الحرب في اليمن ضاعفت من عمالة النساء

شارك المقال

مروى العريقي – نسوان فويس

في مجتمعٍ قبلي محافظ كاليمن ، لم يتقبل عمل المرأة سوى كطبيبة أو معلمة على مدى سنوات ، دون الاكتراث بحقها في الحصول على تأهيل يناسب طموحها ، أو يقيها عوز السؤال وغدر الزمان ، ازدادت في الآونة الأخيرة فرص عمل للنساء في مختلف القطاعات ، إذ التحقت عدد من الفتيات بمهن غير معهوده في الأسواق التجارية (المولات) أو المطاعم أو المصارف و غيرها ، في هذا التقرير نسلط الضوء على عمالة النساء في ظل الحرب..

تعمل غادة (18  عاماً ) – اسم مستعار- مسوقة منظفات في أحد المولات بالعاصمة صنعاء و هو أول عمل لها بعد انهاءها الثانوية العامة ، تقول لنسوان فويس : ” دخلنا بالبيت قليل ، أبي عامل ، يوم يشتغل و عشر أيام لا ، و أنا بعد ما خلصت المدرسة دورت عمل و لقيت هذا المول القريب من البيت ” ، تتقاضى غادة مبلغ ألف ريال باليوم الواحد ما يعادل (1.4) دولار أمريكي ، مقابل دوام يستمر ثمان ساعات و تقول عنه : ” هو أفضل مما فيش ” .. 

بينما تعمل فاطمة عبد السلام (26  عاما ) في محل لبيع الهدايا في مدينة تعز – جنوب غربي البلاد – بدوام كامل و براتب شهري ستون ألف ريال ما يعادل ( 60) دولار أمريكي ، ” زمان كان يكفي شخص واحد يشغل و يصرف على البيت كله اليوم لا ، لازم كل من في البيت يشتغل عشان نقدر نوفر كل المتطلبات ، الأسعار ترتفع و كل شيء غالي و الخدمات من سيئ لأسوء ”  تقول فاطمة ..


انعكاسات الحرب

تخلق الحرب تحدياً جديداً في المجتمع فتواجه النساء كل تحديات الحرب لتُعيل نفسها و أسرتها بعد فقدان عائلها ، كما يوضح ذلك الكاتب الصحفي ماجد الداعري رئيس تحرير موقع مراقبون برس الإخباري  لنسوان فويس : إقصاء المرأة و تهميشها حكوميا و صعوبات الحياة و تعقيداتها في ظل الحرب المستمرة باليمن ، و تقلص فرص عمل المرأة ، و غيرها من الأسباب ، دفعت النساء إلى تحدي الحياة و خوض تجارب عمل مختلفة و جديدة عليهن منها ما كانت حكرا على الرجال ، و ذلك إثباتا للذات و صراعا على العيش و البقاء ..

 و يرى الداعري أن الحاجة وغياب الفرص يمثلا دافعان رئيسيان لخوض حواء تلك التجارب العملية النسوية المنافسة للرجل ، و تجاوز عقد الواقع و العادات و التقاليد و القيم القبلية الذكورية المقيدة لعمل و تحركات و مهن المرأة في مجتمع ذكوري كاليمن ..

و يبين الباحث و خبير الاقتصاد أحمد شماخ أن المرأة اليمنية حلت محل الرجل منذ مطلع الستينات ، يقول لنسوان فويس : اليمنيات خاصة في الريف اخذت محل الرجل في العمل فالرجل هجر الأرض و لجأ للاغتراب بعضهم كان اغترابه يطول لعقود من الزمن ما جعل المرأة تقوم بمهامه و الأمر ذاته في أيام الحرب فالرجال ذهبوا إلى الجبهات دون امتلاكهم عائد و هذا الذي دفع المرأة للبحث عن عمل .. 

يضيف في حديثه لنسوان فويس : ” المرأة وقعت في مأزق خطير فلجأت إلى تحمل أعباء كبيرة ليست على مقاسها سواءً على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي ” ..

و في ظل انعدام التمكين الاقتصادي للنساء في اليمن يوضح شماخ أن هذه المرحلة تُعد أطول مرحلة تعاني منها المرأة اليمنية ، فهي من تحملت أعباء الأسرة كاملة ، هي التي ترعى ابناءها بطرق مختلفة ، منهن من اتجهن للتسول و اخريات نتيجة عدم امتلاكها مؤهل لجأت إلى مشاريع الطبخ كإعداد الخبز أو إعداد العشار أو الجبن أو الاشغال اليدوية ..

فيما يرى الداعري أن الحرب لم تكن فرصة لأي مواطن باليمن إطلاقا و لم تساعدهم في امتهان مهن جديدة ، و إنما هي نكالا و وبالا على الجميع باستثناء تجار الحرب من قادة و عسكر و مسؤولين بعدن أو صنعاء ، كون المرأة العاملة تواجه صعوبات و ضغوطات و تحديات كبيرة ، تتعرض يوميا لصور مختلفة من التنمر و التوحش و المعاكسات الذكورية و تعرض نفسها مضطرة لمخاطر و مشاكل أسرية مختلفة كضريبة لممارستها عملها ..

تحقيق ذات و ضيق حال

لم تكن الحرب وحدها من أجبرت النساء على العمل و تحدي نظرة المجتمع لعملهن ، و ليست الحاجة من فعلت ذلك فنبيلة ناصر (39 عاما ) تعمل ممرضة في مستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء منذ قرابة اثني عشر عاماً ، تضطر للمناوبة في الفترات الثلاث بما فيها المسائية ليلاً ، و لم يكن اقناع اخيها بهذا العمل سهلا ، فخوفه عليها جعله يحضر معها أولى أيام دوامها في الفترة المسائية حتى يتأكد بنفسه من خلو القسم من الرجال تقول نبيلة لنسوان فويس : كل الأقسام التي عملت بها كانت نساء و هذا كان بالنسبة لأخي أمان ، لكن في اقسام الرجال تتواجد عاملات و الأماكن كلها أمان إذا أنت محترمة فيكون الناس معك محترمين ..

و تعمل نبيلة كي تساعد أهلها و نفسها تقول : أحب عملي جدا ، و دائما ما اسعى لتطوير ذاتي بالتأهيل العلمي و المهني ..

فيما ضيق الحال في بلد يعيش 79% من سكانه تحت خط الفقر ، أرغم سعاد (35 عاما) – اسم مستعار – العمل كنادلة في أحد مطاعم العاصمة صنعاء منذ ما يقارب الـ 15 سنة ، و ظلت تعمل لمدة أربع سنوات دون معرفه أهلها ، استمر دوامها 10 ساعات يومياً ، و ذلك لمساعدة زوجها في دفع ايجار مسكنهم و مصاريف مدارس أطفالهم ، تقول لنسوان فويس : ( نحن نبحث عن الستر، اخوتي قاطعوني فترة ، و أخي الصغير هددني بالقتل ، و حين طالبته بإعطائي مصاريف سكت و لم ينطق بكلمة ) ..

توقف الحلول

و وفقا لشماخ فإن المنظمات المحلية و الدولية لم تركز على التمكين الاقتصادي للنساء ، بل حولتهن و المجتمع بشكل عام الى متسولين من خلال تقديم المساعدات الإنسانية ، و ينوه شماخ إلى أن المرأة في المدينة لا تمثل أكثر من 20 أو 15 % من النساء في الريف اللواتي تحملن الأعباء في ظل انعدام الأمطار و السيول و غياب السدود حتى المرأة في الساحل لم تتمكن من مزاولة أي أعمال بسبب تواجد قوات عسكرية منعتهن الاقتراب من أماكن تشكل عليهن خطورة..

و في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة ، يعمل المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية مع شركائه من أجل تحقيق جملة أمور ، من بينها توفير دعم سياساتي للحكومات لترجمة مستهدفات أهداف التنمية المستدامة إلى السياق الإقليمي و المحلي ؛ و كذا تعزيز السياسات القائمة على الأدلة المراعية للنوع الاجتماعي ، إلى جانب تعزيز قدرة المجتمع المدني على الدخول في حوار مع الحكومات بشأن ضمان أن تكون القوانين و السياسات ذات الصلة مُراعية للنوع الاجتماعي ؛ و تعزيز مبادئ تمكين المرأة (WEPs) و الانخراط مع القطاع الخاص لتحسين وضع المرأة في الاقتصاد من أجل تحقيق نمو شامل و مستدام ؛ و تحدي الصور النمطية للجنسين ، و زيادة الوعي و الدعم للتصدي للتمييز القائم على النوع الاجتماعي على مستوى الفرد و الأسرة و الذي يعوق المرأة و يكرّس عدم المساواة بين الجنسين في المجتمع. 

مقالات اخرى