نسوان فويس- مروى العريقي
” نفسي بنتي تروح المدرسة لكن وضعنا ما يسمح”! هكذا عبّرت أم هند لنسوان فويس عن أحلامها المهدورة منذ انتقالهم للعيش بالعاصمة صنعاء جراء الحرب التي تشهدها البلاد لحوالي ثمان سنوات..
لم تتمكن هند فهيم ابنة التسع سنوات من الالتحاق بالمدرسة كسائر قريناتها، تنظر بحسرة من شباك منزلهم كل صباح إلى الفتيات وهن في طريقهن للمدرسة وببراءة الأطفال تقول لوالدتها متى سأذهب للمدرسة!
تعجز أم هند عن إجابة ابنتها، تقول لنسوان فويس: ” أصبحت المعيشة صعبة هذه الأيام، كل همنا كيف نوفر اللقمة، أما التعليم ما نقدر عليه بهذه الظروف”!
تساعد هند والدتها في جلب الماء للمنزل، ويعمل أخوها محمد – 12 عامًا -في جمع العلب الفارغة وبيعها حتى تتمكن الأسرة من سداد إيجار المنزل الذي يسكنوه، بعد أن تركوا منزلهم في مدينة تعز – جنوبي غرب البلاد- بسبب الحرب..
واقع سيء
شكلت الأضرار التي الحقتها الحرب واقع جديد لمستوى التعليم في اليمن يكاد يصل به إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر فالوضع الإقتصادي المتردي أعاق مواصلة الطلاب للتعليم، مما حاول دون إستطاعت الأُسر تحمل نفقات التعليم والبعض منهم اضطر إلى دفع أبناءه للعمل من أجل توفير دخل إضافي للأسرة، وتوقيف فتياته عن التعليم لعجزهم توفير متطلباته..
في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله “الحوثيون”، زادت أعباء الأسر بدفع رسوم سميت “بـالمشاركة المجتمعية” إذ يدفع الطالب رسوم شهرية إضافية تجمع للمعلمين الذي لا يتقاضون رواتب منذ عام 2016 ، الأمر الذي لم تستطع عليه عدة أسر، ما دفع بأبنائها ترك التعليم، وحتى في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً فهشاشة التعليم هناك عرته احتياج سوق العمل، لأنهم لا يتلقّون تعليمًا يُعتد به، بل يبقى الكثير من المتخرّجين عاطلين عن العمل.
تجولت نسوان فويس في احدى المدارس الحكومية بالعاصمة صنعاء، والتقت عدد من الطالبات، أسماء عامر -13 عاماً- تحكي لنسوان فويس يومها الدراسي: نتلقى 5 حصص في اليوم وأحيانًا 4 حصص ، ويلزمنا بعض المدرسين بالواجبات المنزلية ، أما عن الاختبارات فتقول: قبل بدء الاختبار يعطينا المعلمون مراجعة في اليوم التالي تكون هي الإختبار”..
ويعزو الكاتب حاتم علي وهو صحفي مهتم بالقضايا التربوية، ضعف التعليم إلى الطالب نفسه الذي لم يعد مهتماً بالمعرفة على نقيض جيل الأمس الذي غابت عنه الوسيلة إلا أن إصراره على التعليم كان عميقاً : ” المفارقة العجيبة التي تبعث على الأسى أن التعليم في القدم آتى ثماره على كل المستويات المعرفية كون الطالب في تلك الفترة كان شغوفاً بالمعرفة باحثاً عنها بكل الوسائل رغم انعدام الوسيلة ذاتها ومع ذلك إصراره كان عميقا، ضف لذلك كانت للأسرة والبيئة المكانية رديف أساسي في المتابعة بحسب مساحة الحب للتعلم نظراً لحرمانها منه، وكانت النتيجة لتلك المرحلة جيل واعي يحمل من الثقافة الكثير من مداركها وما يزال ذلك الجيل يشكل لنا ابجديات القادم..”
حب العمل الذي ظهرت نتائجه وانعكس بشكل كبير على ذلك الجيل فقد تلقى تعليمه على ايادي معلمين أحبوا مهنتهم، كما يوضح ذلك علي في حديثه لنسوان فويس: المعلامة اعتمدت مع الصغار لغة تتناسب مع ميولاتهم خاصة أثناء نطق الحروف ومقاربة ذلك بالقراءة والتكرار وهذا بدوره ساعد المتعلم الصغير أن ينجذب لذلك اللون الذي لو رأيناه الآن لوجدنا شبه عمل منظم يقوم به المعلم وسط طلابه بفرحة تفوح منها رائحة المتعة..”
بينما يرجح باحثون ارتفاع مؤشرات الأمية في البلاد إلى حزمة من العوامل تقف خلفها الحرب، وأبرز تلك العوامل: نزوح ملايين الأسر، وتدمير آلاف المدارس، فضلاً عن إفقار ملايين الأسر كنتيجة حتمية لتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية للبلاد في ظل انقطاع مرتبات غالبية موظفي الدولة، والذي أسهم في رفع معدلات قصور التعليم النظامي..
أرقام وحقائق
يتحدث تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في العام 2018 عن أن أكثر من 2500مدرسة أصبحت خارج الخدمة كليًا، وقد أقفلت 27% منها أبوابها، وتكبدت ٦٦% أضرارا، واستُخدم 7 % كملاجئ للنازحين أو صادرتها المجموعات المسلحة لغاياتها الخاصة..
ووفقًا لتقرير آخر صادر عن اليونيسف أيضاً، في فبراير 2021، يحتاج أكثر من 8 ملايين طفل يمني إلى دعم تعليمي طارئ، أي أنهم بحاجة إلى “مجموعة من المشاريع التي تضمن استمرار التعلّم المنظّم في حالات الطوارئ أو الأزمات أو اللاإستقرار الطويل الأمد“..
والفتيات هن الفئة الأكثر تضرراً بالظروف الاقتصادية مقارنة بالفتيان، وفقاً لما تؤكده تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي وكتلة التعليم، إذ أن 36 % من الفتيات خارج المدارس مقارنة بـ24 % للفتيان..
حتى لحظة كتابة هذا التقرير لم توجد أي إحصائيات رسمية للتسريب من التعليم في اليمن أثناء الحرب، الأمر الذي يكشف اللامبالاة تجاه قضية هامة كقضية التعليم في البلاد..
ولعل أبرز التحديات التي تواجه قطاع التعليم في اليمن، هي إنقطاع رواتب المعلمين والتي تدفع عددًا متزايدًا منهم إلى التوقف عن التدريس، الأمر الذي يعرّض حوالى 4 ملايين طفل لخطر حرمانهم من فرصة التعليم بسبب إنخفاض عدد المعلمين بحسب منظمة الأمم المتحدة اليونيسف..
مبادرات متعثرة
استبشر المعلمون بمبادرة اليونيسف في العام 2019 والتي تبنت مشروعاً يقضي بتقديم حافز شهري قدره 50 دولاراً شهرياً لمساعدة المعلمين على الحضور، لكنها سرعان ما توقفت بعد خمسة شهور فقط من بدايتها، وسط شكاوى من خصومات طالت المبالغ المخصصة..
مع بداية العام الماضي 2021، كان من المقرر أن يشهد قطاع التعليم تحسناً، بإطلاق “المشروع الطارئ لاستعادة التعليم والتعلُّم في اليمن”، بتمويل إجمالي 152 مليون دولار أمريكي، تكفل البنك الدولي بتقديم ثلثيها ومُول الثلث الأخير من “الشراكة العالمية”، وتظهر البيانات المنشورة على موقع خطة الاستجابة الإنسانية تعثر بدء أغلب البرامج خلال الشهور الماضية، وأبرزها دعم المعلمين، في حين أن المبلغ المقدم في العام الماضي 46 مليون و700 ألف دولار، ذهب إلى مشاريع برنامج الأغذية العالمي، الخاصة بالتغذية.
الصورة من موقع اليونيسف