عن لياقة النساء البدنية يمنيا: وعن نوادي تسعى لخلق أجسام مثالية

شارك المقال

دولة الحصباني – نسوان فويس

على مر العصور، تغيرت معايير الجمال، وتغير معها شكل الجسم المثالي للنساء، ففي حين مثل تمثال فينوس ويلندورف في العصور الحجرية رمزا للخصوبة والرخاء، وهي مواصفات المرأة المرغوبة آنذاك، نزع اليونانيون إلى اعتبار ما ذهب إليه هسيود – شاعر القرنين السابع والثامن قبل الميلاد- بأن المرأة المثالية في شكلها الأول هي “كالون كاكون”، أي الشيء الجميل الشرير، ذات الأرداف والصدر الكبير، والمعدة غير المسطحة، تطور هذا الشكل في عصر النهضة ليبدو الجسم المثالي في لوحات رافاييل بهيئة شاحبة، وجسم منحني، ولكن بوجوه مستديرة مضاءة الخدود، وهكذا تدرجت معايير الجسم المثالي بتوالي الأجيال المختلفة حتى ظهرت في ثمانينات القرن الماضي مواصفات الجسم المثالي الذي تعكسه عارضة أزياء سمراء، طويلة ونحيفة ولكنها رياضية إلى حد ما، زادت هذه الصورة رسوخا في التسعينيات، العقد الذي كرست فيه أنحف الأجسام النسائية على مر التاريخ كنموذج  مثالي وذلك بظهور عارضة الأزياء البريطانية كيت موس .
مع هذه المحاولات النسوية في ضبط قالب جمالي لهيئاتهن، ظهرت ثقافة اللياقة البدنية للمرأة في القرن العشرين، بلغت ذروتها العام 1969 مع تأسيس أول سلسلة نوادي صحية مخصصة للنساء.

“أسرق من اليوم ساعتين، اخصصها لتدريبات اللياقة البدنية، هذه الساعتين كفيلة بتحسين صحتي البدنية وسحب طاقة القلق والتوتر مني، أعود للمنزل أكثر هدوءً، وامتصاصا للغضب، وإقبالا على المواجهة”

 

موقع الجيم يمنيا.!

في مفارقة غير مفهومة – وبالرغم من عدم وجود احصائيات رسمية للعدد الكلي لنوادي اللياقة الخاصة بالسيدات في صنعاء – إلا أن اللافت انتشارها وتعدد مستوياتها، ولعل لهذا التفاوت في المستويات، دور حاسم في تعدد خيارات الالتحاق أمام السيدات الراغبات بالانضمام.

بين قرابة سبعة آلاف ريالًا (14$)، وخمسون ألف (100$) تتراوح تكلفة الاشتراك الشهري في هذه النوادي، هذا الاختلاف في الأسعار مبعثه عدة أسباب متعلقة بفخامة النادي وموقعه، وإمكانياته التشغيلية، وتوافر الخدمات الإضافية، وعلى الأغلب تتكفل النساء أنفسهن بدفع هذه المبالغ. عدا أن هذا الانتشار للنوادي يعكس بعدا آخر متعلق بتزايد التحاق السيدات، وهو أمر قد يبدو مستغربا في ظل الوضع الاقتصادي البائس وسطوة الثقافة الذكورية التي تتعامل مع هذا التوجه كنوع من الرفاهية غير الضرورية، وغير المرحب بها اجتماعيا.

“إقبال النساء على النوادي الرياضية يفوق إقبال الرجال، خاصة خلال السنوات الأخيرة ” ترى سناء معجب – رئيس نادي profitness – للنساء. متوقعة زيادة الإقبال خلال الشهور والسنوات القادمة مع ارتفاع نسبة الوعي بأهمية الرياضة ليس فقط من منطلق جمالي، ولكن من منطلق صحي ملح.

ولعل الصحة هنا لا تقتصر عن الصحة البدنية، للنفاد من السمنة السبب الرئيس للعديد من أمراض العصر، بل تمتد لتلامس الجانب النفسي والوجداني، إذ يوفر (Gym) متنفسا لتفريغ الكبت، والتخفيف من تراكمات الحرب، والضغوطات الحياتية ” لم يكن ينقصني الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام الذي سحقنا تحت رحاه جميعا، إلا أن يكافئني زوجي بالزواج عليّ بثانية! ” تقول متهكمة انتصار- ربة بيت- في حديث لمنصة نسوان فويس.

تقلصت الجلسات النسائية البينية (التفاريط)، بفعل تسارع رتم الحياة وتعدد الالتزامات الأسرية، على عكس الأوضاع في السابق. الحياة في كنتونات صغيرة ضاعفت الصراعات النفسية للنساء – الطرف الأكثر تضررا والأكثر حساسية تجاه الضغوطات- فكان اتجاه عديد منهن للنوادي، وسيلة للحفاظ على بعض التوازن والسلام النفسي. “أسرق من اليوم ساعتين ،اخصصها لتدريبات اللياقة البدنية، هذه الساعتين كفيلة بتحسين صحتي البدنية و سحب طاقة القلق والتوتر مني، أعود للمنزل أكثر هدوءً ، وامتصاصا للغضب، وإقبالا على المواجهة ” تقول انتصار ،وفق دراسة أمريكية صينية فإن النساء يستطعن  الوصول لنتائج أفضل، بوقت أقل مقارنة بالرجال .

لكن “النادي يشكل فرصة لتعلم النظام والانضباط، وتكوين دوائر علاقات نسوية صغيرة تتشارك نفس الدوافع والهموم والتطلعات، هنا تتساوى النساء ربات بيوت، مثقفات، كبار ويافعات، الفيصل هو في مقدار الجهد المبذول لتحقيق الغاية والهدف العام الذي يقف خلف انضمامنا للنادي” تقول سلوى الجبل-30 عاما- خريجة محاسبة عاطلة عن العمل.

معجب: كانت جميع هذه الجهات وحتى الآن للأسف، تتعامل بخفة، أو أنها بالفعل تجهل مجالات اختصاصها فيم يتصل بموضوع منح التراخيص للنوادي الرياضية النسائية، بالحظ استطعت انتزاع تصريح من السياحة، لكن هذه الصدفة لم تكن بمتناول زميلات أخريات كن يحاولن أن يؤسسن نوادي للنساء

 

تحديات أم رفض…؟

تبدو السيدة الأربعينية سناء معجب، بهيئة أصغر، ليس فقط بفعل مواظبتها على إعطاء تمارين يومية، وعلى فترات متتالية للسيدات اللواتي قررن ارتياد نادي بروفيتنس المالكة له، ولكن -أيضا- بفعل شغفها وإصرارها على تحقيق ذاتها، وانتزاع هذا الفضاء من غول بيروقراطية متوغلة لدى الجهات المعنية بمنح التراخيص. “خضت حربا شرسة حتى نلت تصريح لفتح النادي من وزارة السياحة، إذ لا توجد جهة محددة وواضحة مخولة بمنح التراخيص”.

تسرد معجب معاناتها في أروقة وزارة الشباب، البحث الجنائي، وزارة الأشغال، ووزارة السياحة بحثا عن منحها ترخيص.” كانت جميع هذه الجهات وحتى الآن للأسف، تتعامل بخفة، أو أنها بالفعل تجهل مجالات اختصاصها فيم يتصل بموضوع منح التراخيص للنوادي الرياضية النسائية، بالحظ استطعت انتزاع تصريح من السياحة، لكن هذه الصدفة لم تكن بمتناول زميلات أخريات كن يحاولن أن يؤسسن نوادي للنساء”.

فجوة قائمة اتضحت بالفعل عند محاولتنا التواصل بمختصين في وزارات: الشباب، السياحة، والأشغال. بدت المسألة أكبر من مجرد جهل وظيفي بالمهام والاختصاصات، بل حالة عامة من الإنكار وعدم الاعتراف الرسمي المقنن بأحقية السيدات في ممارسة أنشطة بدنية كانت حكرا على الذكور، هذا الإنكار ليس صارما، ولم يتخذ طابع الفظاظة، لكنه يتعامل مع هذه الاتجاهات والمبادرات النسوية بمسحة من عدم الأهمية، علاوة لغياب الحماية “ليس لدينا نقابة، أو ظهر نستند عليه، نعمل بمبدأ السلامة” تقول معجب لمنصة نسوان فويس.

ولكن ماذا عن العامل الثقافي لشعب محافظ قد يرى خطورة في ارتداء المرأة لملابس رياضية في قاعات النوادي ؟!، تجيب الجبل:” للأسف منعت صديقتي من المجيء للنادي، لأن اخيها لا يضمن عدم وجود كاميرات تصوير” إجابة تبدو منطقية لتجسيد صورة عامة من الموانع، والمحذورات التي لا تعكس بالضرورة واقع النوادي، بالقدر الذي تعكس حساسية ثقافية تجاه محاولات المرأة إيجاد نفسها.

صحة وليس بناء كتلة عضلية!

يرى عبدالكريم الفقيه، أن ذهاب البنات للنوادي الرياضية يخدش أنوثتهن؛ الفقيه الذي يدرس لغات، ويبدو على قدر عال من الحضور والمشاركة لأنشطة زميلاته، يعلل سبب موقفه بالقول:” لنا أن نتخيل فتاة جميلة بكتلة عضلية؛ هذا أمر ترفضه الفطرة السوية، ما الفرق بين الجنسين إذن؟! ” يتساءل!

لا ينبع هذا الرأي للفقيه من خلفية متزمته، لكنها الصورة التي تركتها فيديوهات وسائل التواصل المتداولة، لأجساد بقوام مشدود ورشاقة بالغة لكن بعضلات بارزة ومشدودة، وهذه صورة فيها مبالغة.” نعم يتواجد الحديد في النوادي النسائية، لكن توظيفه محكوم بطبيعة المرأة، نحن كمدربات عادة نركز على تمارين الايروبكس والكارديو “الهوائية” المخصصة لحرق الدهون، إضافة لتمارين مقاومة الأوزان ولكن بشكل أخف، واليوجا، وتمارين التنفس ” تؤكد معجب.

ما هو الجسم المثالي؟!

منذ لحظة الانضمام للنوادي الرياضية تشرح المنضمة شكواها للمدربة، تتعدد الأهداف الصغيرة، لكنها تصب جميعا في هدف نهائي هو الحصول على جسم مثالي.” تتحمس عدد من السيدات – بفعل تأثير الصورة التي يرسمها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للحصول على أجسام بهيئات محددة مسبقا، وهي الصورة التي لا يمكن تطبيقها عمليا، إذ أن التناسق هو جوهر الممارسة الرياضية: التخلص من الدهون شد العضلات، تحقيق المرونة الحركية، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن ،يحافظ على الجسم من الشيخوخة المبكرة ” تتابع معجب حديثها.

تتمتع بعض الأندية بخدمات تقديم الاستشارات الغذائية والدعم النفسي، لكنها تكاد لا تذكر أمام تدفق وصفات ونصائح المؤثرين في وسائل التواصل. “كنت أعاني من سمنة مفرطة، لم تجدي معها التمارين، أو الانقطاع عن أكل السكر والخبز، لذلك لجأت لحمية قاسية طبقتها بناءً على طريقة كنت تابعتها على الانستجرام، تسببت لي بمضاعفات خطيرة، بعدها دخلت في حالة اكتئاب وعزلة استمرت لقرابة ستة شهور” تحكي سميرة (اسم مستعار) لمنصة “نسوان فويس” تجربتها مع النوادي، ومع الحمية. الرياضة واتباع الحمية ليست حلا سحريا لصد مفاجآت الأجسام في عصر غير صحي بالمطلق، مالم تلتزم بضوابط الاحتياج الايضي والنفسي للجسد. فاطمة، اخصائية تغذية، تقول إن بعض وصفات الحمية التي يتم استقاءها من العالم الافتراضي قد تحدث أثر عكسي. بالمثل تؤدي بعض تمارين الحصول على بطن متقطعة لاختلال هرمونات الخصوبة.

عادة لا تراعي وصفات الحمية المنتشرة على وسائل التواصل عوامل أخرى ليس لها علاقة بالغذاء، مثل الروتين الحركي اليومي، ونوعية الأطعمة التي تتناولها المرأة بشكل اعتيادي.” معظم النساء اللواتي ساعدتهن بعمل جدول غذائي صحي، يعانين من سمنة، أو اختلال في تناسق الجسم ناتج عن الروتين الحركي للسيدة، وبدرجة أقل بسبب الغذاء، نحن مجتمع بالكاد يوفر احتياجات الأكل الأساسية، ليس لدينا من الخيارات ما يقفز بالطعام إلى مرتبة العدو الأول، إنما الضغوطات وإهمال الحركة، عوامل أقرب لتوصيف أسباب اختلال الأجسام في الحالة اليمنية، هناك حالات يتفوق فيها سوء التغذية، على سبب إهمال الحركة، وهناك حالات تجمع بين السببين لكن العملية بمجملها تحتاج وعي ذاتي من المرأة ” تضيف فاطمة علي.

رغم أن الطريق نحو ترسيخ ثقافة اللياقة البدنية لليمنيات ما يزال تحت بند الرفاهية، ومحوم بتحديات ثقافية وإداريةٍ واقتصادية، إلا أن المشهد العام يشهد تحول بطي لكنه مستمر ومتصاعد.

وبين الرغبة في التحرر من تراكمات النفس الثقيلة، والسعي إلى استعادة التوازن الروحي، لا تبدو النوادي الرياضية فقط مجرد قاعات تدريب؛ بل فضاءات لمقاومة التآكل اليومي، في بلدٍ أنهكته الحرب.

وإذا كانت اللياقة البدنية في المجتمعات المستقرة تُعد خياراً جمالياً أو أسلوب حياة، فإنها في الحالة اليمنية تكتسب بُعداً وجودياً؛ ممارسةً ضد الوهن، وضد اليأس.

 

الصور مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي

مقالات اخرى