الصحافيات الأمهات في اليمن .. مُحاربات حقيقيات

شارك المقال

محمد الجرادي -نسوان فويس

“مرهق جدا، الشعور بالحاجة، إلى موائمة مريحة أو تسوية ممكنة بين القيام بدور الأمومة والعمل الصحافي”. تقول الصحافية في مؤسسة باكثير للصحافة بحضرموت فاطمة باوزير، دون ان تشير  إلى مدى ما تحرزه من تسوية بين الأمرين.

 ‏لكنها، بصيغة عمومية، تشدد أن المسألة بمثابة “ركض يومي بين مسؤليات رعاية الأطفال والعمل،  خاصة إذا كانت الصحافية الأم موظفة لدى مؤسسة وتجد نفسها أمام متطلب وقت وجهد لإثبات التواجد والحضور، حتى لا تخسر وظيفتها اويتم  الاستغناء عنها في أي لحظة”.

 ‏    باوزير، هي واحدة من الصحافيات اليمنيات، غير المبحوثات إلى الأن كصحافيات أمهات، إذا جاز لنا التأكيد على التعامل مع هكذا توصيف، كخصوصية أو مزية. فالمراكز والنقابات والمؤسسات الصحافية والحقوقية في اليمن، بما فيها تلك التي تعنى بالإعلاميات والصحفيات،  لا تزال بعيدة عن الالتفات إلى احتياجات هذه الشريحة المنوط بها القيام بمسؤولية مزدوجة وغير منظورة في طبيعة ظروفها وواجباتها.

إنهن محاربات حقيقيات، بحسب أمل واصل، المذيعة في إذاعة صنعاء. ‘ذلك أن مهمة التوفيق بين واجبات الأسرة ومهام العمل الصحفي، يحتاج إلى طول بال وتركيز شديد، كما يحتاج إلى وقت وجهد اضافيين”. وهذا ما تشرحه أسماء البزاز، الصحافية في قسم التحقيقات بصحيفة الثورة بصنعاء قائلة: “أواجه كصحافية وربة بيت، ضغوطات والتزامات أسرية ومهنية، لطالما تسببت بشكل أو بأخر بالحد من نشاطي المهني وحضور الفعاليات والتغطيات ودورات التدريب، وعزوف الإدارة التي أعمل فيها عن ترقيتي!”.

ففي حين نعلم أن ظروف العمل الصحفي في اليمن شاقة ومرهقة للنساء غير اللواتي أصبحن أمهات، من وجهة نظر فاطمة باوزير، فإن المشقة تبدو مضاعفة بالنسبة للواتي وجدن أنفسهن أمام مسؤليات البيت ورعاية الأطفال.

تضيف باوزير: “أقل ما يمكن تخيله في إطار الصورة، هو ذلك الشعور بالذنب الذي يكتنف الصحافية الأم حيال احتياجات أطفالها التي تضطر للبقاء بعيدة عنهم لساعات طويلة خارج البيت، وحتى داخل البيت أثناء عودتها لمراجعة وتدقيق عملها أو التواصل بغرض البحث عن المعلومة”.

وليست فقط الصعوبات المتعلقة بالأسرة، هي ما تواجهه الصحافيات الأمهات، فهناك صعوبات مقرونة بالمجتمع أوالنظام السياسي، إنهن يكافحن في بيئة تنكر وجودهن وأهمية عملهن، بيئة غير آمنة، ويتعرضن للاستغلال والانتهاكات في حقوقهن الوظيفية والمادية، بحسب هدى حربي، الصحفية في منصة نسوان فويس.

كما أن الصحافيات الأمهات يعانين من ضغوطات ومتاعب اقتصادية وصحية نفسية تتظافر بلاشك  مع المتاعب الاجتماعية والسياسية والمهنية. والمؤسف أنه لا أحد يلتفت إلى طبيعة التحدي الاقتصادي والصحي للنساء الصحافيات، لاسيما اللواتي أصبحن أمهات. وفق بشرى العامري رئيسة شبكة الاعلاميات اليمنيات ورئيسة تحرير موقع اليمن الاتحادي.

والآن فاقمت الحرب المستعرة لأكثر من نصف عقد، الأوضاع الصعبة للنساء الصحافيات بوجه خاص، كما تقول أمل واصل، فقد “وجدن أنفسهن أمام تحديات أكثر قسوة؛ يواجهن حالة القمع والخوف على أنفسهن وأسرهن وأولادهن، كما يواجهن خلال عملهن صعوبات كبيرة في الحصول على المعلومة،”.

في الواقع، يفرض دور الأمومة متلازما مع العمل الإعلامي والصحفي ضغوط أسرية ومجتمعية، هي الأكثر تأثيرا على عمل الصحافيات الأمهات، إذ لا تتيح للبعض منهن الاستمرار في عملهن أو تطوير قدراتهن. وهو ما تشدد بشأنه بشرى العامري، فهي ترى ان “عامل دور الأسرة هو المحوري في المسألة، ذلك أن وجود الزوج المتفهم والأسرة المتفهمة لطبيعة العمل الصحفي، يساعد كثيرا الإعلامية أو الصحفية في مواصلة عملها وتطور تجربتها”. 

توافقها فاطمة رشاد، وهي صحافية لدى مركز يمن انفورميشن سنتر صحيفة صوت الامل، قبل أن تسرد شيء من تجربتها كصحافية أم :” لدي طفلة إلى الآن، وربما تكون مهامي بالأمومة أقل من زميلات أخريات لديهن أكثر من طفل. أجد أن الأمومة والصحافة هما لا يتجزءان في حياتي لأني أحب عملي في الصحافة وأقوم بواجبي تجاه أسرتي مع وجود بعض التقصير بلاشك، إنما زوجي له فضل ودور في مساعدتي في كثير من الأمور الحياتية الأسرية’.

لكن عدا ان يتوفر العامل الأسري المساند للمرأة الصحفية والصحفية الأم على وجه الخصوص، فإنه من المهم إدراك أن مسألة خوض غمار العمل الصحفي  وممارسة دور الأمومة في الوقت نفسه، تحتاج إلى امراة قوية وقادرة على التحدي والتجاوز وإثبات الذات، طالما كان هذا هو حلمها وهو هدفها، وطالما آمنت بهذا الدور في الحياة، وفق هدى حربي. أو بتعبير الصحفية التونسية الثريا رمضان، “إما أن تحارب الصحافية الأم، أو تصير كأي موظفة عادية تبدأ نهارها في مكتب خشبي على الساعة الثامنة لتنهيه عند انتهاء الدوام بالدخول فورا إلى المطبخ”.

ومن زاوية مجتمعية، تفيد بشرى العامري بأن الإعلامية والصحافية في اليمن، لا تزال ملاحقة بشيء من النظرة الدونية من قبل المجتمع، لاعتبارات تتعلق بظروف عملها الذي يفرض عليها التواجد في الميدان، لتغطية الأحداث اوالاستماع ومقابلة الآخرين ، والسفر إلى مناطق بعيدة قد تكون لأيام أو لأسابيع بغرض إنجاز مهمة صحافبة أو تدريب وما إلى ذلك. ويزداد الأمر سوءا بالنسبة للصحافيات الأمهات. إذ يتعرضن وأولادهن للتنمر الاجتماعي، ويتقاسمن مع زميلاتهن دفع الثمن باهضا حتى أنه يطال أسرهن وأولادهن في بعض الحالات.

مقالات اخرى