سكن الزوجية حق مثبت تنفيه عادة السكن مع أهل الزوج

شارك المقال

امل وحيش – نسوان فويس

من الطبيعي أن تحلم كل امرأة مقبلة على الزواج أو متزوجة في سكن مستقل تعتبره مملكتها الخاصة التي تأويها هي و زوجها و أبنائها دون أن يحول بين سعادتهم و استقلالهم و التمتع بمساحة من الحرية الشخصية حائل .

إلا أنه في مجتمعنا اليمني نجد أن أغلب النساء مازلن يعانين من عدم توفير سكن زوجية مستقل لهن كي ينعمن ببعض من الخصوصية في حياتهن مع أزواجهن و أبنائهن ، تضطر كثير من النساء للعيش مع أهل الزوج نظراً لعدم قدرة الزوج على استئجار مسكن مستقل لزوجته ، أو لأن الأب و الأم يرفضون ابتعاد ابنهم عنهم فيضطر للخضوع لرغبة والديه.

تعبت من بيت عمي..!

“تعبت من بيت عمي” بالصدفة التقيتها في الحافلة و سألتني إذا كنت أعرف مؤسسة تقبل توظيفها بشهادة التمريض 

“أم إسلام” متزوجة حديثاً لديها طفل في شهره السادس ، لكنها تشكو من السكن مع أهل زوجها ، فعندما سألتها عن سبب بحثها عن عمل أجابت: ” تعبت من بيت عمي اشتي أخرج بيت لحالي و مستعدة اشتغل و أساعد زوجي و نخرج وحدنا “.

عن السبب في عدم الارتياح في بيت أهل زوجها و مطالبتها بسكن مستقل تقول “أم إسلام” أنها تعيش مع إخوة زوجها الأربعة و كل واحد منهم في شقة عدا زوجها و أخوه الأكبر في شقة واحدة و هي لا تجد راحتها في البيت من حيث ارتداء الملابس و الاستقرار كذلك مشاكل مستمرة بين زوجات الإخوة و هذا ما يجعلها تبحث عن عمل لمساعدة زوجها كي يبحث عن شقة مستقلة و تضيف أم إسلام :” مستعدة اشتغل و نتساعد أنا و زوجي و نسكن حتى بغرفة و مطبخ أنا راضيه أهم شيء أرتاح “.

و تؤيدها الرأي في أن البيت المستقل راحة و يجنب الكثير من المشاكل “هالة” و هي شابة في بداية الثلاثينات متزوجة منذ أشهر و بعد أشهر قليلة ستصبح أم : “أنا الصدق شرطت على زوجي إني اشتي بيت لحالي عشان مشتيش مشاكل و اشتي ارتاح ببيتي مع إنه أمه و أبوه لحالهم و كان رافض و هم كانوا معترضين بس بعدين قبل زوجي و سكنا لحالنا وعلاقتي بأهل زوجي ممتازة عكس لو كنت عندهم محد يسلم من المشاكل “.

مقبلات على الزواج

المتعارف عليه في أوساط الشابات المقبلات على الزواج هو شرط السكن المستقل و هذا غالباً أصبح شرط يضعه الآباء على المتقدمين لخطبة بناتهم متبعين المثل القائل” ابعد عن أهلك يحبوك ” و هذا ما تؤكده ” سيناء محمد ” شابة في بداية العشرينات حيث تقول انها مع السكن المستقل للزوجة و ذلك كي تظل العلاقة جيدة بينها و بين أهل زوجها لأن السكن الجماعي يورث الكثير من المشاكل و الهدف من الزواج هو الاستقرار لذلك “مش من أولها مشاكل” حسب قولها.

و تتفق معهن “وداد” معلمة من محافظة تعز غير متزوجة- بأن الزواج السكن مع أهل الزوج متعب للزوجة و تضيف :” أنا من حقي سكن لحالي لأني أحب أكون ملكة في بيتي ، أحب أكون ربة بيت ممتازة ما أحب أحد يقول لي ليش و ليش و لا تسوي كذه وسوي كذا عشان أكون مرتاحة و هم كمان يرتاحوا”.

برأي دعاء خريجة ثانوية أن الزواج لبيت أهل الزوج خاصة بوجود الأم تكثر فيه المشاكل لأن الأم تغار على ابنها من امرأة جديدة دخلت حياته و هي تقدر هذا الشيء لكن الأمر برأيها قد يتطور حتى يصبح مرض يؤذي الأم و ابنها و زوجته.

و تضيف : ” عندنا في اليمن معروف كل واحد يتزوج لبيت أبوه و يكون البيت ملان ناس لا تقدر المرة تأخذ راحتها و لا حتى تفتهن لما يكون البيت واصل ملان تكثر المهرة، و العمل ما يكمل و هكذا تعب و أحسن شيء انه كل واحدة يكون معها بيت لحالها ترتاح فيه”.

أمهات مع و ضد

لا شك أن أي أم لديها ابن على وشك الزواج أو قد تزوج لا تتمنى أن يفارقها سواء كان وحيدها أو لديه إخوة لكنها سنة الحياة التي يجب على كل أم أن تتقبلها.

“أم يوسف” تقول إن لديها 7 أولاد بعضهم على وشك الزواج تؤكد أنها مع أن يسكن ابنها في منزل لوحده و تعلل سبب ذلك إلى أن الأبناء عندما يسكنون بعيد عن الأهل يتعلمون الاعتماد على النفس و يقدرون الحياة الزوجية و يتعلمون كيف يكونون على قدر المسؤولية بحسب تعبيرها .

أما “أم نصر” ” فهي ضد خروج ابنها للسكن بعيد عنها و تقول :” ربيته و تعبت عليه عشان تجي واحدة تشله بيوم و ليلة مقدرش أتخيل إن ولدي يعيش بعيد عني”

 أم زياد على الرغم من أن الأمر ليس سهل برأيها إلا أنها تقول من الأفضل أن يتزوج الأبناء و يستقلون هم و زوجاتهم قائلة :” أنا أشوف إن الواحد ما يزوج ولده إلا و قد معه بيت لحاله ملكه أو إيجار أهم شيء يعتمد على نفسه و نسكه المشاكل و نجلس أصحاب احنا و بنت الناس لأنه كل واحد بعيد أحسن”.

“أم كنان” أثناء النقاش مع مجموعة من الفتيات تقول إنها لم تعش مع أهل زوجها منذ البداية لأن زوجها كان مستقل بذاته و بعيد عن أهله لكنها تمنت لو أنها عاشت مع والدته و والده خاصة انهم كبار في السن،  بحسب كلامها كانت تتمنى أن تكسب أجراً في خدمتهم.. لتقاطعها أخت محمد قائلة:” لو كنت معاهم كنت قلتي عكس و طالبتي ببيت لحالك و لو عملتي مع أهل الزوج ما عملتي ما يتجملوش ” ترد أم “كنان” :” مش مهم يتجملوا أنا أعمل لله و أكون راضية ما بنتظر أحد يرد لي الجميل أهم شيء عملت شيء مقتنعة فيه” تقول أم كنان التي زوجت ابنتها منذ مدة قصيرة :” حرام الابن يفلت أمه و أبوه و هم كبار و يسير يعيش بعيد عنهم ، من بيهتم فيهم المفروض الزوجة تقدر هذا الشي”..

حق و اختيار

بحسب مختصين في علم الاجتماع فإن الأسرة نوعان هما الأسرة النواة  التي تقتصر على الزوج و الزوجة و الأبناء و يعيشون تحت سقف واحد، و النوع الثاني هي الأسرة الممتدة التي يعيش فيها الزوج و الزوجة و الأب و الأم و يمكن يكون الجد و يمتد لأكثر من جيل بحسب الدكتور “ياسر الصلوي” أستاذ علم الاجتماع بقسم علم الاجتماع كلية الآداب جامعة تعز.

يرى الدكتور ياسر أن لكلا الأسرتين سلبيات و إيجابيات لخصها في حديثه لمنصة “نسوان فويس” متحدثاً عن الآثار المترتبة لسكن الزوجة مع أهل زوجها :” ما في شك أن هناك مزايا وعيوب لكلا النوعين من الأسر، لكن بكل تأكيد خاصة مع متطلبات الحياة الحالية فالأسرة النواة -المستقلة عن بقية الأهل- هي الأفضل لأنه يصبح هناك قدر كبير من الاستقلالية في اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمعيشة و تربية الأبناء و يتاح للزوجين أيضا التفكير بقدر كبير من الحرية في كيفية اختيار حياتهم و تربية أبنائهم “.

فيما يتعلق بحق المرأة بالمطالبة بسكن زوجية مستقل يؤكد الدكتور الصلوي بأنه من حق الزوجة أن تعيش مستقلة في بيت خاص فيها : ” أعتقد و هذه وجهة نظري ان هذه مسألة طبيعية من حق الزوجة أن تختار و تستقل بعيد عن أهل الزوج لأنه يتيح لها قدر كبير من الحرية في اختيار نمط العيش و أيضا تسود بين الزوجين أجواء من التفاهم دون تدخل أفراد الأسرة في شؤونهم الحياتية أو فيما يتعلق بتربية أطفالهم، و هذا بدوره يساعد على جو من التفاهم فيما بين الزوجين و التغلب على كثير من المشكلات التي يمكن أن يتعرضون لها “.

و يشدد الصلوي على أهمية استقلال الزوجة هي و زوجها في بيت خارج إطار بيت العائلة الكبير بالنسبة للأبناء مستكملاً حديثه : “أضف إلى ذلك و هذه هي المسألة الأهم تتيح مسألة تربية الأبناء بدون تدخل من أفراد السرة كالآباء و الأعمام و الأخوال و غيره ، و يتحمل الأبوين مسؤولية تربية أبنائهم بالكيفية و الطريقة التي يرون أنها مناسبة”.

للسكن مع الأهل أثر إيجابي واحد من وجهة نظر الدكتور ياسر الصلوي  يتمثل في أن السكن مع أهل الزوج يخفف العبء عن الزوج خاصة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد عدا ذلك فكل الجوانب الأخرى سلبية لأنها تمنع كلا الزوجين من اتخاذ قرارات مصيرية في حياتهما و حياة أطفالهما الأمر الذي قد يجعل من العلاقة الزوجية مليئة بالتوتر و قد يصل الأمر بكثير من الأزواج للانفصال نتيجة لتدخل الأهل في حياتهما و عدم إتاحة الفرصة للزوجين لمواجهة المشكلات و التفكير مع بعض للوصول لحل لها :” هناك إيجابيات و سلبيات لكن الإيجابيات خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية التي نمر بها هناك قدر من التضامن فيما بينها أو ما بين الأسر لمواجهة الظروف الاقتصادية خاصة اذا ما كان الزوج محدود الدخل أو لا تتوفر لديه الإمكانيات التي يمكن أن تساعده على أن يعيش بمفرده و في إطار أسرة واحدة خاصة فيما يتعلق بالجوانب المادية هذا هو فقط الجانب الإيجابي الذي يمكن أن يكون من خلال السكن مع أهل الزوج عدا ذلك كل الجوانب الأخرى هي بكل تأكيد سلبية ” و يوضح الدكتور ياسر لماذا تعتبر غالبية الجوانب بالنسبة للسكن مع أهل الزوج جوانب سلبية :” لا يصبح الزوجان مستقلان و لا يستطيعان اتخاذ قرارات فيما يتعلق بتسيير و تدبير شؤون الأسرة بعيدا عن تدخلات الأهل و يصبح تدخل الأهل مسألة واردة في كثير من القضايا الأمر الذي يؤدي إلى أن تصبح العلاقة بين الزوجين علاقة متوترة في معظم الأحيان و قد يؤدي هذا التوتر في كثير من الأحيان إلى أن تنتهي العلاقة الزوجية بتفكك الأسرة و الطلاق”.

و حول مطالبة كثير من النساء لأزواجهن بسكن منفرد بعيد عن تدخلات و مشاكل الأهل في ظل ظروف تجري عكس ما يرغب الجميع خاصة أن بعض الأزواج لا يستطيعون العيش بزوجاتهم بعيد عن الأهل بسبب وضعهم المادي يؤكد الصلوي أن ذلك يعود إلى طبيعة الزوجة و مدى تقديرها لزوجها و الإمكانيات التي تتوفر لديه  حد تعبيره ، و يضيف :” لا نختلف من حيث المبدأ أنه من حقها أن تكون مستقلة لكن إذا ما كانت الظروف لا تسمح  للزوج فهي تضع عقبات أمام الزوج و تضعه أمام خيارات قد لا يستطيع تلبيتها أو توفيرها و هو ما قد يؤدي إلى نشوب خلافات و بالتالي يؤدي إلى خلافات تنتهي نهاية المطاف بالانفصال و تفكك الأسرة و بالتالي يجب أن نفرق بينما هو حق ومسألة شرعية وثانوية”.

ونوه الصلوي إلى أهمية أن يؤخذ بالاعتبار الظروف الصعبة التي يمر بها المجتمع اليمني :” أصبح كثير من الأفراد لا يستطيعون توفير المتطلبات الأساسية للأسرة فكيف باستئجار مسكن جديد و خاصة في مثل هذه الظروف و توفير كل هذه الاحتياجات أمر في غاية الصعوبة الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشاكل فيما بين الزوجين و الوصول للانفصال و بذلك تكون بذلك المرأة خسرت وضعها وزوجها و تكوين أسرة و عادة ما يدفع الأبناء ثمن مثل ذلك السلوك اللامسؤول”.

لكنه في الوقت ذاته يؤكد على أن الزوجة التي لم تستطع أن تتكيف مع المعيشة مع أهل الزوج فمن الطبيعي بل و من حقها أن تطالب بسكن مستقل و بقائها مع اهل زوجها في سكن واحد يعود لها بشرط ألا تكون هذه المطالبة تعجيزية أو لمجرد المطالبة إلا اذا توفرت أسباب حقيقية تدفع بها للبحث عن سكن مستقل ، و دعا الدكتور ياسر الصلوي النساء إلى مراعاة ظروف الزوج في مثل هذه الأوضاع و في الأخير يؤكد أن القرار يعود لها و في كل الأحوال من حقها كزوجة أن تستقل و يكون لها مسكنها الخاص بها :” في كل الأحوال من حق المرأة أن تستقل و يكون لها مسكن خاص بها و هذه حياتها الزوجية و هي من تقرر في شؤون مملكتها و بيتها دون أي تدخل .

سكن الزوجية في الشرع 

في الشريعة الإسلامية شُرع للزوجة أن تحصل على مسكن خاص بها لا يشاركها فيه أحد تستطيع من خلاله أن تأخذ حريتها في ملبسها و مأكلها و كافة نواحي حياتها و من مواصفات المسكن بحسب اتفاق المذاهب جميعها ولا خلاف فيه و يشترط في سكن الزوجية مجموعة من الشروط أبرزها أن يكون مسكن الزوجية بعيد عن أهل الزوج ، و يقبل فيه فقط الطفل لو كان غير مميز، و السبب في ذلك الشرط أن المرأة تتأثر بالضرر إذا شاركها غيرها، في بيتها أحد، ولا تكون في شعور بالأمان على أمتعتها، وأن لا يكون السكن بقرب من أهل الزوج أو من زوجاته في حال كان متزوج بأخرى تجنباً للمضايقات.

قانون سكن الزوجية

في قانون الأحوال الشخصية رقم (20) لسنة 1992 نصت المادة(41) على أنه يجب على الزوج لزوجته ما يلي:-

1- إعداد سكن شرعي مما يليق مثله من مثله.

2- نفقة وكسوة مثلها من مثله.

3- العدل بينها وبين سائر زوجاته إذا كان للزوج أكثر من زوجة.

4- عدم التعرض لأموالها الخاصة.

5- عدم إضرارها ماديا أو معنويا.

وقد تم تأكيد استقلال سكن الزوجية في المادة(42)-

“يشترط في المسكن الشرعي أن يكون مستقلا تأمن فيه الزوجة على نفسها ومالها ويعتبر في ذلك حال الزوج و مسكن أمثاله وعرف البلد وعدم مضارة الزوجة وللزوج أن يسكن مع زوجته وأولاده منها ومن غيرها ولو كانوا بالغين وأبويه ومحارمه من النساء إذا كان إسكانهم واجبا عليه بشرط اتساع المسكن لسكناهم وعدم مضارة الزوجة وأن لا تكون قد اشترطت غير ذلك عند العقد”.

السكن المستقل هو أحد أهم حقوق المرأة التي تحب أن تنفرد به للتمتع بحياتها الزوجية والتي غالباً ما تكون مليئة بالخصوصيات، بالإضافة إلى محاولة الابتعاد عن المشاكل التي قد تحدث نتيجة الاختلاط الدائم بعائلة الزوج.

ولكن استقلال الزوجة بسكنها الخاص لا يعني أن تعتزل التواصل مع أهل زوجها وأقاربه، أو أنها بهذا تبعد الزوج عن صلة أهله، بل على العكس في كثير من الحالات تتعمق أواصر المحبة بين الأهل وكنتهم وتبقى العلاقة جيدة سواء بين الزوجة و أهل زوجها أو بين الزوج و زوجته.

مقالات اخرى