أم خديجة..امرأة عصامية واجهت ظروف الحياة لأجل مستقبل بناتها

شارك المقال

نسوان فويس- سلام شرقي

بأناملها تصنع مستقبل بناتها، تخيط من تحديات الواقع أملاً يرافق أسرتها في أيامها الحالكة، فهي من ستكون ضوء حياتهم بعد الله، يعتمدون عليها بعد أن توفي الأب والأخ الوحيد.

أم خديجة..المرأة التهامية التي واجهت الكثير من الصعوبات في حياتها، بداية من زواجها وهي في سن الثانية عشرة برجل أربعيني، وصولاً إلى تحملها أعباء أسرتها المكونة من ولد و٦ بنات.

كانت الطفلة تبيع الخبز لأسرتها، قبل أن تقع أعين الرجل عليها ليتقدم ويختارها أول شريكة لحياته بزواج تقليدي ومهر متواضع.

مرت السنوات واستقبل منزلهم 7 أطفال  6 بنات وابن وحيد، لاحقاً أخرجت الظروف الاقتصادية الأب والأم للعمل.

إعتاد الأب، الذي انتقل من مدينة الحديدة إلى مديرية المراوعة، أن يسافر للعمل ، فيما كانت الأم تكافح من أجل أطفالها ، فبدأت تبيع الدخن بعد طحنه يدوياً وهو أحد الأعمال المتعبة في الريف التهامي.

تمر العملية بعدة مراحل، من الشراء إلى الطحن ليلاً، ثم الطبخ في الصباح الباكر في التنور المصنوع من الفخار، لتتوجه بعد ذلك أم خديجة إلى السوق لتبيعه وتعود لأطفالها بما تيسر من الزاد.

كبر الأطفال وكبرت حاجاتهم، وارتفعت تكاليف المعيشة، فلم يعد عمل الأم مجدياً لتغطية احتياجات أسرتها، إذ أضافت المدرسة عبئاً آخر، ما دفعها للتفكير في عمل يغطي تلك المصاريف، وهي المرأة الريفية التي تنظر إلى الأعمال التقليدية والحرفية كنافذة أمل.

معاناة أنتجت المشروع

من هنا بدأت أم خديجة في مشروعها الأبرز، والذي لايزال مستمراً حتى اليوم رغم كل التحديات والصعوبات والمنعطفات التي مر بها ذلك المشروع الصغير.

كان المشروع عبارة عن صناعة المشاجب، وهي قطع أثاث من الموروث الشعبي التقليدي، تُعلّق عليها الملابس خاصة في وقت تبخيرها.

ساعدتها إرادتها في التميز بمشروعها، فكانت أم خديجة تصنع المشاجب في منزلها بأحد أحياء مدينة المراوعة، وتذهب لبيعها في سوق المديرية مستفيدة حينها من الإقبال الواسع من المواطنين لشراء تلك المنتجات التراثية.

شجّع هذا النجاح اللافت الأم للحرص على نقل خبراتها لبناتها ليساعدنها على توسيع المشروع وزيادة الإنتاج، وبدأ المنزل يتحول إلى مكان لعرض المنتجات على الأسر المعروفة والقريبة، إلى جانب الاستمرار بعرض المشاجب في سوق المديرية التي تعتبر تجمعاً تجارياً للمناطق المجاورة.

أن تستمر وحيداً

أراد الأب أن يتوقف عن سفره وبعده عن أسرته ليكون بينهم، في ظل سفر ابنه الوحيد، لكنه لم يمكث طويلاً فقد توفى بينما انقطعت أخبار الابن الذي لم يعرف بوفاة والده إلا في وقت متأخر.

تحمّلت أم خديجة العبء وحدها باستثناء بعض المساعدة من بناتها، في ظل عدم وجود جهات رسمية أو جمعيات ومنظمات تقدم الدعم لتلك المشاريع الصغيرة لضمان استمرارها.

واصلت مسيرة الكفاح، فباعت الأم أرضاً ورثتها، لدفع تكاليف زواج ابنها وإلحاق 3 من بناتها في الجامعة، واستمرت هي في عملها بمشروعها.

مرت الأيام، لحق الإبن الوحيد بأبيه، بوفاة مفاجئة، تاركاً أمه وأخواته وزوجته وحيدات ، تلقت أم خديجة كل تلك الصدمات لكنها ظلت واقفة، ليبقى ذلك المنزل البسيط قائماً بمن فيه.

المصائب لا تأتي فرادى

مثّلت تلك الفترة مرحلة فارقة، اجتازتها الأم وبناتها، وبدأت سنوات الحرب تلقي بظلالها على مشروعهن الصغير، إذ تدهورت العملة المحلية، وارتفعت أسعار المواد الخام المستخدمة في المشروع، زاد المعروض، وقلّ الطلب على المشاجب ومختلف الصناعات التقليدية، لعدم قدرة البعض على الشراء، و بسبب دخول الحداثة التي زاحمت المنتجات التقليدية.

تكيفت أم خديجة مع هذا الوضع ، حتى إستمرت بمشروعها الذي أصبح في أغلب الأوقات لا يوفر دخلاً تعتمد عليه الأسرة، فلجأت لتأجير جزء من المنزل، لتوفير دخل إضافي، فيما استمرت بصنع المشاجب.

اليوم تعيش الأم مع 3 من بناتها فيما الثلاث الأخريات تزوجن، تعمل إحدى البنات مدرسة بإحدى المدارس الخاصة بأجر شهري لا يتجاوز 15 ألف ريال (25$)، لكنه يسد بعضاً من متطلبات الأسرة البسيطة، لاتزال الأسرة تكافح للبقاء، على أمل أن يعود الأمن وتتوقف الحرب ويزدهر المشروع، ليعشن حياة كريمة تستحقها كل أسرة يمنية.

مقالات اخرى