امل وحيش – نسوان فويس
على الرغم من أن الشرع لا يحرم زواج الأقارب إلا أن الطب يحث على توخي الحذر من هذا الزواج الذي قد ينتج عنه أمراض خطيرة من أبرزها أمراض “الثلاسيميا” و العيوب الخلقية الاستقلابية و الأمراض أحادية الجينات الشائعة و يعتبر زواج الأقارب هو السبب الرئيسي للكثير من الأمراض و الإعاقات لدى الأطفال مع ذلك ما يزال الكثير لا يفقه ماذا يعني فحص ما قبل الزواج..!
معاناة و فقد
زينب أم لثلاثة أطفال ثلاثتهم مصابون بمرض “الثلاسيميا” لكن أحدهم عبدالكريم شاء القدر أن يخفف عنها وجع رؤيته يتألم فتوفاه الله قبل عامين و هو في الخامسة من عمره سعيد الحميني الابن الأكبر يبلغ من العمر 13 عاماً منذ طفولته وهو حامل للمرض و يتعايش معه بين العافية لساعات و بين الألم أياماً طويلة ، و معاناة سعيد ما هي إلا معاناة مضاعفة لوالدته التي تنفطر قهراً على أطفالها بعد أن قضت هذه السنوات وهي تتنقل من مستشفى إلى آخر برفقة عبد الكريم أملاً أن يكتب له الشفاء لكن إرادة الله كانت أقوى.
صبرت واحتسبت وأراد الله أن يبدلها بطفل آخر بعد أن طمأنها أحد الأطباء بأن أي طفل جديد لها لن يكون حاملاً للمرض بعد ما يقرب من سبع سنوات على حملها الأخير حملت زينب بطفلها الأخير والذي أسمته علي وكانت فرحتها هي و والده مضاعفة فقد عوضهما الله بعد الفقد ..كانت زينب متخوفة أن تجري الفحوصات الخاصة بالثلاسيميا خشية أن تصاب بالخيبة ، فتكاسلت حتى أصيب طفلها بوعكة صحية وذهبت به للمستشفى و بعد إجراء كافة الفحوصات كانت الصدمة لزينب فطفلها الذي طمأنها الطبيب بأنه سيكون بخير كان حاملاً للمرض كأخوته.
من جديد تواصل زينب مشوار العلاج و الصبر و التحدي و الألم مجتمعين مع فلذات أكبادها ،فسعيد ذو ال13 عاماً يزداد ألمه في فصل الشتاء ويجب أن يتم تغيير الدم له خلال الشهر ما يقارب سبع مرات بحسب والدته وتعاني غالباً من عدم توفر الدم حيث يطلب منها أن تأتي بمتبرع في تلك اللحظة الحرجة التي قد تفقد طفلها فيها لو تأخرت ثوان معدودة .بالإضافة لأدوية مصاحبة له لا تفارقه يومياً تستمر معه مدى الحياة .
أما علي ابن العام فقد بدأت رحلة جديدة معه تتمثل في زيارة الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا التي اعتادت عليها وهي ترافق طفليها السابقين لإجراء الفحوصات و أخذ بعض الأدوية إن وجدت بالمجان وتكمل ما تبقى من جيبها لتشتري لطفليها ما يبقيهما على قيد الحياة وكلها خوف أن يأخذهما القدر كما أخذ شقيقهما عبدالكريم .
هذه معاناة زينب و طفليها سعيد إضافة إلى ذلك الشاب عبدالله البالغ من العمر ٢١ عم سعيد وابن خال زينب يعاني ذات المرض و غالباً ما يصل كالجثة الهامدة إلى المستشفى نتيجة معاناته مع تكسر الدم الذي كسر ظهر والديه و أخيه الذي يموت كل يوم من الألم كلما رأى ولديه و أخيه يتألمون معاً بذات المرض .
إصابة سعيد وأخويه بالثلاسيميا ناتجة عن زواج الأقارب فوالدته ووالده أقارب وكان زواجهما منذ ما يقارب 15 عاماً لكنها أعوام تكللت بالمعاناة مع المرض الذي أثقل كاهلهما .
لم تكن زينب تعلم بهذا المرض أو أن زواج الأقارب قد يسبب مشاكل صحية فكما تقول إن الجهل كان مسيطر عليهم حين تزوجوا و لم ينصحهم أحد بعدم ذلك .
تقول زينب :”تأتي علي أيام أبكي بعلو الصوت من شدة القهر على عيالي” و بعد أن تهدأ تعود لتحمد الله على هذا الابتلاء وتثني عليه آملة أن يعينها هي وزوجها و يكتب أجرهم ويحفظ لها أولادها و لا يحرمها منهم كما حرمت من عبدالكريم.
عادات وميراث
البيئة اليمنية لا تزال تحكمها العادات والتقاليد و منها زواج الأقارب فالفتاة لا تخرج من بيت أهلها إلا لبيت أهلها سواء زواج داخلي أو زواج من ا للُحمة و الأولوية لابن العم، و ابن ا لخال ، ثم أي شخص تربطه صفة قرابة بالعائلة حيث يعتقد البعض بأن القريب هو الوحيد الذي يحق له أن يتزوج بابنتهم، و السبب الأهم وراء تزويج الأقارب هو الخوف من ذهاب الميراث للغرباء .
أم أسيل” اسم مستعار” تقول إن خوف الأهل على الميراث له دور كبير في زواج الأقارب تقول:” زواج الأقارب أكثره خوف على الورث لا يروح لناس غُرب” تضيف:” أنا تزوجت من أقاربنا من اللحمة كان معي عيال عم بس أبي ما كان يشتي يزوجني منهم عشان المشاكل اللي بينه وبين عمي” وعن خلو أطفالها من أي مرض تقول:” الحمدلله عيالي كلهم سليمين وبخير مع ذلك أفضل شيء يايسووا فحص قبل الزواج أو ما يتزوجوا من الأقارب أحسن عشان عيالهم حرام يظلموهم ويتعبوا معاهم”.
رأيهم
فاطمة خريجة جامعية وهي أم لطفلين تعترض على زواج الأقارب وتستعين بمثل قائل : ” من القرابة ياهراباه ” حسب قولها مؤكدة أن زواج الأقارب يسبب الكثير من المشاكل الأسرية قبل أن يسبب أمراضاً وراثية و تضيف : ” زواج الأقارب مشاكله أكثر من نفعه ، يكفي إن الأسر اللي هم أقارب بسبب مشاكل الزواج قد يوصل بهم الحال للقطيعة و أيضا أكثر مشكلة صحية ألاحظها من زواج الأقارب هو تكسر الدم و معي صديقتي أخوها توفي بعدما تخرج من الجامعة بأيام بسبب زواج الأقارب “
إبراهيم شاب عشريني يعمل في مجال الإعلام يرى أن هناك حالات ناجحة لزواج الأقارب و في المقابل هناك قصص و بشكل مهول عن المشاكل الأسرية الناتجة عن هذا الزواج بحسب قوله.
و عن السبب الأبرز لزواج الأقارب يؤكد إبراهيم أن بعض الأسر لا تزوج أبنائها من غير العائلة و ذلك خوفاً على الميراث:
” بعض الأسر لا تزوج لأسرة غير العائلة لخوفها الشديد على ما يسمى الورث “. و يرى إبراهيم أن هذا معتقداً خاطئاً قد يسبب الكثير من المشاكل منها الأمراض الوراثية و الإعاقات المزمنة نتيجة عدم توافق الجينات.
وينهي حديثه بأن زواج البدل أو ما يسمى في بعض المناطق ” الزقار ” موجود بشكل كبير بين الأقارب و له تأثير كبير على الزوجين و على الأولاد من نواحي اجتماعية و صحية و ينصح الأهل بعدم إرغام أولادهم على الزواج بالأقارب أو زواج البدل الذي يفضي إلى مزيد من التفكك الأسري و يضيف:” اتركوا لهم حرية الاختيار “.
أما عمر شاب في العشرين من عمره مقبل على الزواج يرى بأن زواج الأقارب أفضل من الزواج من خارج العائلة لسبب واحد و هو أنه أقل تكلفة حيث أن العم أو الخال لن يرفع سقف شروطه و يطلب ملايين و هو غير قادر على دفعها كما هو حاصل في هذه الأيام حسب قوله.
زواج الأقارب يورث 82 مرضاً
حسب بعض الدراسات، فإن زواج الأقارب يورث 82 مرضاً، مثل الإجهاض المتكرر، الإعاقات المتعددة، مرض الحويصلات المتعددة بالكلية، مرض الثلاسيميا، مرض زيادة الحديد بالدم، مرض ضمور عضلات الوجه والكتفين، مرض الأورام المتعددة بالقولون، وزن المواليد يكون أقل من زيجات غير الأقارب، و غيرها من الأمراض.
كما أن نسبة التشوهات الخلقية الناتجة عن زواج الأقارب حول العالم تبلغ واحد من كل 33 ولادة .
ووفقاً للجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا و الدم الوراثي في صنعاء فإن إجمالي عدد المرضى المسجلين لدى الجمعية حتى نهاية 2019، بلغ 5085 حالة، منها 635 حالة إصابة بالثلاسيميا، و أغلب هذه الحالات ناتجة عن زواج الأقارب ،تُعرف الجمعية المرض بأنه اضطراب وراثي في خلايا الدم و يوصف بانخفاض مستوى الهيموغلوبين و عدد كريات الدم الحمراء عن معدلها الطبيعي ، و أعراضه التعب الشديد ، فقر الدم ، ضيق التنفس ، عدم انتظام ضربات القلب، و شحوب الجلد
و علاج هذا المرض يتطلب عمليات نقل دم منتظمة ، لكن تكمن مضاعفات هذا العلاج في تراكم الحديد في الدم مما قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالأعضاء و الأنسجة خاصة القلب و الكبد ، و حسب الجمعية
” فإن هذا المرض لا ينتقل عبر زواج الأقارب فقط بل عبر جينات وراثية حتى إن كان زواج غير الأقارب لذلك من المهم إجراء الفحص الطبي قبل الزواج “
و تشير الإحصاءات أن زواج الأقارب المنتشر في أوساط اليمنيين يمثل 50% و هو ما يمثل أبرز العوامل الرئيسية التي تسبب الأمراض الوراثية و الإعاقات المختلفة.
فحص ما قبل الزواج
لايزال الكثير يرفض موضوع فحص ما قبل الزواج بل يعتبرها البعض إهانة ،بينما يرى البعض الآخر أن إجراء فحوصات قبل الزواج تعني تكاليف باهضه ، في حين يرى آخرون وهم قلة أنه من الضرورات لكي يطمئن الزوجين على مستقبل أبنائهم الصحي.
الدكتورة يُسر عبدالهادي استشارية هندسة الجينات و البيولوجيا الجزئية تؤكد لمنصة ” نسوان ” قائلة : بأن تأثير زواج الأقارب يكون سلبياً لو كان هناك أمراض وراثية بين الأقارب و أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً هي أمراض الدم كمرض الثلاسيميا، و تنصح للحد من هذه الأمراض الوراثية بضرورة إجراء فحوصات ما قبل الزواج لضمان الخلو من الأمراض الوراثية.
على ضوء ذلك كانت هناك مطالبات لمنظمات و مؤسسات مجتمع مدني بسن قانون يلزم المقبلين على الزواج بإجراء فحوصات ما قبل الزواج للحد من المخاطر المترتبة على زواج الأقارب.
مرض الثلاسيميا ليس المرض الوحيد الناتج عن زواج الأقارب ،وكذلك ليست كل زيجات الأقارب غير صحية ،إنما حفاظاً على الأجيال من الأمراض الوراثية التي تشكل عبئاً على الأهل و على المجتمع ينصح كل شخصين مقبلين على الزواج بإجراء الفحوصات اللازمة قبل الزواج للاطمئنان على توافق الجينات من أجل بناء أسرة سوية خالية من الأمراض.