هذه القضايا سيكون جداً مفيد”
كيف يمكن لمنصات نسوية ناشئة أن تسهم في الحد من القصور في المشهد الإعلامي تجاه قضايا النساء؟
انتشرت مؤخرا منصات نسوية عملت على ابراز نماذج نسوية ناجحة و إظهار معاناة النساء في ظل ما تشهده البلاد من صراع ، و لأجل تقليص الفجوة الأخلاقية و الإعلامية في التعاطي مع قضايا المرأة اليمنية تقترح الحزورة العمل على مشروع تحتاج فيه إلى تكاتف من المؤسسات المناصرة لقضايا النساء الرسمية و منظمات المجتمع المدني و كل المهتمين بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، و الضغط لتحويله لمشروع وطني تتبناه الدولة.
يعد الظهور الناشئ لمنصات مهتمة بقضايا النساء أمرا في غاية الأهمية إذا ما ركزت هذه المنصات على طرح متنوع و موسع لقضايا النساء بكل شرائحهن سواء في الريف أو الحضر و بمختلف الفئات العمرية و تنصح أستاذ الإعلام بوضع أجندة أولويات للقائمين على هذه المواقع ، لأهم قضايا النساء التي لابد من تناولها ، و لمن توجه تلك الرسائل..
و ترى الحزورة ضرورة أن تركز هذه المنصات على توجيه جزء من خطابها للمرأة ذاتها توعيتها بحقوقها و واجباتها الاجتماعية، و الدور المنوط بها، و تعزيز ثقتها بقدراتها و ذاتها و أنها مواطن في هذه البلد مثلها مثل الرجل. منوهة إلى أهمية تركيز هذه المنصات على الطرح الإعلامي الابتكاري في أشكال و قوالب جذابة تحاكي لغة العصر و الشباب ، فالشباب هم جمهور هذه المنصات التي يرتادها أكثر من غيره …
موضع نقاش
يرى السميري أن على هذه المنصات ألا تكرر الأخطاء التي وقعت وتقع فيها المنصات التي سبقتها ، و أيضا عليها التفكير خارج الصندوق في تناول هذه القضايا بشكل مبتكر و ابداعي و في متناول البسطاء من الناس، و ليس معتادا ومجترا و متحيزا ، كما يجب ألا تجعل هذه المنصات من قضايا المرأة عملاً مناسباتيا بمناسبة عيد المرأة أو الأم أو غيرها ، بل أن تنظر إلى هذه القضايا على أنها قضايا مجتمعية حقيقية ، و الكفاح طيلة العام من أجل نقلها للناس ، و جعلها موضع نقاش عام لجمهور هذه الوسائل.
كما يمكن عمل تشبيك بين المنصات المهتمة بقضايا النساء و كل الوسائل الإعلامية الممكنة لتبني تناول مشترك لقضايا تخص المرأة ، و الدفع بها لمنطقة تركيز الرأي العام ، وأصحاب القرار. هذا الجانب يعمل على اتساع الجهود الإعلامية و الاتصالية عموما لمناصرة قضايا النساء. بحسب الحزورة..