لميس.. حكاية فتاة حاصرها الدستور والسلالم

شارك المقال

سميرة عبد اللطيف – نسوان فويس

“كانوا يبصرون إعاقتي قبل أن يلمسوا طموحي..” بهذه الكلمات المختنقة بالوجع، تروي لميس حكايتها؛ ليس كفتاة عاجزة، بل كإنسانة واجهت جدران الأنظمة التي تصر على رؤية “القيد” وتجاهل “الإنسان”.

في مدينة تعز، وتحديداً بين أزقة مديرية “صالة” التي أنهكتها الحرب، تخوض لميس أحمد عبدالله (31 عاماً) معركة من نوع آخر. هي معركة انتزاع الحقوق في بيئة لم تُصمم لأمثالها.

تقول لميس بلهجة يملؤها الإصرار: “تعلمتُ المشي بشق الأنفس، كانت سنوات العلاج الطبيعي دهراً طويلاً”، لكن هذه الخطوات التي كسبتها لم تكن إلا بداية لرحلة صعود شاقة في بلد لا تزال طرقه وقوانينه وعرة.

لميس أحمد عبدالله
لميس أحمد عبدالله

حين تصبح السلالم اختباراً للكرامة

لم يكن التعليم للميس مجرد كتب ودفاتر، بل كان اختباراً يومياً لقوة التحمل. فالمباني المدرسية بسلالِمها الشاهقة وأبوابها الضيقة، كانت “مهمة مستحيلة” دون سند.

تستذكر لميس تلك اللحظات بامتنان مشوب بالألم: “كان إخواني يحملونني إلى الفصل، وينتظرون حتى يفرغ المبنى من الطلاب ليتمكنوا من إخراجي”. بفضل تكاتف أسرتها، ومرافقة أختها التي كانت ظلها الدائم، استطاعت لميس كسر حاجز الثانوية العامة، معلنةً انتصار الإرادة على العمارة غير المهيأة.

اغتيال الأمنيات

حين وصلت لميس إلى عتبات الجامعة، لم تعد السلالم هي العائق الوحيد؛ بل اصطدمت بأسوار “اللوائح العقيمة”. رُفض قبولها في عدة تخصصات بحجة حاجتها لمرافقة دائمة، لتستقر أخيراً في قسم التاريخ والعلوم السياسية.

لكن الصدمة الأكبر كانت بانتظارها في نصوص القانون والدستور اليمني، الذي يشترط “سلامة البدن والحواس” لتولي المناصب القيادية.

تقول لميس بمرارة: “حسّسني القانون إن أحلامي أكبر مني.. رغم أنني لم أشعر يوماً أنني مختلفة عن بقية البشر”. هنا، لم يكن الجسد هو العائق، بل كانت الكلمات المكتوبة على الورق هي التي تحاول قصّ أجنحتها.

ترصد منصة نسوان فويس في الانفوجراف التالي معوقات الحياة للفتيات ذوات الإعاقة في اليمن:

انتهاكات خلف الستار القانوني

تضع قصة لميس المنظومة القانونية اليمنية تحت المجهر. فرغم توقيع الدولة على المعاهدات الدولية لدمج ذوي الإعاقة، إلا أن القوانين المحلية لا تزال تنطوي على ثغرات تشرعن الإقصاء.

وفي هذا السياق، تؤكد الناشطة الحقوقية إيمان القدسي أن حالة لميس هي “نموذج حيّ” للفجوة التي تحول الإعاقة إلى ذريعة قانونية لحرمان الكفاءات من حقوقهم السياسية والوظيفية، مشددة على أن الكفاءة تكمن في الفكر والإدارة، لا في القدرة الحركية.

وتضيف في هذا الفيديو

بيئة لا ترى الإنسان!

بعيداً عن الأوراق الرسمية، تظل “النظرة المجتمعية” هي الجدار الأكثر قسوة. المجتمع الذي يربط الإعاقة بالعجز، يضيف ثقلاً جديداً فوق كاهل لميس.

 الفيديو التالي تشرح أماني الجوباني، رئيسة مؤسسة سياق، أن رحلة لميس تعري القصور المجتمعي في تقبل وتمكين ذوي الإعاقة. فالمجتمع والأنظمة لا يزالان يختزلان الإنسان في جسده.

  لميس أحمد ليست مجرد قصة معاناة، بل هي صرخة بوجه نظام يحتاج إلى “ترميم أخلاقي وقانوني”. وتبقى قصتها شاهدة على أن الإعاقة الحقيقية ليست في الكرسي المتحرك، بل في عقلية الأنظمة التي لا ترى الإنسان إلا من خلال قيوده.

مقالات اخرى