نسوان فويس- مروى العريقي
” اصبت بسرطان المعدة واحتجت إلى استخراج جواز جديد لأتمكن من السفر خارج البلاد، اضطررت إلى دفع 500 ألف ريال – ما يقارب 900 دولار امريكي – لأخي الوحيد حتى يحظر معي مصلحة الهجرة والجوازات ويستكمل إجراءات الحصول على جواز”..
بحرقة تتحدث مريم عباس -39عامًا- (اسم مستعار) عن معاناتها في استخراج جواز سفر لها ، واستغلال أخيها الوحيد لحاجتها وعوزها وهي أرملة لفتاتين تقول لنسوان فويس: ” أبي متوفي وزجي قُتل في الحرب ما معي غير أخ واحد ما أقدر أخرج جواز إلا بحضوره ولأجل ذلك كل طلباته مجابه وانفذها له”..
أما شذى الشرجبي فتروي لنا قصتها بغصة ملئها الفقر والحرب وحشًة وبؤسا: “اضعت منحه دراسية إلى الهند بسبب أنه يتوجب عليّ استخراج جواز سفر من مناطق خاضعة لسيطرة الشرعية ، وأسرتي لا تستطيع تحمل نفقات السفر إلى مدينة أخرى”..
وبحسب ما هو معمول به في جميع مقرات مصلحة الهجرة والجوازات داخل البلاد فإنه يتوجب على الشرجبي مغادرة مدينة الحديدة – غرب اليمن – التي تسكنها، والانتقال إلى إحدى المدن والتي تبعد أقربهن إليها مسافة 400 كيلو م2 والبقاء لقرابة أسبوع حتى تنتهي من إجراءات استخراج جواز السفر.
يكفل الدستور اليمني حق الرجال والنساء -على حد سواء- في الحصول على جواز السفر العادي ومنح الوثائق بذلك لكل من بلغ سن السادسة عشر من العمر ويحمل جنسية الجمهورية اليمنية، وتنص المادة (31) من الدستور على أن ” النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجه الشريعة وينص عليه القانون “..
وتحت شعار #جوازي_بلا_وصاية طالبت نسوة في مدينة تعز – جنوب غربي اليمن- بتطبيق القانون رقم (7) لسنة 1990 بشأن الجوازات ولائحته التنفيذية ، في وقفة احتجاجية الأسبوع المنصرم أمام مبنى الهجرة والجوازات في المدينة ، عبرن فيها عن سخطهن لعدم تطبيق الأنظمة ، والدعوة لتعميمٍ يُلزم مصلحة الجوازات بالعمل وفقاً للقانون ، كي تحصل النساء على حقوقهن في استخراج وثائق سفر بلا تمييز ولا انتقاص.
لاقت الحملة جدلًا واسعًا بين رواد وسائل التواصل الاجتماعية بين مؤيد ومعارض فيرى الشاب عبد الحفيظ شاكر أن الشخص هو من يحدد ذاته وافعاله سوى كان داخل بلده أو خارجها: “لا سلطة تستطيع كبح إرادة الناس الذاتية كانوا رجالًا أو نساءً، الشر والخير هذا مسؤولية التنشئة وهي مرحلة قبل الحصول على جواز السفر”. بحسب رأيه..
استثناء!
أما عن أمير القرشي ويعمل محاسب في إحدى الشركات الخاصة فيشير إلى تعقيد تركيبة المجتمع التي تستوجب الاستثناء: ” نحن في مجتمع محافظ، ويجب للفتاة أن تقطع جواز بوجود ولى أمرها، وليس بدونه كونه يعتبر مخل للشرع والعادات والتقاليد ، لسنا كدول الغرب أو جزء من الاتحاد الأوروبي ، وعن حملة جوازي بلا وصاية يقول: أطلقتها نساء لا يوجد لديهن محرم – مقطوعين من شجر، لهن استثناء لكن يجب ألا يقحموا خصوصيات الآخرين، فقد تنشر الفوضى والفتن ويحدث تمرد لأي فتاة عن أهلها وتتعرض للعنف بسبب الحملة”..
في المقابل تقول الناشطة الحقوقية عائشة الجعيدي ساخرًة: “بغض النظر إن الجواز اليمني ما يودينا إلا مصر أو السودان إلا إني مستغربة من خوف المجتمع الشديد إن البنات يهربن!
ليش حاسين إننا ممكن نهرب؟ مش إلا تعاملونا كملكات متوجات! “
يرفض الكاتب السياسي د. طه حسين الروحاني وجود حق للنساء في استخراج جواز سفر دون وصاية قائلا: “حُلت كل قضايانا ولم يبقى من مشاكلنا سوى حضور الأب والزوج عند استخراج جواز البنت أو الزوجة، واعتبار ذلك الحضور اهانة لها ووصاية عليها ويجب اسقاطه، لا جديد في الموضوع فهذا هو دأب المنظمات الخارجية وأذرعها الداخلية، وهذا نموذج من مساهماتها في تنمية البلدان الفقيرة، وهؤلاء هم أنفسهم الناشطون والناشطات وادوارهم، نحن مع المرأة وتعليمها وعملها وحقوقها ومشاركتها وتمكينها، ولا أحد يزايد علينا بذلك، لكننا لسنا مع تنظيم التظاهر من أجل منع أبوها أو زوجها من الحضور إلى مصلحة الجوازات..
ويوضح بيان الحملة أن مصلحة الجوازات خالفت الدستور والمواثيق العالمية التي صادقت عليها اليمن، وسنَّت لنفسها عُرفاً يمنع النساء من استخراج وثائق سفر إلا بموافقة ولي الأمر، وهو عرفٌ تستند حيثياته على اتهام النساء في أخلاقهن وشرفهن وكرامتهن.
وأشار البيان إلى أن الحملة بقدر ما تهدف لوصول النساء لواحدٌ من أهم الحقوق المدنية المكفولة لهن، فهي تسعى لتمكينهن وبناء قيادتهن في التنظيم والعمل الجماعي للتغيير، فهي نابعة من حاجة النساء، وتصب في مصلحتهن. وتسعى الى إيصال أصواتهن لصناع القرار وللرأي العام والمنظمات المحلية والدولية وكل المهتمين.
عنف ناعم
تكشف الاشتراطات الإدارية أن سلطة العرف الاجتماعي تعلو على سلطة القانون، وأن مؤسسات الدولة المعنية بدرجة رئيسية بتطبيق القانون، هي من تقوم بتعطيله لصالح الاستناد إلى سلطة العرف التقليدي وسلطان النظام الأبوي المتخلف، وكأنّ الشغل الشاغل لهذه المؤسسات هو العمل على محاصرة المرأة وفرض الوصاية عليها وتهميشها وحرمانها من أبسط حقوقها، كما يوضح ذلك الباحث الاجتماعي عيبان السامعي ..
ويضيف في ورقة عمل قدمها لندوة اقامتها الحملة في وقت سابق: إن الهدف من هذه الإجراءات والاشتراطات الجائرة هو تأبيد استعباد المرأة وقطع الطريق أمام امتلاك مصيرها وتحررها الإنساني، لأن حرية التنقل والسفر بدون قيود هي التجسيد العملي لقيمة الحرية، وهي من المبادئ الأساسية التي تكفلها الدساتير والقوانين.
تُحاصر الأنثى في مجتمعنا الذكوري بالتابوهات والمحرمات وقيم العيب والعار، وتظل حبيسة تلك القيم منذ ميلادها وحتى وفاتها، ويتم تنشئتها على أنها رمز العفة وعنوان الشرف، ويقع على عاتقها الحفاظ على سُمعة العائلة. وتحت وطأة ضغط منظومة القيم والمعايير هذه، يجري تطويع النساء للهيمنة الذكورية، عبر “العنف الرمزي” الذي يوضحه السامعي بأنه العنف الناعم واللا محسوس واللا مرئي من قبل الضحايا، ويمارس تزييف للوعي، لدرجة أن تتقبل الضحية هذه الهيمنة وتستجيب لها بشكل شعوري أو لا شعوري.
ولا يستغرب السامعي من أن عدد من النساء يناصرنَّ القيود الإدارية التي تتبعها مصلحة الجوازات والهجرة والتي تشترط منح جواز السفر للمرأة بموافقة ولي الأمر، أو أن يتخذنَّ موقفاً مؤيداً لزواج القاصرات، أو يقفنَّ ضد الكوتا النسوية، وضد المساواة بين الجنسين، باسم “الدفاع عن الشريعة” و”حماية الفضيلة” و”مناهضة العلمانية”، و”محاربة الفساد الأخلاقي”!
ويرى السامعي أن هذه القضية محسومة وأثبتت أحقية حصول المرأة على جواز سفر بمحرم أو بدونه وكانت بنضال مجتمعي مشرف للنساء والرجال معا في المجتمع المدني، في ذروة سطوة التشدد الديني في البرلمان والسلطة على أشدها، وما يجري الآن هو حالة انفلات إداري، تقوم على مزاجية ضابط أو مختص في إدارة الجوازات أو الداخلية وهو بحاجة فقط إلى محافظ المحافظة أو وزير الداخلية، ليعيد التذكير بتوجيهات إدارية وتوبيخ ومعاقبة مثل هؤلاء. بحسب رأيه..
وتستنكر دكتورة علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتورة ذكرى عبد الجبار رؤية البعض بأن حق المرأة في استخراج جواز دون وصاية وحقها في السفر …هو جريمة في حق المجتمع، مُتسائلة : من هو المجتمع؟ هل الذي يمارس أبشع الجرائم في حقها تحت مسميات مرتبطة بمعتقد أو قناعة أو موروث رجعي يجعل المرأة تابعة وخانعة وضعيفة …مجتمع ذكوري لا يقبل ولا يستوعب أن يرى المرأة ندًا له وشريكة له في كل شيء.. !
وتبدى استغرابها من خوف بعض الرجال استقلالية المرأة ونديتها، قائلة: هم يعلمون جيدا أن الأخلاق والانضباط واحترام المرأة لنفسها وأهلها وخصوصية المجتمع لا تأتي إلا من مجتمع واعي ومنفتح يمنحها الحرية فتمنحه الأمان..
وتضيف تساءل: لماذا لم تستوعب أخي الرجل أن المرأة تستطيع أن تحافظ على نفسها وتجتاز كل الصعوبات بعيدا عنك ودون وصايتك!!
لم يحسم أمر الوصاية بعد، فلاتزال مريم تنتظر صدور جوازها بعد تمكنها من احضار أخيها إلى مصلحة الجوازات بمالها الذي تستند عليه في الشدّ والظرف العصيب اللذان تمر بهما، فلم يشملها استثناء الحالات المرضية أو شفقة العاملين هناك..