تجميد البويضات… بين حلم الأمومة والقبول المجتمعي في اليمن

شارك المقال

سمر عبد الله – نسوان فويس

تنمو الفتاة، وتنمو معها غريزة الأمومة، تتجلى هذه الفطرة في لعبها دور الأم مع الدمى، وميلها لكل الألعاب التي تعبر من خلالها عن غريزتها، لكن مع مرور الزمن، تتقاطع الرغبات مع واقع يضيق بالنساء شيئا فشيئا، وتحول الظروف أمام بعض الفتيات فيحرمن من تحقيق هذا الحلم إما بسبب التأخر في الزواج، أو الانشغال بالدراسة والعمل، أو الإصابة بأمراض تضعف الخصوبة. لذلك تدخل المرأة في صراع مع الوقت، خشية أن يُغلق باب الأمومة أمامها للأبد مع التقدم في العمر.

في السنوات الأخيرة، بدأت تقنية تجميد البويضات تطل كنافذة أمل جديدة للنساء في اليمن — رغم كونها محاطة بجدلٍ واسع وأسئلة اجتماعية ودينية لا تزال تبحث عن إجابات مطمئنة.

الأمومة وسباق الزمن

لم يكن ألم فشل الخطوبة هو كل ما تعانيه (ع.م ) (35 عامًا)، بل كان الضغط الاجتماعي الذي يحذرها من ضياع الوقت لتحقيق حلم الأمومة، واتهامها بالتذمر وطرح الاشتراطات التي قد تقودها للندم، أمر حاسم في دفعها للقلق بشأن قرار تأجيل الزواج حتى إيجاد الشريك المناسب.

تقول (ع.م) لـ”نسوان فويس” وهي تضحك بمرارة:” كنت أظنها مجرد كلمات فارغة حتى فهمت لاحقًا أن العمر فعلاً يمضي، وأن خصوبتنا كإناث ليست أبدية.”

عبر الصدفة قرأت (ع.م) منشورًا عن تجميد البويضات، فقادها الفضول للبحث أكثر، لكنها وجدت نفسها وسط الكثير من الآراء المتضاربة: بين من يجهل التقنية، ومن يرفضها بدعوى الدين أو العادات، ومن يشكك بوجودها أصلًا في اليمن، ومن يكتفي بنصح السيدات بترك الموضوع للنصيب.

ومع ذلك فالقضية مثارة، ومحل اهتمام مئات النساء اليوم، متزوجات وغير متزوجات، يطرحن الأسئلة نفسها: هل يمكن أن يكون تجميد البويضات حلًّا واقعيًا يحفظ لهنّ حلم الأمومة؟

هذا التقرير يقدم صورة شاملة، بالاستناد إلى خبراء ومصادر موثوقة، مع قصص حقيقية توضح الأبعاد العلمية والاجتماعية وموقف الشرع من تقنية تجميد البويضات.

ماهية تجميد البويضة

توضح الدكتورة “نجاة الملس”- استشارية نساء وتوليد وأطفال أنابيب، وأول طبيبة يمنية متخصصة في الحقن المجهري- في حديثها لـ “نسوان فويس” قائلة: “تجميد البويضات هو إجراء طبي يتم خلال مرحلة نضوج البويضة عادة في اليوم الثاني عشر إلى الرابع عشر من الدورة الشهرية، سواء بعد دورات طمثية طبيعية أو بعد تحفيز المبايض بالأدوية الهرمونية للحصول على أكبر عدد ممكن من البويضات”.

وتتابع حديثها:” بعدها يتم سحب هذه البويضات وتخزينها في أسطوانات مخصصة داخل غاز النيتروجين عند درجات حرارة منخفضة للغاية وتظل البويضات مخزنة حتى يحين وقت استخدامها، للفتاة العازبة مستقبلاً بعد الزواج أو للمتزوجة مباشرة لتمكينها من الحمل، مع إمكانية التخزين للبويضات لعشر سنوات أو أكثر مقابل رسوم سنوية قدرها 100 دولار”.

الجدير بالذكر أن هذه التقنية تُستخدم في حالات تأخر الزواج، أو الإصابة بأمراض سرطانية قد تؤثر على المبايض قبل العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، وكذلك عند النساء اللاتي يخططن لتأجيل الحمل لأسباب مهنية أو شخصية.

آلية تجميد البويضات

الملس تشرح آلية تجميد البويضات بالقول: “تجميد البويضات أصبح إجراءً بسيطًا بفضل التقدم الطبي؛ ويتم عبر طريقتين، الأولى خاصة بالنساء المتزوجات، حيث يتم سحب البويضات عبر المهبل، والثانية متعلقة بالفتيات العازبات حيث تُجرى العملية حاليًا باستخدام جهاز السونار عبر فتحة الشرج أو البطن، بدلًا من الجراحة أو المنظار كما كان سابقًا”.

وتضيف الملس:” في هذا الصدد أجريت عملية سحب بويضات لامرأة متزوجة منذ 2003، عن طريق البطن لأن الحالة كانت تعاني من عيوب خلقية في المهبل”.

“أجرينا في مركزنا أول عملية تجميد عام 2017، لكن عدد الحالات حتى اليوم ما يزال محدود بالمقارنة بعددها في دول أخرى “.

ولأن عديد مؤثرات قد تسهم في عملية نجاح أو فشل تقنية التجميد، تنوه الملس إلى قضية عمر المرأة عامل حاسم في نجاح التقنية، إذ تنخفض جودة البويضات بعد سن الخامسة والثلاثين.

“فكرة التجميد وُجدت أساسًا لخدمة النساء المصابات بالأمراض السرطانية، لحفظ بويضاتهن قبل العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، حتى يتحقق لهن تحقيق حلم الأمومة بعد الشفاء ” تستطرد الملس.

مؤكدة أن مضاعفات إجراء التجميد محدودة للغاية، تشمل نزيفًا طفيفًا من الإبرة أو التهابات نادرة.

وبخصوص طريقة حفظ البويضات تقول الملس:” بعد سحب البويضات، تُحفظ بطرق علمية روتينية وتحت إشراف طبي كامل، مع توثيق جميع بيانات الحالة ومنح كل بويضة رقمًا خاصًا، ووجود شاهد من اختصاصي التجميد لضمان عدم اختلاط الأجنة.”

مضيفة “يتم إعادة استخدامها بحضور الزوجين إلى المركز والتأكد من شخصيتها بالوثائق القانونية بعد تقديمها طلب برغبتهما في استخدامهن أو إتلافهن”.

 

التجميد بين الحاجة والخوف

حتى الآن، لم تُسجل أي حالة تجميد بويضات لفتاة غير متزوجة في اليمن، رغم تزايد الاستفسارات والاهتمام بهذه التقنية، خاصة من نساء تجاوزن الثلاثين، منشغلات بالدراسة أو العمل.

” الاستفسار عن التجميد يأتي غالبًا من عازبات تجاوزن 35 عامًا، بينما يُنصح بالبدء قبل هذا العمر لضمان جودة البويضات” استنادا الى توضيحات الملس.

أما النساء المتزوجات يخضعن عادة لتجميد البويضات ضمن برنامج الحقن المجهري، خصوصًا في الحالات التي لا تتوفر فيها حيوانات منوية وقت السحب لدى الأزواج، أو عندما تكون الظروف الطبية غير مهيأة للتلقيح الفوري.

 

أهم عوامل نجاح وانتشار تقنية التجميد مرتبطة بالظروف الاجتماعية والمادية والعقائدية، تحد من الإقبال على هذا الخيار، رغم أهميتها في الحفاظ على خصوبة المرأة، إلى جانب ارتفاع التكلفة بالنسبة للوضع الاقتصادي العام لغالبية اليمنيين والتي تتراوح بين 200 إلى 260 دولارًا، بحسب عدد البويضات المستخرجة ويعد عمر المرأة وجودة البويضات أهم العوامل التي تؤثر على النجاح، إلى جانب العوامل الجينية المصاحبة

 

المراكز المتاحة للتجميد

وبحسب متابعة معدة التقرير وبحثها محليا، تبين لها أن خدمة مراكز تجميد البويضات تقتصر -حاليا- على ثلاثة مراكز طبية فقط داخل العاصمة صنعاء، من بينها مركز الدكتورة نجاة الملس، ما يفسر سبب محدودية اللجوء لهذه التقنية حتى اليوم.

علاوة على أسباب أخرى تسردها الملس “الظروف الاجتماعية والمادية والعقائدية، تحد من الإقبال على هذا الخيار، رغم أهميتها في الحفاظ على خصوبة المرأة، إلى جانب ارتفاع التكلفة بالنسبة للوضع الاقتصادي العام لغالبية اليمنيين والتي تتراوح بين 200 إلى 260 دولارًا، بحسب عدد البويضات المستخرجة ويعد عمر المرأة وجودة البويضات أهم العوامل التي تؤثر على النجاح، إلى جانب العوامل الجينية المصاحبة”.

 

الحمل من بويضات مجمدة

وفيما يتعلق بمدى نجاح حدوث حمل عبر الحقن المجهري للبويضات المجمدة، تقول الملس:” نسبة نجاح الحمل للبويضات المجمدة عبر الحقن المجهري ليست 100%، لكنها تُعد نسبة مقبولة علميًا.”

وتستشهد بتجربة السيدة (س.ص) (45 عامًا)، التي كانت تعاني من مخزون مبيضي منخفض جدًا – أقل من 1، تقول: ” بعد تنشيط المبايض، حصلنا على بويضة واحدة فقط تم تجميدها ثم أُعيدت عملية التنشيط مرة أخرى، فحصلنا على بويضة ثانية بعدها تم عمل إجراء حقن مجهري للبويضات المجمدة، وتم إرجاع الأجنة إلى رحم الأم، وحدث الحمل بنجاح.”

هذه القصة وغيرها تمثل بارقة أمل للنساء اللاتي يواجهن ضعف الخصوبة أو تأخر الإنجاب، وتؤكد أن التقنية، رغم تكلفتها ومحدودية انتشارها، قادرة على تحقيق حلم الأمومة حتى في المراحل العمرية المتقدمة.

انقسام قبول التقنية يمنيا

أجرت نسوان فويس استبيان لقياس الآراء حول تقنية تجميد البويضات بمشاركة 55 امرأة، أظهرت نتائجها أن غالبية المشاركات 33 امرأة بنسبة (60.4%) أيدن فكرة تجميد البويضات، بينما عارضتها 4 مشاركات بنسبة (7.5%)، فيم التزمت 18 مشاركة بنسبة (32.1%) الحياد.

وكانت أهم دوافع المؤيدات: ضمان فرصة الأمومة مستقبلًا في حال غياب شريك الحياة الحالي بنسبة 46.9%، أما الحفاظ على الخصوبة وتأجيل الإنجاب بنسبة 40.6%، والأسباب الصحية المحتملة بنسبة 43.8%.

فيما تصدرت أسباب عدم الثقة بنجاح التقنية رأس أسباب الرفض بنسبة 50%، تلاها تأثير رأي المجتمع والعائلة بنسبة 25%، ثم الخشية من الاتجار بالبويضات بنسبة 25%، وأخيرا المخاطر الطبية المحتملة بنسبة 25%.

وفيما يخص منظور المجتمع، ترى 11% من المشاركات أن المجتمع يتقبل التقنية، بينما ترى 37.7% أن المجتمع لا يتقبلها، و50.9% أن المجتمع يتقبلها إلى حدٍّ ما.

وعن أسباب عدم قبول المجتمع ترى نسبة 40% أن السبب عائد للعادات والتقاليد الاجتماعية، وقلة المعلومات والوعي بالتقنية بنسبة 75%، والخوف من انتقاد العائلة والمجتمع بنسبة 20%، والخوف من اختلاط الأجنة بنسبة 5%، والاعتقاد بأن التقنية تدخل ضمن قضايا الحلال والحرام بنسبة 5%.

تشير هذه النتائج إلى أن الموقف الشخصي تجاه التقنية إيجابي نسبيًا مقارنة بتقبل المجتمع، ويبرز الحاجة لتعزيز التوعية والمعلومات الصحية والاجتماعية حول تجميد البويضات.

تجميد البويضات كوسيلة جائز شرعًا بشرط أن تكون محفوظة بأمانة، وألا يحصل أي خيانة أو خلط بين الأنساب ويجب أن يكون التجميد حصريًا للزوجين فقط، بحيث تُستخدم بينهما دون غيرهما.

وفي حال حدوث موت أحد الزوجين أو الطلاق، يجب التخلص من البويضات برضا الزوجين وللضرورة

حملات التوعية والأفق المستقبلي

في السياق أقيم قبل عامين مؤتمر طبي توعوي في اليمن حول أورام المبايض والأورام السرطانية الاخرى، استهدف تدريب الأطباء على توعية النساء بسرعة تجميد البويضات قبل بدء العلاج الكيماوي أو الإشعاعي، حفاظًا على فرص الإنجاب لاحقًا.

ومع زيادة الانفتاح المعلوماتي واهتمام النساء بحقوقهن الإنجابية، يتوقع الأطباء أن يزداد الإقبال تدريجيًا على هذه التقنية خلال السنوات القادمة.

فيما لا تتعارض الفتوى الشرعية مع تقنية التجميد للمتزوجين، إذ يؤكد العلامة، عبدالله الراعي، مفتى الجامع الكبير بصنعاء أن تجميد البويضات كوسيلة جائز شرعًا بشرط أن تكون محفوظة بأمانة، وألا يحصل أي خيانة أو خلط بين الأنساب ويجب أن يكون التجميد حصريًا للزوجين فقط، بحيث تُستخدم بينهما دون غيرهما. وفي حال حدوث موت أحد الزوجين أو الطلاق، يجب التخلص من البويضات ويشدد المفتي على أن هذا الإجراء جائز برضا الزوجين وللضرورة.

رأي فضيلة مفتي الجامع الكبير بصنعاء
رأي فضيلة مفتي الجامع الكبير بصنعاء

قد يظل الجدل قائمًا، لكن ما لا خلاف عليه هو أن حلم الأمومة لا يسقط بالتقادم، وخيارًا طبيًا وإنسانيًا يمنح المرأة حرية القرار تجاه مستقبلها الإنجابي.

 

مقالات اخرى