مروى العريقي – نسوان فويس
لا يكاد يمر يوماً على أم حمود (60 عاما) دون أن تبكي فيه على ما وصل بها الحال فلم يشفع لها كبر سنها و قلة حيلتها في الحصول على راحة و اختتام أواخر عمرها بالسكينة و الأعمال التعبدية كحال من هم في سنها ، تشكي ما بها لخالقها و تطلب منه انهاء حياتها ، تتحدث بالهاتف و اغلب جملها ” الله يأخذني من قبالكم ” أنا تعبت يا بنتي تشير إلى يدها اليمني قائلة : ” ابسري كيف قد يدي من الخبيز أنا أخدم في البيوت و عيالي ما يرحموني يدوروا مني زلط و أنا يا الله أدبر اللقمة و اصرف على أختهم المعاقة “..
لدى أم حمود أربعة أبناء من الذكور و ثلاث أناث إحداهن تعاني من ضمور في الدماغ منذ ولادتها قبل 16 عاماً ، ظنت أم حمود أن بعد تزويج جميع الأبناء ستنتهي مشاكلهم لكن ما من مشكلة صغيرة أو كبيرة إلا لجأوا إليها في الحصول على المال أي كان قدره ، فهي الأب و الأم و رب العمل المسؤول عن دفع المال لتسديد التزاماتهم تجاه أبناءهم و نسائهم أو حتى مشاكلهم مع الآخرين ..
أم عمرو (51 عاما) تتحدث هي الأخرى عن خذلان القدر لها فبعد أن أفنت شبابها في تربية أبنائها على أمل الاستناد عليهم اليوم ، إلا أنهم مازالوا يتكئون عليها في مأكلهم و مشربهم و مصاريف دراسة أولادهم ، تقول لنسوان فويس: أصبح وضعنا المادي سيء مع توقف الرواتب و كنت أعول على الأولاد بأن يصرفوا على البيت لكنهم متكلين علينا إلى اليوم ..
تعمل أم عمرو في التعليم لدى القطاع الحكومي ، تعيش ظروفاً صعبة مع زوجها العامل بنظام الأجر اليومي في إحدى المحاكم ، و مع ابنيها و زوجاتهما و الأطفال في منزل واحد بالكاد يتسع لهم ، و ما يجمعه الزوجان ينفقه الأبناء على أبنائهم ..
لا تختلف معاناة هنادي غالب (30 عاما) عنهن، فهي تعمل معلمة في إحدى المدارس الأهلية في العاصمة صنعاء تقول لنسوان فويس في التسجيل التالي:
ترى الدكتورة لينا العبسي -أستاذ علم الاجتماع بجامعة العلوم و التكنولوجيا – أن هذا الأمر عائداً على المرأة نفسها ، فهناك نساء يفرحن بأنهن من يعملن كون القرار بالدخول و الخروج من البيت بيدها و شراء ما ترغب به ، على العكس لو كان المال بيد الرجل فهو المتحكم ، و على خلافهن فأخريات يضقن من تواجد الرجل في المنزل دون عمل ، و هي من تعمل داخل البيت و خارجه.
الخلافات
أسباب عدة أخرجت المرأة لسوق العمل ، توضح العبسي أن الخلافات الأسرية في مسألة من سيقوم بدفع مصاريف تعليم الأبناء و تراكم الالتزامات الأخرى كإيجار المنزل أو تسديد فواتير الماء و الكهرباء تعد أحد أسباب خروج المرأة للعمل ، تقول لنسوان فويس : عندما يجد الرجل نفسه غير قادر على أن يوجد فرص عمل متعددة أو أن فرصة العمل التي يعمل بها لا تكاد تعود عليه بمردود مناسب قد تجعله يترك هذه الوظيفة و يفضل الجلوس في البيت ، في المقابل المرأة التي تجد نفسها أمام تحدي نفقات أسرة و بيت و أطفال قد تذهب لاقتحام سوق العمل و العمل في مجالات مختلفة لا تمتلك فيها الخبرة و لا التأهيل..
إن تواجد المرأة بشكل لافت في سوق العمل خلق لها فرص عمل جديدة تتناسب مع طبيعة المجتمع المحافظ فظهرت وظيفة التصوير في الأعراس النسائية و المناسبات النسوية الخاصة التي تتطلب وجود عمالة نسوية من شأنها توفر خصوصية للمرأة و وجدت هذه الوظائف ترحيب من المجتمع ما دفع بالرجل بالموافقة على عمل زوجته و اقتناعه بحصولها على وظيفة حتى و إن كانت وظيفة لا تتطلب تأهيل أو تعليم مرتفع ، و في المقابل هناك من يعمل على اتجاه مناهض فيرى أنها قادرة على توفير المصروف و تدبر حاجات البيت و بالتالي هو يركن و يتجه إلى مجالس القات و الراحة و النوم لأنه وجد هذه المسألة عوضت جانب النقص فيه فيفرض عليها أن تدبر هذه المسؤوليات ..
كشفت هذه الأزمة أن المرأة أكثر حرصاً على تلبية حاجيات الأسرة و خوفها على تعرض أبنائها للإهانة أو شعورهم بالنقص كانت السبب في استغلالها من قبل الرجل الذي لا يأبه بمسؤولياته كرب أسرة ، وخشيتها من أن تعود إلى بيت أسرتها امرأة مطلقة لا حيلة لها خاصة إذا كانت لا تمتلك إرث ، و كانت أسرتها مثقلة بالمعاناة نتيجة الأوضاع الصعبة ، و ترجح العبسي قبول المرأة لهذا الظرف عائد إلى مدى صبرها و تحملها نفقات أسرتها مرجحة وصولها إلى حد معين لا تستطيع معه تحمّل كل هذه الأعباء الاقتصادية ..
فرص جديدة
و عن إحجام بعض الرجال عن ممارسة بعض الأعمال أصبحت فرص متاحة للنساء ، ترى العبسي أن سوق العمل هو سوق منافسة ، إذا فقد أحد الأطراف فرصة أخذها الطرف الثاني ، الرجل مثلاً قد لا يقبل براتب 50 ألف بينما تقبل المرأة بالـ 40 ألف أو الـ 30 ألف و هذا يساعد على أن توسع عمالة المرأة و دخولها مجالات أخرى ، ليست محبة بالمرأة و لا إيماناً بضرورة مشاركتها العمل أو لكونها الأجدر ، و إنما هو استغلال رؤوس الأموال في استقطاب العمالة الأرخص مستغلين حاجة المرأة كون الرجل لا يقبل بأعمال متدنية الأجر..
الاضطرار
فيما ترى أستاذة علم الاقتصاد فوزية ناشر رئيسة مجلس سيدات الأعمال اليمنيات ، و رئيسة لجنة سيدات الأعمال في الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية اليمنية ، أن المرأة اليمنية وجدت نفسها المعيلة الوحيدة للأسرة بعد فقدان الرجل عمله أو استشهاده في الحرب ، و في ظل ظروف صعبة تعيشها خرجت للعمل بمختلف المجالات و منها مهن كانت مقصورة على الرجال ..
و ترجح ناشر أسباب قبول المرأة بتحمل الأعباء الاقتصادية إلى عدم صرف رواتب موظفي الدولة ، إذ دفعت هذه الأزمة بعدد من الفتيات للانخراط في سوق العمل من أجل مواصلة تعليمهن أو البحث عن لقمة العيش لأسرهن..
كما أن تسريح الكثير من الموظفين و تقليصهم من الشركات الخاصة كان له دور كبير في بحث النساء على مصادر دخل بديلة ، فنجد اعتماد النساء على مواهبهن سواء في أعمال الكوافير أو النقش ” الحناء” ساعد في خلق فرص عمل لهن بعد توقف مصادر دخل ذويهن في القطاع الخاص بسبب العبء الكبير على القطاع الخاص للأوضاع التي تعيشه البلاد و ما يعانيه القطاع الخاص من أعباء و جبايات مفروضة عليه ..
و لعل مغادرة الكثير من المنظمات و الشركات الكبيرة و السفارات من اليمن بسبب أوضاع الحرب يُعد أحد أسباب بحث المرأة عن عمل، تقول ناشر: ” توقف الاستثمار أثر بشكل كبير على زيادة احتياج الأسرة إلى أكثر من معيل فيها ، و كذا توقف رواتب موظفين السفارات و المنظمات الذين اعتادوا على الانفاق بالعملات الأجنبية الأمر الذي دفع بالمرأة إلى الاعتماد على ذاتها و المساهمة في الأعباء الاقتصادية للأسرة..
و عن وجود المرأة في مجالات عمل جديدة ترى ناشر أن هذا الأمر زادها قوة ، فرغم كل التحديات التي تواجه المرأة و في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد ، إلا أنها استطاعت أن تدخل سوق العمل الصعب و تنافس في مجالات مختلفة و جديده عليها ، و هذا دليل على ذكاءها و قوتها و اصرارها على النجاح و تحمل المسؤولية لتصبح المعيل الوحيد لأسرتها.
ولا تزال اليمن تشهد أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم ، مع استمرار الصراع لعامه الثامن و اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية خفت انظار العالم عن معاناة ملايين اليمنيين ، البيانات التالية توضح حجم الوضع الانساني في اليمن الذي تسببت به الحرب :
معلومات نشرتها منظمة العمل الدولية لإحصاء و استطلاع أجرته خلال ٢٠١٣_٢٠١٤ :